د. يوسف الحاضري
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
(( لقد كان في قصصهم عبرة — قوم عاد مثال للنهاية المخزية للظلم الممتزج بالفساد )) —- 8
ففي قصة قوم عاد عبرة وعظة ورسالة واضحة وسنن مؤكدة أخرى توضح النهاية الحتمية للظالمين والفاسدين مهما بلغ جبروتهم وقوتهم وعلومهم وفيها بشارات للمؤمنين الصابرين الصامدين المتمسكين بمبادئهم الدينية .
بقلم د.يوسف الحاضري
(كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية)
إيميل abo_raghad20112@hotmail.com
بعد أن هبط نوح بسفينته ومن معه بسلام من الله بدأت البشرية تتكاثر من جديد وهي مرتبطة بالحق وعبادة الله ولكن الشيطان لم يسترخ لحظة واحدة في معصيته لله عبر إضلاله للبشرية وفي هذا رسالة للجميع ممن يضع نفسه عبدا من عبيد الله ألا يكون الشيطان أكثر عملا وتحركا منهم , لتمر اجيالا واجيالا فيبدأ مستوى الإيمان في القلوب تخفت شيئا فشيئا وترتبط بحب الدنيا وزينتها والخلود إليها ترتفع في نفوسهم اكثر فأكثر وضمن خطوات الشيطان فإنه يغوي الإنسان وفقا لنسبة ارتباطه بالله , فلا يسعى لجعل محب الانفاق ان يكون بخيلا بل يسعى في كيفية إحراق هذا العمل بالمن مثلا او بالرياء ثم بعد ذلك يبدأ بخطوة ثانية ثم ثالثة حتى يأمره بالبخل والشح ثم يامره بأخذ أموال الآخرين ثم يستكبر في الأرض وهكذا هي خطوات الشيطان حتى يضمن الشيطان ان هذا الإنسان لن يؤمن ويعود ويتوب وهكذا مع كل انسان حسب ميوله وأرتباطه بالله اما العصاة انفسهم فهو يزين لهم طغيانهم وكفرهم اكثر ويبتكر لهم اساليب وطرق وغيرها , وفي قوم عاد مثلا التي قصها الله في القران للعبرة ومعرفة سنن الله لنمضي وفقا لها عملا وثقة بالله فيما سيكون فقد كان هناك ملأ يعشقون الجاه والمنصب والمال لذا ادركوا ان إختلاق منهجية دينية باطلة تجذب الناس وتجذب اموالهم هي الطريقة المثلى من منطلق ان الانسان عاطفته دينية متعلق بشيء يعود اليه في محنه ومشاكلة وحياته واعماله وكل شيء فآذا لم يعبد الله فإنه يبحث عما يعبده كالشمس والقمر والنجوم والاحجار وغيرها , بيد ان توجيههم لعباده شمس وقمر مثلا لن يدر على قيادات الفساد والظلم والضلال اي ثروات كونهم لا يستطيعون ان يتحكموا بها امام الناس كما هو حال صنع صنم بجانبهم يسيطرون عليه فيسطيرون على عقول من يسقط في عبادته وتأليهه , وهكذا اصبحت المعابد في تلك الأزمنة تجني ثروات طائلة وتعطي سلطة قوية من خلال تبعية البشر لهم وهكذا توسع الباطل اكثر فقابله تضيق للحق اكثر حتى ما إن وصل الباطل لإشد قوته وجبروته على جميع المستويات والحق أضعف ما يكون ورأفة ورحمة من الله العزيز يرسل رسولا الى قوم عاد لينتشل الناس الذي ضلوا السبيل الى طريق الحق (وإلى عاد أخاهم هودا ) منهم من بين مجتمعهم ارتقت نفسيته في حياته لتصبح مهيأة ليكون هو حاملا لرسالة مالك الملك وهذا الشرف لا يكون الا لمن لديهم نفسية ايمانية عظيمة (فهو رسول الله أي يمثل منهجية الله في هذا الزمان والمكان) , ليبدأ هود في مهمته العظيمة الكبيرة الصعبة جدا خاصة عند قوم أعطاهم الله بسطة في الخلق ( وزادكم في الخلق بصطة) قوة في الجسد وعلم في البصر والعقل فهم خلفاء الأرض من النسل المؤمن الخالص ( واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) وأغناهم بثروات حيوانية وزراعية وكل متطلباته كالأنهار وغيرها ( وأتقوا الذي امدكم بما تعلمون , أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ) حتى وصل بهم الظن ان قوتهم الجسدية والعلمية والاقتصادية والجغرافية و و و لا يمكن لها ان تزول او تنتهي فتفاخروا بها بكل تعالي وأستكبار ( وأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة) فاصبح ما يسيطرون عليه أكثر وأوسع واشمل مما قد يمتلكه اقوام لاحقون (بمقارنة الوضع العام للبشرية في فترة كل قوم ) لذا قال تعالى ( ولقد مكانهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة ) أي مكنهم الله ارضا وثرواتا وعلوما عبر تفتيح سمعهم وبصرهم وفؤادهم والتي عبرها تأتي الاكتشافات العلمية (كما مكن الغربيين هذا العصر بأن هيأ لهم سمعهم وبصرهم وفؤادهم لأكتشاف العلوم الحديثة وتطوير العلوم وغيرها مما نشاهده اليوم ) وغير ذلك لا يسعنى الحديث عنه ويمكننا عبر مثل هذه الاطروحات ان نتعمق اكثر ونحن نتدبر القران في بقية الجوانب , فأصبحت عاد قوة عالمية عظمى في تلك الفترة ولكنهم في الجانب الديني مشركون ضالون يعبدون غير الذي مكنهم لهذا التمكين وهذا ادى بطبيعة الحال الى خلوهم من اي مبادئ إنسانية وتشوهت فطرتهم السوية ولا يوجد في تعاملاتهم الحياتية أي مبادئ اخلاقية حتى اصبح القوي يلتهم الضعيف والضعيف يخضع بذل وانكسار للقوي .
