واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم في العام 2022
(الجزء الثالث)
بزوغ اهمية وجود ما يُسمّى بال”فريق القلبي” (Heart team)
سبق ان نشرنا منذ أيام الجزئين الاول والثاني من هذا الملفات الشديد الاهمية، حول واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم وشرحنا بشكلٍ موجز عن تداعيات الازمة الإقتصادية-المالية-النقدية-المعيشية التي يمرّ بها لبنان منذ حوالي ٣ سنوات أو أكثر إضافة الى الآثار المدمرة التي تسببّت بها جائحة كورونا واللتان تركتا آثار خطيرة على القطاع الطبي الاستشفائي والدوائي وعلى كل المستويات والجبهات واشرنا الى التداعيات المهولة التي ترتبت وستترتب عن هذه الأزمات على الواقع الصحي و الإستشفائي في لبنان و على الآثار المدمرة التي سيتسبب بها كل ذلك على المدى المتوسط والبعيد. واشرنا ايضاً الى انّ اطباء وجراحي القلب طوّروا بشكلٍ متوازي الطرق الغازية أو التدخلية (Interventional or Invasive Theray) وعمدوا الى تطوير تقنيات لا تستعمل المضخة الإصطناعية القلبية-الرئوية خلال العمل الجراحي أي اللجوء إلى إجراء العمل الجراحي دون إيقاف القلب (Beating heart surgery or Off-pump surgery) وذلك لتقصير فترة العمل الجراحي وتقليل الضرر الذي قد يحصل على عضلة القلب أو المخاطر الناتجة عن تحريك وإلتقاط وثقب الشريان الأبهر خلال العمل الجراحي وسعوا ايضاً خلال السنوات العشرين الأخيرة الى تطوير تقنيات جراحية أقل غزواً أو تغلغلاً في الج.
( Minimally invasive heart surgery) من أجل أجرأة تسريع عملية خروج المريض من المستشفى وتجنب إحداث جرح كبير في القفص الصدري أثناء الجراحة وبالتالي تسهيل وتسريع عملية التئام الجرح وتقصير فترة النقاهة والعودة السريعة الى العمل
أنواع الجراحات الحالية، تنقسم جراحات الصمامات القلبية الى نوعين؛
” ترميمي”مُحافظ” ، “تصليحي” للصمام (Conservative or reparative surgery) او “تغييري”
(Valves replacement) يعمد خلاله الجرّاح الى إستبدال صمام المريض كلياً ووضع صمام آخر معدني او بيولوجي مكانه.كذلك وتكلّمنا عن أهم مميزات جراحة الشرايين التاجية للقلب (Coronary Artery Baypass Graft surgery : CABG) وهي جراحات نلجأ إليها في حال ما اذا كانت الإصابات الشريانية منتشرة كثيراً ومتعددة أو متكلسة جداً وشرحنا كيفننبل بدأت هذه الجراحة بالتطوّر والمراحل التي وصلت إليها في السنوات الأخير
في هذا الجزء الثالث من هذا الملف نفصل أكثر فيما يخص
أنواع هذه الجراحات ونسعى لشرح واقع الحال لكل صنف منها مع الإيجابيات والسلبيات. وسوف نسعى ايضاً لشرح واقع الأمور حالياً في لبنان والعالم على ضوء تداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة في وطننا والتي طالت ايضاً دول اخرى بسبب كورونا وبسبب الحرب الروسية الأوكرانية وما تسببت به من تداعيات إقتصادية عالمية يصعب تقديرها حتى الآن، كون دراسة هذه التداعيات ومدى تأثيرها على القطاع الصحي ستأخذ الكثير من الوقت بسبب تشعّباتها
التقنيات. الجراحية البديلة أو الجديدة: كنا قد نفي الجزء الثاني من هذا الملف الى ظهور تقنيات جراحية طوّرها الأطباء حديثاً تهدف إلى تخفيف نسبة الإختلاطات الجانبية أو الوفيات الناتجة عن “الجراحة الكلاسيكيية” التي كانت مُعتمدة طيلة السنوات الماضية. وهي كلها قيد التقييم حالياً ولم تحلّ نهائياً وكلياً محل الجراحة الكلاسيكية ولم تأخذ بعد مكانها الروتيني في معظم مراكز جراحة القلب. ومن أهم هذه الجراحات:
أ- الجراحة من دون توقيف القلب
Beating heart or Off pump) coronary artery bypass surgery) بحيث يتمّ إستعمال أجهزة لتثبيت القلب نسبياً خلال العملية الجراحية وإجراء الجسور الأبهرية التاجية او اي عمل جراحي قلبي آخر. وهي قيد التقييم وتسمح للطبيب بأن يتجاوز مشكلة وضع المريض على جهاز المضخة القلبية – الرئوية الإصطناعية. وتسمح نظرياً بإجراء عمليات عند مرضى وضعهم الصحي أصعب، إما من ناحية وجود قصور او خلل أكبر في عمل عضلة القلب، أو من ناحية وجود مشاكل صحية أخرى مزمنة مثل المشاكل الرئوية أو الكلوية أو غيرها. وهي تتمّ عبر فتح القفص الصدري فتحة أصغر من الفتحة الكلاسيكية (Sternotomy) التي تستعمل في الجراحة العادية وإستعمال أجهزة تساعد في تثبيت القلب نسبياً لكي تُخفّف من حركته خلال إجراء الجراحة. وهذه الجراحة لها الكثير من المدافعين عنها عبر العالم والذين يستعملونها بشكلٍ كبير عند عدد كبير من مرضاهم لكنها منتقدة كثيراً من آخرين الذين يجدون فيها سلبيات كثيرة وسوف نتحدّث لاحقاً عن المحلّ الذي تحتله حالياً في هذا الواقع.
