*رفع مظلومية الجبهة الجنوبية إعلاميًا بحاجة إلى بذل المزيد من جهود الإعلام المقاوم*
*عدنان علامه / عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين*
*تفاجأت من تناول سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله لموضوع مظلومية الجبهة الجنوبية إعلاميًا. وقد تناول سماحته بالتفصيل كافة مراحل المواجهات منذ 08 تشرين الأول/ اكتوبر الماضي وشرح بإسهاب أنواع العلميات ضد تجمعات وآليات العدو، وأعطى التوجيهات في كيفية الإستفادة من المعطيات للتركيز على عدد قتلى جنود العدو الذي يحرص على إخفائها أو تقليلها إلى أدنى الحدود. وهذا يمكن تفسيره على عدم رضاه وارتياحه على الأداء الإعلامي للقنوات ووكالات الأنباء ومواقع التواصل الإجتماعي المحسوبة على جبهة المقاومة.. بالإضافة إلى عدم التغطية الكافية لبعض القنوات الفضائية والمنصات الإلكترونية لعمليات المقاومة الإسلامية.*
*ولا بد من الإشارة بأن سماحة الأمين العام – باعتراف الصديق والعدو – بروفسور وخبير مميز في الحرب الاعلامية – النفسية؛ فقد أسهب سماحته في تعداد العمليات العسكرية والتي تخطت 670 عملية؛ وقد تم توثيق ذلك بالصور وخاصة إصابة الدبابات والآليات وتجمعات جنود العدو، فربط سماحته بعدم إعتراف العدو بعدد قتلاه بما يتناسب مع هذه الفيديوهات. ولم يصدر أي فيديو تحليلي لدعم وجهة نظر سماحته يبين العدد الحقيقي لقتلى العدو وجرحاه.*
*فالإعلام أمر فوتي وإذا لم يتم إستثمار ما ينشر في وقته؛ فإن الوهج الإعلامي الذي يمكن أن يحققه سيخبو.. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ تفاجأت من توزيع العدو لفيديو عن اثر سقوط صاروخ “بركان” في ثكنة برانيت وقد سوَّت الموجة الإنفجارية لصاروخ بركان كل موجودات ساحة الثكنة بالأرض؛ وللأسف لم تستفد وسائل إعلام المقاومة من مضمونه أو التعليق على سبب توزيع العدو لفيديو يبين مدى الدمار الذي تحدثه صواريخ المقاومة الإسلامية في مواقع العدو. وربط ذلك بالتشكيك بعدم إعتراف العدو بقتلاه وجرحاه.*
*وللأسف أصبح العمل الإعلامي مع تقدم وسائل التواصل والإعتماد عليها بالإقتصار فقط على نقل الخبر، وليس صنعه وتحليل مضمونه بالإستفادة من برامج التواصل وبرامج البحث عن المعلومات والفيديوهات.*
*وقد اقتطفت مقطعًا مما استعرضه سماحة الأمين العام قال فيه: “سنتكلم قليلاً عن هذه الجبهة ماذا حصل فيها؟ لأنها طبعاً هي جبهة مظلومة، مظلومة اعلامياً. خلال هذه المرحلة تم استهداف كل المواقع الحدودية وعدد كبير من المواقع الخلفية وعدد كبير من المستعمرات الاسرائيلية رداً على استهداف المدنيين أو إستهدافاً لعسكريين لجأوا الى المنازل داخل المستعمرات. وفي إحصاء بسيط، نفذت المقاومة الاسلامية ما يقارب او ما يزيد على 670 عملية خلال ثلاثة أشهر. وفي بعض الأيام بلغ عدد العمليات 23، عملية فالمعدل الوسطي من 6 الى 7 عمليات عسكرية يومياً.. المواقع الحدودية التي تم استهدافها في 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي أكثر من 48 موقع حدودي. يعني لم يبقَ موقع حدودي من الناقورة إلى آخر مزارع شبعا إلا وتم استهدافه لعدة مرات، هذا عدد المواقع. وأما عدد الاستهدافات للمواقع فبلغت 494 استهداف. هناك 11 موقع خلفي؛ يعني التي تأتي في الصف الثاني من بعض المواقع الامامية. وأما النقاط الحدودية التي لجأ اليها الجنود الاسرائيليون فبلغت 50 نقطة حدودية وقد إِستُهدِفَت أكثر من مرة، اضافة الى المواجهات التي خاضها سلاح الدفاع الجوي مع سلاح العدو. وعدد المستوطنات 17 مستوطنة.