كلنا يعيش هذه التحولات العالمية بتسارع كبير. ولا يكاد بتابع أحداثا ذات اثر مستمر وتحولي كبير حتى يجد حدثا أكبر.
ها هي فرنسا تشتري الغاز المضغوط من الصين عبر اليوان لتخرج من حلقة الاحتكار الامريكي وما يعنيه هذا للتحول الغربي نحو الصين وها هي البرازيل تحول تعاملاتها مع الصين باليوان وبالعملة المحلية وتخرج من الدولار.
وها هي مصر تنضم رسمياً إلى البريكس وتحول ضغوط الدولار إلى الحصول على مساهمات من بنوك البريكس وآليات التنمية فيها.
وهاهي السعودية تستعد للإستثمار في إيران وتستعيد علاقاتها معها وتعيد تشكيل تموضعها الإقليمي بعيداً عن الهيمنة الأمريكية وتخفض إنتاجها النفطي لاستعادة الأسعار المناسبة بالنفط وتصبح عضواً مراقباً في بريكس استعداداً للإنضمام إلى أكبر تكتل اقتصادي في العالم بالإضافة لانضمامه لمنظمة شنغهاي وها هي الدول الافريقية تعتمد أكثر فأكثر على الصين وتنميتها وروسيا وحبوبها وتخرج عن السيطرة التقليدية لفرنسا وبلجيكا وباقي الدول الأوربية.
وسورية واليمن ولبنان تعود للتعافي والحلول السياسية بعد التفاهم الإيراني السعودي برعاية صينية.
وتتسارع الخطوات باتجاه استعادة سورية لعلاقاتها العربية وباتجاه تسهيل عودتها إلى الجامعة العربية بالاضافة لما تشهده اليوم في اللقاء الرباعي من أجل استعادة أراضيها وسيادتها عليها بتعهدات تركية واضحة.
هذا كله يحدث والهيبة الغربية تتراجع والانهيارات البنكية في أمريكا وأوروبا تدوي وتنذر بانتهاء عصر الدولار والانتقال نحو اليوان والروبل ونحو العملات الرقمية لتحمي نفسها من إنهيار المنظومة المصرفية الغربية من بنك السيلكون فالي إلى كريدي سويس إلى دويتشه بنك وعشرات البنوك الغربية الكبيرة.
هذه التحولات قال عنها الرئيس الصيني شي جي بينغ في أول زيارة له خارج الصين لحليفه بوتين وفي بداية عهده الثالث نحن نعيش تغيرات عالمية لم تحصل منذ مائة عام.
أما الصراع بين الغرب وروسيا في أوكرانيا فالجيش الأوكراني يعيش انكساراته واستجدائه للذخيرة والدبابات الأوربية والأمريكية وطائرات ال اف ١٥ الأمريكية ولكن بلا جدوى فالمعركة في باخموت القلعة النووية التي انشاها السوفييت لمقاومة هجوم نووي عليها خدمت الغرب كثيراً ولكن فاغنر في النهاية اخترقتها وانتصرت وما هي إلا أيام وتصبح أهم الانتصارات لروسيا ضد الأسلحة الغربية في أوكرانيا.
أمريكا بدأت تبحث عن مخارج أيقنت بأهمية المفاوضات بعد عناد ومراهنة زائفة على الجيش الأوكراني والدعم بالسلاح الغربي.
لقد سقطت ليوبارد وأبرامز والقنابل الذكية وظهرت قوة وتفوق السلاح الروسي بعد فشل الولايات المتحدة المتكرر في إطلاق الصواريخ فرط الصوتية وسقط الرهان على التراجع الروسي وصار التقاسم الروسي الغربي لأوكرانيا واقعاً راهناً ونهائيا.
لقد أظهرت الأزمة الأوكرانية استنزافا حاداً” لاوربا وفشل العقوبات الغربية على روسيا وبدأ التحول الاقتصادي والمالي باتجاه الصين وخصوصاً بعد ظهور التحالف الروسي الصيني الاستراتيجي والمتين في وجه الغرب.
وها هي اسرائيل تعيش أياماً صعبة تظهر تناقضاتها وتنذر بنهايتها وضعفها وتراجعها وها هي فرنسا تعيش أقسى أنواع التظاهرات رفضاً لنزع قوانينها الاجتماعية وإيقاف التحول الاقسى على منظومتها الاجتماعية لدرجة حادة تنذر بالانقسام وضرب بنية الدولة والدخول في الفوضى وتترافق بموجة تظاهرات غير مسبوقة في أوربا رفضاً للسياسات الغربية الامبيريالية والمكرسة للتضخم المستمر .
لقد قالتها نائب وزارة الخزانة الأمريكية السابقة حين تتخلى السعودية عن دعم سياسات البترو دولار تتضرر المنظومة المالية والمصرفية العالمية وتدخل في حالة تضخم مالي مستمر وغير مسبوق يؤدي لانهيار منظومة الرفاهية الغربية وتؤدي لانتهاء عصر الدولار وهيمنته الأحادية على الاقتصاد العالمي.
العالم مصدوم بالمتغيرات ولم يستطع تغيير قاموس خطابه السائد لأن المتحولات أكبر من استيعابهم. والصين التي تعمل بحكمة وهدوء قد كسبت الجولة لأنها تعرف اللؤم الغربي وضرباته الغادرة فكان التحضير صبوراً والتحولات الديبلوماسية سريعة وهادئة لينتصر مخططها التنموي في مبادرة الحزام والطريق التي راهن الكثيرون على سقوطها وعلى كونها ضرب من الخيال.
علينا أن ندخل عصر تعدد الأقطاب بثقة ان الغرب قد انكشف وظهرت كذبة تفوقه القائم على الهيمنة وسرقة شعوب العالم وثرواتها وتكريس خلافاتها وصراعاتها وأن العصر القادم هو عصر الشعوب والعدالة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب المقهورة والمنتجة في وجه الغطرسة والنهب الغربي.
والأيام القادمة بتساراعاتها ستكرس هذا التحول العالمي بشكل أوضح وأشمل عالمياً وعربياً.
دمشق في٣نيسان ٢٠٢٣
هاني شحادة الخوري
باحث استراتيجي واقتصادي
Discussion about this post