ب- الجراحة الأقل غزواً ( Minimally invasive bypass grafting : MIDCAB): وهي جراحات تهدف إلى إجراء العملية الجراحية عبر إحداث فتحات صغيرة الحجم في الصدر وإدخال كاميرا صغيرة يتمّ تحريكها يدوياً أو إستعمال “جهاز أوتوماتيكي آلي صغير” (Robot). وهذا ما يسمح في الحالتين بتشريح شريان الثدي الداخلي الذي تكلّمنا عنه في الجزء السابق من هذا الملف وزرعه على أحد الشرايين التاجية للقلب، أما عن طريق ترك القلب نابضاً ( Beating heart surgery) وأما عن طريق إيقاف القلب بعد إستعمال مضخة قلبية–رئوية إصطناعية يتمّ زرعها في منطقة الفخذ ( Femoral access). وتهدف هذه الطريقة إلى إيجاد تروية للقلب أقلّ ضرراً في القفص الصدري وذلك لتفادي الأعراض الجانبية للفتح الكامل للقفص الصدري (Sternotomy). خاصة إذا ما كان المريض يعاني من مشاكل صحية مختلفة مثل مشاكل رئوية متقدّمة او من قصور أو فشل رئوي مُزمن قد يُعيق بشكلٍ خطير الجراحات الكلاسيكية. وقد تكون الأهداف وكم ذكرنا سابقاً فقط “تجميلية” لتفادي إحداث جرح كبير ومُشوّه في الصدر عند بعض المرضى الذين يطلبون ذلك بحيث يتم اخفاء الثقوب تحت الثدي أو من الناحية الجانبية للقفص الصدري. لكن هذه الجراحات ليست عملية كثيراً في حال كان هناك عدّة إصابات شريانية. ولذلك فهي تستعمل فقط في حال كان هناك جسر أبهري تاجي واحد غالياً ما يكون على الشريان الأمامي النازل للقلب.
ونشير الى إنّ هذه الجراحة ليست مثالية من أجل جراحة الشريان الأبهر لأنه يوجد مباشرة وراء عظمة القصّ (Sternum)، وهي العظمة الأمامية التي تصل اليها وتلتصق بها كل الأضلاع.
في المقابل فهي تساعد كثيراً في تشريح شريان الثدي الداخلي وفي ج
جراحةالأذينين الأيمن والأيسر وإستئصال بعض الأو a
منهما وفي إصلاح الثقوب التي قد توجد بين الأذينين وفي جراحة “الرجفان الأذيني الليفي” وجراحة الصمامات. وقد يستعملها الجراحون أيضاً في جراحات بعض الأمراض الخَلقية المُعقّدة للقلب عندما تزداد خبرتهم في إستعمالها. أما من الناحية التقنية البحتة، فهذه التقنيات تحتاج إلى آلات مُتخصّصة وإلى تدريب مُتخّصص ومُتمرّس على إستعمال مثل هذه الأجهزة. ومن أهم قواعد وأهداف هذه الجراحة الأمورالت
: ا-إحداث فتحة جراحية صغيرة وقليلة الغزو مع عدم إستعمال غازية كبيرة لإبعاد عظام الأضلاع الصدرية عن بعضها. وهذا ما يمكن إجراءه فقط مع فتحة في الجلد لا تتعدّى الـ 5cm. مع العلم أن هذا الهدف التجميلي ليس من الأهداف الأساسية لهذه الجراحة.