فما الذي كان يحدث ولا زال يحدث؟ بالمرحلة الاولى؛ تم استهداف المواقع الحدودية كلها لأن جيش العدو متواجد في المواقع وكان بالأيام الاولى متواجد في المواقع، سقط طبعاً عدد كبير من القتلى والجرحى هذا موضوع سأرجع له بعد قليل..”*
*وأود أن استعرض معكم بعض الوقائع التي حصلت قبل تطور وسائل الإتصال والكشف عن بعض الجنود المجهولين لتبيين كيفية الإستفادة من المعطيات الإعلامية لخدمة قضية المقاومة الإسلامية:*
*1- قدمت غرفة عمليات المقاومة جدولًا لتدمير دبابات الميركافا مع تاريخ ومكان تدميرها على يد المقاومة الاسلامية أوخر التسعينيات إلى الكاتب عماد مرمل، حيث نشرها آنذاك في جريدة السفير. وتم الإيعاز إلى السفارة التركية في بيروت بواسطة أحد الأصدقاء للإطلاع على خبر تدمير الدبابات في جريدة السفير؛ فأعلنت تركيا إلغاء تلك الصفقة.*
*2-وصلت معلومات مؤكدة إلى مكتب قيادة المقاومة بأنه تم دفن أشلاء قتلى كمين أنصارية عام 1997 في قبر واحد. فطلب الشهيد القائد السيد ذو الفقار من مسؤول الإعلام الحربي أبو محمد 53 توزيع صور أشلاء إنصارية والتي تعود إلى عدة جنود في الصحف اللبنانية الصادرة باللغة الأجنبية؛ ولكنها رفضت، فتم التواصل مع المحرر في صحيفة الديار إبراهيم ناصر الدين الذي ابلغني موافقة الإدارة على ذلك، وتم بعد ذلك نشر معلومات عبر الإنترنت بأنه تم دفن أشلاء عدة اشلاء لقتلى جنود كمين أنصارية في قبر واحد سرًا مخالفين بذلك تقاليد الدفن عندهم. الأمر الذي دعا أهالي الجنود المطالبة بتحقيق فوري لأنهم دفنوا أولادهم كالكلاب. ونتيجة لضغط أهالي القتلى تم نبش القبر وإجراء فحوصات الحمض النووي وإعادة دفن الأشلاء مع أصحابها في مراسم دفن رسمية. ولتبرير ذلك؛تم التضحية بكبير حاخاميي الجيش لسماحه بالدفن الجماعي للأشلاء؛ فصدر قرار بتنحيته.*
*3-عملية الشهيد الحي؛ حصل حوار ونقاش ما بين مسؤول الإعلام الحربي الحاج أبو محمد 53 والسيد محمد الحسيني الذي كان يعمل في وحدة الإعلام المركزي وتلفزيون المنار لبث فيديو نشره تلفزيون العدو عن ملاحقة العدو للشهيد الحي هادي السيد حسن بواسطة ملالة ترافقها مروحية، ومن ثم استهدافه بصاروخ من طائرة حربية. وأعلنت المقاومة الإسلامية عن فقدان الإتصال بالمجاهد. وبعد تحليل مضمون الفيديو كانت وجهة نظر مسؤول الإعلام الحربي بأنه تمت ملاحقة الأخ هادي بملالة ومروحية وطيران حربي وإذا نعيناه فننعي بطلًا عجز العدو عن مواجهته وجها لوجه. وتوقف السيد محمد الحسيني عند تدخل الطيران الحربي ووعد بمتابعة الموضوع وإقناع الإدارة بعرض الفيديو. وتم عرضه لاحقًا على شاشة المنار بعد موافقة رئيس المجلس التنفيذي؛ وقبل مَنتصف الليل جاء خبر عودة الشهيد الحي. فأتصل مسؤول الإعلام الحربي بالأخ عبد الله رسلان الذي كان يعمل في تلفزيون المنار وإذاعة النور طالبًا منه إذاعة الخبر العاجل، علمًا بأن إذاعة أي خبر عاجل يتطلب موافقة مسبقة؛ فتجاوز ذلك ونشر الخبر فتعالت التكبيرات في بيروت والضاحيةوالجنوب واصبح المجاهد أيقونة للمقاومة ونجمًا إعلاميًا. حيث إستطاع بفضل الله وعنايته ولطفه إذلال العدو ذلًا لا ذل بعده. ولو لم ينشر الفيديو لما حصلنا على هذه النتيجة الإعلامية وإلتفاف أهل المقاومة حولها.*
