(رسالة لكل مسئول “المسئولية العملية في سورة الصف ” )
مفهوم التسبيح لله هو أن ينزه الانسان الله من كل نقص او عيب او خطأ او أي صفة لا تليق بالله تنزيها نفسيا ولفظيا وعمليا خلال حركة الإنسان في الأرض سواء كان تحركه في المجال السياسي او الاقتصادي او العسكري او الاعلامي او اي تحرك كان من خلال الثقة بالله انه سيؤيده ويوفقه .
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
Telegram.me/goodeslam
تحدث الله سبحانه وتعالى في سورة الصف في اول آياتها عن التسبيح له بقوله (سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي ان كل مخلوق في السماوات والارض ينزه الله تعالى تنزيها مطلقا وان كل العيوب والمشاكل والمصائب التي تحدث هي نتيجة طبيعية عن انحرافات المخلوق فالله لا يخلق ويقدر ويحكم ويقضي الا بالحق والحق لا يكون منقوصا او مأساة ، ثم مباشرة وجه الله تعالى الاية اللاحقة الى الذين آمنوا بشكل تحذيري وتنبيهي بأن مقتضى التسبيح الذي في الاساس مرتبط بالإيمان يجب ألا يكون فيه خلل من انفسنا فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِـمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ) وذكر نموذجا خطيرا من نماذج الخلل التي تجتاح نفوس واداء كثير من المؤمنين وهو (القول الإيماني المثالي ) و (العمل المنحرف الافسادي) في تناقض كبير وخطير جدا بين ما نؤمن به من مبادئ واخلاق وقيم وغيرها (كجانب هام من جوانب تسبيح الله تعالى) والذي بطبيعة الحال يتحول هذا الإيمان القلبي الى كلام واقوال بالألسن نتحدث به في منابرنا الكلاميه (اجتماعات – منابر – اعلام – كتابات – محاضرات وغيرها) غير ان العمل يكون مخالفا تماما لما نقوله وننشره ونوعي الاخرين به ( لِـمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) ، ولأن الخطاب عام وشامل لكل المؤمنين فإنه بشكل اخص وأوسع للمسئول في الدولة من أصبح بيده قرارات الناس والارض ومصيرهم وحياتهم .
تأنيب الله للمؤمنين بأنهم يفعلون عكس ما يقولونه يأتي في اطار ان ما يقولونه جميل ومناسب والذي يجب ان يتفق عملهم مع اقوالهم والا ما كان سيؤنبهم بذلك لو كان القول غير مناسب والعمل مناسب بل سيلزمهم بتحسين اقوالهم لتتوافق مع افعالهم خاصة والقول قد يؤدي الى اضلال ناس كثير عوضا عن ان الطبيعة البشرية سواء كانوا مؤمنين او غير ذلك يلجئون الى الحديث الجميل والممتلا قيم ومبادئ خاصة عندما يتحدثون للاخرين من منطلق ان النفسية والفطرة البشرية جبلت على الانجذاب للقول الجميل لذا بين الله في القران ان الاشرار ايضا عندما يقولون (يتخاطبون مع الاخرين) يستخدمون القيم والمبادئ الجميله فبين ذلك ما قاله فرعون وهو يسعى لاضلال قومه عن موسى ( وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد) ووصف الشيطان في اضلاله للناس بأنه يزين لهم اعمالهم اي يعرضها للانسان على انها افعالا حسنه ( وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) لذا فالقول هنا هو القول الحسن الجميل الديني.
