بسم الله الرحمن الرحيم
✍🏻 محمد حسن زيد
٤ محرم ١٤٤٤
*معضلة علي بن أبي طالب في قلوب المنافقين والعباهلة الجدد*
“فإذا بي أرى شبحا كالشيطان” هكذا ظهر عمروُ بن ودٍ في رؤيا الشيخ محمد متولي الشعراوي أثناء تفسيره لسورة الأحزاب،
وقف علي بن أبي طالب يومئذ حين أحجم القوم عن مواجهة هذا الفارس الرهيب بعد أن نال منهم التعبُ والظمأُ والجوعُ والخوفُ حتى وصفهم الله تعالى قائلا *”وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا”*.
يومئذ وجّه علي ابن أبي طالب ضربةً نجلاءَ لفارس الجاهلية الأعظم لم تقلب موازين معركة الأحزاب فحسب بل قلبت موازين الصراع بين الإسلام والكفر وأصبح ما بعدها مختلفا عما كان قبلها، فأصبحت القلةُ المستضعفةُ خلال سنوات أكبرَ قوة سياسية وعسكرية في الجزيرة العربية، ولا يوجد مسلم صادق المشاعر تجاه دينه إلا ويشعر بالامتنان لرباطة جأش علي بن أبي طالب يوم الأحزاب *”وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ”*.
لم تكن رباطةَ جأش وشجاعةً فحسب بل كانت عفّةً ومروءةً ودرسا في الأخلاق أيضا، فقد حثّهُ بعضُ الصحابة على سلبِ درع فارس الجاهلية الثمين ماديا ومعنويا، لكن فارس الإسلام أعرض عن ذلك قائلا *”اني استحييت أن أكشف سوأته”*… وما هي قيمة البطولة إن كانت عارية عن القيم والأخلاق؟
ورغم تعرُّضه لحملات تشويه ممنهج استمرت عقودا من الزمن إلا أن قيمة علي بن أبي طالب بالنسبة للمسلمين لم تتأثر، بل بقي الموقف منه معيارا للوعي والبصيرة ومقياسا لنقاء الانتماء للدين المحمدي الأصيل.
وفي الوجه الآخر بقي الموقف السلبي منه مؤشرا على برودة المشاعر تجاه الإسلام وعلى التعاطي مع هذا الدين كأمر واقع لا مفر منه مع رضاعة الحقد عليه وعدم الانتماء الصادق إليه، وذلك ما يُصطلح عليه بالنفاق، فلا يُحبُّ علياً إلا مؤمنٌ ولا يُبغضهُ إلا منافقٌ كما جاء في الرواية المعروفة والتي وردت بألفاظ متعددة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم والترمذي ومسند أحمد بن حنبل وغيرهم…
ولسنا بحاجة لغلو الغالين ولا المبالغات في فضائل علي بن أبي طالب لأن ما ثبت من نصوص إسلامية متفق عليها فيه ويقر بها جميعُ المسلمين هو كافٍ للتعرف على عظمته الدينية وبيان خصوصية الموقف منه إسلاميا، فارتباطه بالله والنبي والقرآن والإسلام واضح دائم جلي، ويكفي ان نعلم ان ما يلي هو بعض ما قاله فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
*”أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة”* رواه البخاري ومسلم وغيرهما
*”من كنت مولاه فعلي مولاه”* رواه الترمذي والذهبي وغيرهما
*”لأعطين الراية غدا رجلا يحبُّهُ اللهُ ورسولُه ويحب اللهَ ورسولَه”* رواه الهيثمي والاصفهاني وغيرهما
*”عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي”* رواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين وغيره
وهذا الاقتران بين علي والقرآن له تطبيق في واقعنا اليوم، لأن المنهج الذي يستخدمُه البعضُ للتشكيك في علي بن أبي طالب هو نفسُ المنهج الذي يستخدمه آخرون للتشكيك في القرآن!