b- عدم إستعمال مضخة قلبية – رئوية خارجية كبيرة والإكتفاء بمضخة أخرى تدعى ( Heart post or Endo clapm) يتمّ وصلها عبر الجلد في الشريان والوريد الفخذي. بحيث يتمّ نفخ بالون صغير في الشريان الأبهر لمنع تقدم الدم إلى الأمام ومن أجل تروية الشرايين التاجية للقلب بالمادة التي نختارها لتوقيف القلب. وحيث يتمّ شفط الدم من الأذين الأيمن بواسطة أنبوب يتمّ زرعه في الوريد الفخذي أو في الوريد الوداجي الخارجي أو في كلاهما. لكن هذه التقنية مُكلفة وصعبة التطبيق ولها بعض الإختلاطات الجانبية الخطيرة. ولذلك هي ليست مُستعمله كثيراً ويُستعاض عنها بالتقنية الكلاسيكية (خاصة في الدول الفقيرة) أي بوضع أنبوب في داخل الشريان الأبهر. ويتمّ منع الدم من التقدم بواسطة “ملقط كبير” يضغط على هذا الشريان وقد يتسبب في تكسير او تفتيف بعض الكالسيوم والكتل الدهنية الموجودة في جداره مما يؤدي الى حدوث بعض الأعراض الجانبية الخطيرة. وهذا ما قد يعقيق إعادة إستعمال هذه الطريقة في حال الحاجة إلى إجراء عملية قلب جديدة في المستقبل.
ج- التمكّن من الرؤية والتشريح بشكلٍ أسهل بعد أن يتمّ تكبير الصور المُلتقطة عبر الكاميرا وهذا ما يسهل العملية بشكلٍ كبير.
د- تخفيف نسبة الأوجاع الصدرية الناتجة عن الجرح الناجم عن قص عطمة القصّ وتخفيف نسبة إضطرابات ضربات القلب التي تحصل عادة في الجراحة الكلاسيكية. واخيراً السماح بفطام سريع للمريض عن جهاز التنفس الإصطناعي وتخفيف كميّة الدم التي قد يتم هدرها خلال العملية وبالتالي تخفيف الحاجة إلى تمرير وحدات دم جديدة للمريض.
ه- تقصير فترة الإستشفاء بشكلٍ كبير وتسهيل معاودة العمل بسرعة وتقصير فترة الراحة اللازمة لإسترجاع النشاط الطبيعي للمريض. وهذا ما يسمح له أيضاً بالعودة السريعة إلى القيام بكل نشاطاته الأخرى الرياضية خاصة إذا كان من المحترفين.
2- إستعمال الليزر في الجراحة القلبية: ( Trans Myocardial Laser Reavascularization : TMLR):
وهي تقنية جديدة أيضاً كاتت قيد التقييم في حال وجود مرض تصلّب شرياني تاجي مُتقدّم لم يتحسّن رغم كل العلاجات المتوفرة الأخرى أي بواسطة الأدوية أو تقنيات الطب التدخّلي للقلب بالبالون والرسور أو بواسطة الجراحة. ايبعد أن تكون كل وسائل إعادة تروية العضلة القلبية الكلاسيكية قد استنفذت. خاصة إذا ما بقي المريض يُعاني من أعراض وآلام صدرية في حالة الراحة أو عند القيام بأي مجهود. وهنا نلجئ لهذا العلاج الذي يهدف إلى إيجاد تروية بديلة في عضلة القلب في الأماكن المحرومة من التروية الطبيعية. ويتمّ ذلك عن طريق “تطبيق مصدر طاقة ليزر شديدة” في بعض مناطق البطين الأيسر بهدف إيجاد ثقوب أو أقنيه قطرها تقريباً واحد ملم. ولكن فعالية هذه التقنيات لاتزال قيد الدرس وغير ثابتة. ومن المُمكن إستعمالها بشكلٍ متوازي خلال إجراء العمليات الجراحية القلبية الكلاسيكية مما قد يحسن بعض الأعراض عند بعض المرضى المصابين بتصلّب خطير ومُعقّد في شرايين القلب. وبالطبع فإن هذه التقنيات غير متوفرة سوى في الدول المتقدمة لأن كلفتها عالية جداً وسوف نشرح لاحقاً ما هم محلها الحقيقي في جراحة القلبفي العام 2023.
3- الجراحات الأخرى للقلب والشرايين الكبيرة: وهي مُتعدّدة ونذكر منها على سبيل المثال:
أ- جراحة الإختلاطات الميكانيكية التي قد تصاحب بعض الذبحات القلبية الحادة مثل حدوث ثقب بين البطين الأيسر والأيمن أو تمزّق أو إنقطاع في عضلة القلب وجراحة الجيوب العضلية التي قد تصيب عضلة القلب عند بعض المرضى.