*4- إغتيال إيرز غيرشتاين. كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، عن أن اغتيال حزب الله لقائد قواته في جنوب لبنان إيرز غيرشتاين بتاريخ 28 شباط/فبراير 1999 ترك صدمة كبيرة في تل أبيب، وعجّل في عملية انسحاب الجيش من الأراضي المحتلة.*
*وأما على صعيد التعاطي الإعلامي؛ فقد حصل تنسيق رفيع جدًا بين مسؤول العمليات في الجنوب الحاج أبو محمد الإقليم ومسؤول الإعلام الحربي والمسؤول المناوب في الإعلام المركزي الأخ سعد. وأشرف سماحة السيد على كافة تفاصيل كيفية التعاطي مع المستجدات الإعلامية في تلفزيون المنار وإذاعة النور. لأن خبر العملية كان مقتضبًا جدًا وبدون أية تفاصيل: “تم تفجير عبوة ناسفة بموكب قيادي أدى إلى مقتل وجرح كل من كان فيه”.*
*ومساءً إعترف العدو بمقتل غيرشتاين؛ وعلّق على نشر تلفزيون المنار لصور مكثفة لغيرشتاين مع عدم الإعلان عن مسؤولية إستهدافه قبل الإعلان الرسمي الإسرائيلي لمقتله.*
*وتم الإستفادة الإعلامية من العملية لأكثر من إسبوعين حتى قال العدو إن “حزب الله يمتلك منظومة متكاملة تجمع ما بين الجهد الحربي والاستثمار الاعلامي – النفسي، وأن ما تم اثارته في وسائل اعلام الحزب كان محضرًا قبل أسبوعين من مقتل غيرشتاين.*
*5- كانت هناك جهود مكثفة لأحد الجنود المجهولين الحاج أبو محمد عبد الذي كان يبث عبر الإنترنت وبشكل يومي عمليات المقاومة وخسائر جيش العدو على صفحة “حركة الأمهات الأربع” اللواتي شكلن جبهة ضاغطة على حكومة إيهودا باراك الذي لم يتحمل خسائر جنوده كما لم يستطيع أن يواجه دموع نساء جمعية الأمهات الأربع؛ فإنسحب من لبنان دون أي قيد أو شرط.*
*6- كان المسؤول في الإعلام الحربي يرصد وبشكل دقيق كل صغيرة وكبيرة في الكيان الغاصب؛ وفي الربع الأخير من العام 2000 عقد العدو مؤتمرًا صحفيًا وقد غطته وسائل إعلام محلية ودولية َتفاخر فيه العدو بتقلص أعداد القتلى إلى حده الأدنى.*
*فنسق مسؤول الإعلام الحربي مع المحرر محمد يونس في غزفة تحرير أخبار المنار؛ فتم إنجاز تقرير إخباري مدعومًا بالأرقام، ويؤكد على أن عدد القتلى والجرحى مرتبط بأعداد الجنود المتواجدة على الأرض والمهام العسكرية الموكلة إليهم. وقارن التقرير عدد القتلى لثلاث سنوات ماضية إلى عدد الجنود فكانت النسبة الأكبر للخسائر كانت عام 2000 عن العامين 1998و 1999. وقد أكد صوابية التقرير عدد من قادة أجهزة مخابرات العدو.*
*وبناءً عليه فالمطلوب بذل جهود أكبر في صناعة الخبر وعدم الإكتفاء بمجرد نقل أخبار المقاومة فقط، بل بقراءتها وتحليلها وتحويلها إلى سلاح نفسي – معنوي ضد العدو .. فالحرب الإعلامية هي من أهم الحروب ونستطيع من خلالها أن نصنع الإنتصارات المميزة دون إراقة نقطة دم واحدة كما حصل في العام 2000 مستفيدة من تراكم عمليات المقاومة.*
*وإن غدًا لناظره قريب*
*08 كانون الثاني/ يناير 2024*
Discussion about this post