الأمر والتوجيه الإلهي في الاية (لما تقولون ما لا تفعلون) لا يعني بذلك اننا لا نقول الا ما نفعل واي شيء لا نفعله يجب ألا نقوله ، بل المقصود به ان نفعل كل المبادئ والقيم والاخلاق الحسنة السليمة التي أمرنا بها الله ليتنفق القول الحسن الذي هو اساس ايماننا بالله مع افعالنا اي يجب ان تكون كل افعالنا سليمة وسديدة وحسنة ولأن القول الحسن اساسا هو امر منتهى منه مادام نحن مؤمنين غير ان السخط الاكبر من الله الذي اسماه ب(المقت) يشملنا سريعا في الدنيا والاخرة كلما ارتقينا في سلم الحياة السياسية والاجتماعية في اطار المسئولية والذي يجعلنا نعتلي منابر الحديث والقول للاخرين والنصح والتوجيه ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) اي استحقاق السخط والبغض الإلهي الكبير عندما لا نعمل بالاعمال الحسنة السليمة فتصبح أفعالنا مناقضة لاقوالنا وهذا بطبيعة الحال يتنافى جملة وتفصيلا لتسبيح الله وتنزيهه لانه لا يلجأ الى تغيير افعاله بما لا تتوافق وتنسجم مع الاقوال (التي هي مبادئ اسلامية سليمة) الا عدم ثقتنا بالله تعالى فنلجا للكذب العملي لاهداف شخصية والكذب العملي هو ان تتحدث بشيء وتفعل مناقض له وكثير من المسئولين يستخدمون هذا الاسلوب حيث يعدون المجتمع بالعمل السليم والذي يصب في خدمتهم ومنفعتهم وعند التطبيق العملي الفعلي لا تجد شيئا من ذلك ، لذا نجد كثير او معظم من يترشح لمنصب ما (مجلس رئاسي – مجلس نواب – مجلس محلي – مجلس قضاء – مجلس حكومي واداري ) يعدون الشعب بوعود كثيرة (يقولون) وهذه الوعود بطبيعة الحال تندرج في اطار السلامة الدينية اي وعود ممتلأة مبادئ وقيم واخلاقيات وعند الوصول للهدف العملي (مسئولا) لا نجد ولا حتى ١٪ مما وعدوا به الناس والذي للاسف الشديد يعمدون وعودهم باليمين الدستورية (على كتاب الله ) بأنهم سوف يعملون ويعملون ويعملون فيندرجون تحت السخط الأكبر من الله عليهم ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ).
كم عدد المسئولين اليوم الذين يقولون ما لا يفعلون وكم عدد الذين يقولون ما يفعلون ؟ الهدف من هذا التساؤل امران :-
الأول :- الذين يجدون انفسهم من الذين يقولون ما لا يفعلون عليهم ان يراجعوا انفسهم ويتوبوا الى الله ليخرجوا انفسهم من السخط الالهي فالله ساخط عليهم سخطا كبيرا حتى لو لم يدركوا ذلك فالله عز وجل من رحمته يؤخر العذاب المستحق عل وعسى ينيب المسخوط عليه ويراجع نفسه غير انه مسخوط عليه من الله وان استطاع ان يضحك ويضلل ويتلاعب بالقيادة وبالشعب من خلال (يقولون) فالله لا يمكن لاحد ان يغالطه .
ثانيا:- على القيادة ان تدرك ان هناك مسئولين يديرون الدولة الله ساخط عليهم ومن سخط الله عليه لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون ذا فائدة او ان يساهم في الانجاز والنجاح والانتصار وهؤلاء يجب ان يتم استبدالهم ان لم يعودوا الى الله ويخرجوا من دائرة السخط الإلهي ويصححوا مسارهم ويعالجوا مشاكلهم التي صنعوها واحدثوها في اطار مسار توبتهم لان التوبة السليمة هي تصحيح الاخطاء السابقة ولا يكتفي التائب برفع يديه ووضع راس الابهام على مفاصل اصابيعه ويردد عبارات (استغفر الله) .
إنتهت سورة الصف بآية أمر الله فئة الذين آمنوا (وهم نفس الفئة التي بدأ بها السورة وحذرهم بألا يكونوا من الذين يقولون ما لا يفعلون ) آمرا لهم بأن يكونوا (انصار الله) والعجيب جدا ان جملة (انصار الله) تكررت في الاية ثلاث مرات (أمر ممتلأ رحمة – وعرض ممتلأ حكمة – وإقرار ممتلأ ايمان) فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) وهذا متعلق بالتسبيح حيث ان التسبيح العملي الفعلي الممتلا ثقة بالله والذي يجعل من المؤمن الا يتحدث الا بما يفعل في اطار القيم والمبادئ الاسلامية كون ذلك هو الطريق السليم والسديد ليكون الانسان من انصار الله لان النتيجة الحتمية لهذه السلامة الايمانية والدينية النصر والتوفيق والتأييد الإلهي ( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) وهذا هو الايمان الحقيقي (فآمنت طائفة ) وما دون ذلك هو كفر عملي حتى لو استمر بالحديث السليم الجميل (وكفرت طائفة) فهل لنا جميعا والمسئولون خاصة ان يعوا هذه الدروس الهامة والخطيرة !
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post