فالنبش عن روايات في كتب التراث واستغلالها للتقليل من شأن علي بن أبي طالب هو تماما كالبحث عن روايات في كتب التراث للتدليل على أن القرآن الذي بين أيدينا ناقصٌ أو محرّفٌ (هناك جملةٌ منها)،
لكن جميع المسلمين يقطعون أن ما بين دفتي المصحف الشريف هو كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بلا تغيير أو نقصان وينقلون ذلك تواترا واتفاقا عمن سبقهم من الأجيال متصلا إلى رسول الله، لذلك فهم يتجاهلون أية روايات شاذة مدسوسة تخالف ما ثبت قطعا وتواتر وتناقض مع السياق العام للتراث الإسلامي.
فمن المنطقي أن الطلقاء الذين تمكنوا من السيطرة على إمارة المسلمين بداية التدوين الإسلامي وهم الذين تناقضت دولتهم مع علي بن ابي طالب وقامت على عداوته وكانوا قد رضعوا مشاعر الحقد على الإسلام وجميع مفرداته ورموزه، فما الذي سيمنعهم مع ما يملكون من سلطة وسيطرة على مفاتيح الدولة والحياة والثقافة أن يدسوا في التراث للتشكيك في القرآن وفي فارس الإسلام كيدا؟!
لكن كيدهم اضمحل وتم دفنه في غياهب كتب التراث وكان تأثيره بألطاف الله محدودا على المسلمين والإسلام فبقيت مكانة القرآن وفارس الإسلام محفوظة ثابتة راسخة في قلوب المؤمنين وعامة المسلمين،
وفي نفس الوقت بقيت آثار هذا الكيد القديم والسم الزُّعاف فتنةً لمن أراد اللهُ أن يكشف عداوته للدين ونفاقه…
لذلك إذا سمعت أحدهم يتشدق بهذه الطائفة من المرويات ويقتطع ما فيها مخالفا للسياق العام للتراث الإسلامي فاعلم انه نابش للثغرات ومنافر لدين الإسلام حتى وإن أظهر صدق الانتماء وزايد بالحرص والولاء، فكيف يجتمعُ صدقُ الانتماء للإسلام مع التشكيك في القرآن ومعاداة علي بن أبي طالب؟
*ما هو موقفك من السنة النبوية؟*
فالذي يتمسك بالسنة النبوية ويحترم أقوال النبي يرى نفسه ملزما بما صح عنه بل تظافر وتواتر، والنبي لم يترك مجالا للتردد فيما يتعلق بعلي بن أبي طالب، فالنصوص التي وردت فيه لم ترد في أحد قط، يتظافر معناها ويتكاتف ليحجب كل شيء سواها فهو ولي المؤمنين وهو الذي يحبه الله ورسوله وهو بمنزلة هارون من موسى وهو الفاروق بين الإيمان والنفاق، وهل هناك أسمى من هذا المقام أو أشرف من ذاك الوسام؟
أما الذي يجحدُ بالسنة النبوية ويستهينُ بجميع المرويات التي وردت عن رسول الله فهو واحد من اثنين:
إما قرآني صرف،
وإما جاحد بالدين الإسلامي
١- *القرآني الصرف*: قد يكون حسن النية يساير موجة ثقافية معاصرة لا يدرك أبعادها ولا يفهم انه لا سبيل باعتناقه لها أن يعرف أي شيء عن التاريخ الإسلامي بما في ذلك المعاركَ والمواقفَ والشخصيات وجميع ما أشار إليه القرآن ولم يتطرق إليه تفصيلا من قصص الأنبياء وغيرها… مع التنبيه إلى ان كثيرا ممن عارضوا علي بن أبي طالب إنما زايدوا عليه بالقرآن جهلا أو رفعوا المصاحف في وجهه كيدا ومكرا،
ولا أرى القرآني الصرف أحسن حالا منهم لأنه اختار الجهل بتراث رسول الله والإعراض عنه رغم إن القرآن مليء بالتوجيه الصريح بطاعة الرسول واتباعه واتخاذه أسوة حسنة! فهل جاء هذا الجزء من القرآن لغوا مستحيل التطبيق؟
بالطبع لا …
٢- *الجاحد بالدين الإسلامي*:
هذا النوع من الأشخاص من الطبيعي أن يستهين بعلي أبي طالب لأنه يستهين أصلا برسول الله ويستهين قبل ذلك بالله واليوم الآخر، واضطراره للتصريح بالعداوة لعلي بن أبي طالب فقط في مقالات وتصريحات قد يكون لتحقيق هدف معين يفرضه واقع صراع عسكري وسياسي يعيشه، فمثل هذا يحرص على أن لا يظهر نابذا للإسلام منافرا للنبي لأنه سيخسر حينئذ قدرته على التأثير على جمهور مسلم من الضروري أن يبقى تأثيره عليهم، رغم انه في الأصل بارد المشاعر تجاه الإسلام ويتعاطى مع هذا الدين كأمر واقع لا مفر منه،
فهذا النوع لا ينفع معه تذكير ولا نصح ولا آيات قرآنية ولا أحاديث نبوية طالما هو جاحد بالإسلام ويمارس في أوساط المسلمين دورا سياسيا وإعلاميا.