رقيهم العلمي والاقتصادي والعمراني (آرم ذات العماد) مقابل سقوطهم الاخلاقي والديني والمجتمعي اثبت أن تلك الأبصار والاسماع والأفئدة التي حباهم الله بها للعلوم لم تفيدهم شيئا في الأخلاقيات والمبادئ لذا وصفهم الله بقوله ( فما أغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء) يعني رغم انه رفعهم علميا لارقى مستوى كما نرى اليوم مستويات دول عالمية عالية الا انها تخلو من الإنسانية والمبادئ والاخلاقيات وأمريكا والكي
ان الصهيوني وانظمة خليجية أدلة واضحة على ذلك , لذا كانت ممارسات قوم عاد ظلم وطغيان وفساد في الأرض (اتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون واذا بطشتم بطشتم جبارين) اي افساد في الارض وخلود الى الدنيا والطمانينة بالبقاء فيها وعدم وجود آخرة والظلم في تعاملهم مع الآخرين بكل بطش وجبروت , وهكذا استمروا في ظلمهم وأفسادهم حتى اكثروا فيها كما اكثرت امريكا في الأرض فسادا ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد …….. الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد) طغيانا وفسادا.
اكتمل مع قوم عاد كل عوامل النفوس الخبيثة المجرمة خاصة (الملأ منهم) فركنوا إلى عشق الدنيا وعشق كل مقومات هذه الحالة التي يعيشونها من ملذات واستعلاء واستكبار وعلى رأسها ( ابقاء المجتمع في ضلال وتغييب تام عن حقيقة الدين والعبادة لله ليستمر بذلك استمراريتهم ) كما هو حال أنظمة الخليج التي شكلت لها دينا وهابيا شكليا سطحيا أضلت ومازالت تضل الجماهير لتبقى في ملكها وفي ثرواتها على ظهور هؤلاء الظالين , وهنا يأتي دور الأنبياء والمرسلين والاولياء الصالحين لأخراج الناس من عبادة هؤلاء المستكبرين الى عبادة الله وحقيقة الاستخلاف في الأرض , فكان دور هود عظيما جدا وهو يذكرهم بأن وضعهم الديني والنفسي والمجتمعي والاخلاقي في ضلال بعيد , مع بقاء النعمة التي يعيشونها كما هي , وعندما يشتد عنادهم ورفضهم للرسول من منطلق ان نسف الوضع الديني الذي صنعوه هم سينسف مكانتهم التي يعيشونها (وهذه حالة نفسية يعيشها كل كهنة المعابد حتى الذين يطلق عليهم ائمة حرمين برفضهم للحق واصحاب الحق خوفا من سقوط منزلتهم التي يعبدونها ظنا انها هي من تجلب لهم الثروة والمنصب لذا سمعنا احدهم يضع ترامب الشيطاني في ارفع منزلة في الارض ) وعندما يستمر الرفض يبدأ الله بارسال الآيات التي تضيق عليهم حالهم المعيشي والنفسي لعلهم يرجعون (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) رحمة من الله ورأفة وتسهيلا للعبيد ان يعودوا إليه لذا انقطعت عنهم الامطار واصيبوا بجدب وفقر في المحاصيل ومع ذلك لم يؤمن معه الا قليل واستمر المتجبرون في حياتهم العشوائية الحيوانية الشيطانية
مع عجزهم التام في مجادلة نبيهم ليدحضوا حجته الإيمانية فقط يستمرون في الهجوم الشخصي على شكل وعقل الرسول هود فتارة يقولون عنه ( مجنون) وتارة يقولون ( اعتراه ألهتنا بسوء) وتارة يسمونه بالسفاهة وغير ذلك وفي آخر مطاف عجزهم قالوا (فائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين) اي انهم مستعدون نفسيا لأي عذاب سماوي ولكنهم رافصين تماما التخلي عن مجلبات الغرور والعلو النفسي كما هو حال الشيطان إبليس عندما رضخ للعذاب وللطرد من الرحمة وللمصير المحتوم في الاخرة ولا ان يتخلى عن غروره وعلوه وتكبره ( وهذه قضية خطيرة وهامة يجب ان نهتم بنفسياتنا ونطهرها كل لحظة من اي غرور او اي بواعث للغرور والكبر والعلو)