*العباهلة – الأقيال*:
بسبب الهزيمة وتحت تأثير السقوط يلجأ الفاجر للفجور ويبحث عن أية عصبية يحتمي بها ويجمع شتاته حولها ليميز نفسه بها عن الواقع الذي خذله، والقيم والمبادئ السائدة التي خسر بها…
لقد حدث هذا في مصر، فبعدما تعرّت بعضُ التيارات السياسية لانخراطها المفضوح في المشروع الصهيوني كان لا بد من عدم السماح للإسلاميين والقوميين أن يستغلوا ذلك فيسيطروا على الجمهور عبر الدين والعروبة، فكان لا بد من ابتكار انتماء عصبوي جديد يستبدل الانتماء للعروبة والإسلام بالانتماء لعصبية أخرى متحررة من قيم العروبة والإسلام يجوز بها التعامل ببراجماتية مع الولاء لإسرائيل، فكان هذا الانتماء الجديد هو دعوات جريئة لعودة المصريين لأصولهم الفرعونية العريقة والتنصل مما طرأ على شعب مصر من تراث إسلامي – عروبي!
وقد ناقشت أحد هؤلاء المتفرعنين الجدد بنفسي وفوجئت بطرحه وجرأته، لكن أين هؤلاء الآن وما وزنهم؟!
يتكرر هذا التكتيك في اليمن اليوم، فبعد أن سقط علي عبدالله صالح ولم يكن لديه مشروع سياسي سوى توريث نجله وضمان بقاء اليمن تحت الوصاية الخليجية – الصهيونية، اضطر أتباعه لابتكار عصبية تجمعهم وشعارات تميزهم عن تراث الإسلام والعروبة إذ لم تنفع معهم شعارات “الجمهورية” لتناقضها مع فكرة ولائهم *لسلالة عفاش* واعتمادهم على دعم *أنظمة ملكية* في الخليج، فقرر الأذكياء منهم ابتكار عصبية جديدة قديمة بالدعوة لعودة اليمني لأصوله الحميرية لعله يتحلل من الانتماء للتراث الإسلامي – العروبي الذي يحملونه مسؤولية إدخال اليمن في حرب مع النظام العالمي…
ولأنه لا سبيل لإقناع اليمنيين بترك دينهم والتخلي عن كرامتهم وتسليم وطنهم للأجنبي لا بالحصار ولا بالقتل والدمار فمن الصعب أن ينجح اعتناق العبهلة معهم.
فطالما بقيت اليمنُ بلدَ الإيمان والحكمة فلن يصل هؤلاء “العباهلة – الأقيال” إلى شيء لأن الراية التي اختاروها لتجمعهم هي راية ارتداد سحيق لا مستقبل لها ولا محتوى ولا مضمون سوى المكايدة السياسية والمشاركة الخفية في جهود التحالف بمساومة المواطنين للحصول على أبجديات معيشتهم وقوت عيالهم مقابل العودة للوصاية الأجنبية والتخلي عن الدين والحرية والاستقلال!
ما يتجاهله هؤلاء انه لا يمكن لإنسان سوي أن يستبسل ويستميت في سبيل مكايدة سياسية فيخسر الدنيا والآخرة…
والله المستعان هو نعم المولى ونعم النصير
Discussion about this post