جاء امر الله بالعذاب لقوم عاد بعد ان علم بعلمه المطلق انه لن يؤمن بنبيه هود الا من قد آمن , فجاء عذابهم من نفس نفسية طغيانهم وبواعث الطغيان فقد كان بداية الجدب وانقطاع مياه السماء حتى افقروا ( لهم في الدنيا خزي) ثم بعد ذلك تصبح علومهم الكبرى نكالا عليهم ودليلا على دنوهم وليس علوهم (فما اغنت عنهم أبصارهم…) ثم بعد ذلك تأتي سحب كثيفة من بعد فيظنون انها خير من السماء لتعود جناتهم كما كانت ومع ذلك لم يربطوها بالله بل حدثتهم انفسهم ان ثراءهم سيعود وانه حان قتل نبي الله هود لانه شؤم حسب توصيفهم وبدأت نفسياتهم تعد المستقبل على نفس خطى الماضي (فلما رأوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) وفي الاخير هي بدايات العذاب التي طالت عليهم اياما وليالي عديدة ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها ) فقد كان عذابهم يتناسب عكسيا مع ما كانوا يجدون انفسهم قوما جبارين اشداء فعذبهم الله ب(هواء) لا وزن له ولا كتلة ليعرف الظالمين حجمهم الحقيقي (فهل من مدكر) وايضا استمرت فترة (واما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما ) ريح تذهب وتعود وتصول وتجول شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وفوقا وتحت (صرصر عاتية) بدأ عذابهم صباحا وانتهت صباح اليوم الثامن اي ثمانية ايام وسبعة ليال وما اشد العذاب عندما يكون في ضوء النهار لان طبع الليل الخشية والخوف فأي عذاب فيه قد لا يشعر به نفسيا لعدم رؤيتهم لذا عندما جاءت اول ليلة لعذابهم كانوا قد راوا وعاشوا نهارا باكمله من العذاب لذا في الليلة الاولى هم يعرفون ما يواجهون فلا ياتي الصباح الا وقد تدمرت نفسياتهم وهكذا حتى تساقطوا وتناثروا كاوراق شجر هشة ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية) فقد كانت الريح عقيم مرعبة مخيفة حارة ليلا وباردة نهارا لم تتاثر منازلهم منها فقد استهدفت اجسادهم ( تدمر كل شيء بامر ربها فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم ) كنتيجة طبيعية للمجرمين المستكبرين في الارض وهي رسالة للمستكبرين اليوم على اليمن من تحالف العدوان قاطبة انهم لن يكونوا معجزين لله ممن سبقهم من هذه الدول وهؤلاء الأقوام (وما انتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ) فمصيرهم الطبيعي ( فصب عليهم ربك سوط عذاب ) بسبب (الذين طغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد) لأن سنة الله في مثل هذه الاوضاع ( إن ربك لبالمرصاد) وهذه عبره وعظمة يجب ان نعيها ونفقهها في حياتنا ونعرف مصير من يمتلكون نفس النفسيات وكيف يجب ان نزكي ونطهر نفوسنا لكي لا يصبح حالنا كهؤلاء وان ندرك تماما ان الشيطان لنا عدوا فلنتخذه عدوا والا سيتخذنا لعبة يتسلى بنا في الدنيا ويصاحبنا في جهنم في الاخرة (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون)
انتهت حقبة كافرة اخرى وبقى المؤمنون الخلص مع نبيهم ليبدأوا حياة بناء واستخلاف جديدة … فيواصل الشيطان اغواءه فنصل بعدها إلى قوم صالح (ثمود) ولماذا اختار الله الناقة لتكون لهم آية وماهي عواقب الصمت عما يقوم به المفسدون حتى لو كنت رافضا لاعمالهم مادمت لم تتحرك , بمعنى اننا سنصل الى عبر واطروحات تبدأ فيها مسألة المسئولية البشرية تزداد والتي لا يمكن ان نقوم بها الا عبر التسليم لله في اوامره ونواهيه والعمل الصالح وغير ذلك من امور سنتكلم عنها في الطرح رقم 9 في هذه السلسلة من المقالات والتي اسال الله ان يزيدني علما ويرزقني فهما وان يثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة وان يتقبل منا انه هو السميع العليم .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post