ب- “جراحات الشريان الأبهر الصاعد أو النازل” في القفص الصدري وخاصة عندما يكون هنالك جيب أو توسع في الشريان الأبهر الصاعد مع وجود مشاكل وأضرار في الصمام الأبهر والحاجة إلى إعادة زرع مصادر الشرايين التاجية للقلب على القطعة التي يتم تغييرها من هذا الشريان. وكذلك هنالك الجراحة التي يخضع لها المرضى الذين تعرضوا لتمزّق أو إنسلاخ الشريان الأبهر. ونشير هنا إلى أن التقنيات التدخلية( Interventional or Endovascular therapy) بدأت تأخذ مكاناً كبير ومتصاعداً في علاج هكذا الحالات لأنه وكما شرحنا سابقاً اصبحت هذه التقنيات الغازية غير الجراحية اسهل بكثير وهي تسمح حالياً بعلاج عدد كبير من هذه الحالات عبر التمييل او القسطرة دون الحاجة الى جراحة كلاسيكية وشقّ الجلد وما الى ذلك من عمليات خطيرة.
ج- “جراحة التشوّهات الخلقية للقلب” مع إجراء بعض التمديدات والوصلات المعقدة جداً في بعض الحالات وهي خاصة أكثر بجراحة القلب عند الأطفال.
د- “جراحة زراعة القلب” و”القلب والرئتين” أحياناً: وسوف نتكلّم عنها لاحقاً تفصيلياً في القسم المخصص للكلام عن هذا الموضوع وكيف بدأ والى اين وصل اليوم.
4- متى نحتاج إلى العمل الجراحي:
نشير اولاً الى ظاهرة جديدة ظهرت منذ حوالي عشرين سنة تقريباً مع تطوير عمليات تركيب الصمام الأبهر للقلب عبر تقنيات التمييل والى اشرنا اليها في الجزئين الماضيين من هذا الملف. هذه الظاهرة هي ظاهرة “الفريق القلبي” او ما يعرف ب “Heart team” وهي
عبارة عن نشوء وحدة خاصة تُعنى في مناقشة ملفات المرضى الذين يعانون من المشاكل القلبية المعقدة من قِبل فريق كامل متكامل يُشارك فيه أطباء القلب التدخلييون وغير التدخلييون اي من هم معنيين بالتصوير الصوتي و الشعاعي والطبقي المحوري للقلب ، أو المتخصصون بتقنيات التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي للقلب، جراحو القلب، أطباء البنج والتخدير، الأطباء المتخصّصون بالمتقدّمين بالسن، المعالجون الفيزيائيون والنفسيين والمتخصّصون بدراسة الوضع الاجتماعي والبيئة المهنية للمريض.
هذا “الفريق القلبي” يدرس تفصيلياً ملف المريض ويأخذ القرار في نوع العمل الجراحي الذي تحتاج له حالته خاصة في حالات علاج مشاكل إنسداد الصمام الأبهر بالطرق التدخلية او بالجراحة الكلاسيكية بحسب كل المعطيات التي يعطيها كل مُشارك في هذا الفريق، مع الأخذ بعين الإعتبار لعدة عوامل من اهما عمره الفيزيولوجي، وضعه النفسي والذهني، إمكانية الحركة والإستقلالية عنده، العوامل المرضية الأخرى الموجودة عنده مثل وظيفة الكلى والرئة ووجود السكري ومشاكل العظام والمفاصل وما الى ذلك. وقد اصبحنا منذ سنوات نلمس ان هذا “الفريق القلبي” له دور اساسي في معظم القرارات التي تتخذ بالنسبة للمرضى الذين يعانون من مختلف مشاكل قلبية وليس فقط بالنسبة لجراحة الصمام الأبهر.
وفي السياق نفسه نشير الى أن قرار إجراء العمل الجراحي لأي مشكلة في القلب خاضع اليوم لقواعد علمية دقيقة ومدروسة حيث أن الطبيب يلجئ إلى هذا العمل عند إستنفاذ كل الوسائل العلاجية الأخرى أو عند عدم وجود علاج آخر لهذه المشكلة. وذلك لأن الجراحة في هذه الحالة تكون الحلّ الوحيد للخلاص من الأعراض أو لتحسين حالة المريض أو تحسين فرص بقائه على قيد الحياة لمدّة أطول. وهنا لا بدّ من تقسيم الجراحات حسب نوع المشاكل أو الأمراض القلبية الموجودة:
1- مشاكل الصمامات القلبية:
من المعروف أن مشاكل الصمامات البسيطة أو المتوسطة من الممكن أن تبقى من دون أعراض كثيرة أو مُتصاحبة مع أعراض خفيفة يستطيع المريض تحمّلها لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات. وهنا نلجئ فقط إلى المُراقبة أو العلاج الدوائي. ونعمد طبعاً إلى الوقاية من الإصابة بمرض إلتهاب الصمامات بحيث يجب المحافظة على أفضل حالة سليمة للفم والأسنان وتناول الأدوية المناسبة للوقاية من هذا المرض الخطير عند الخضوع لبعض العلاجات. أما عندما يصبح مرض الصمام سبباً أساسياً لظهور بعض الأعراض مثل ضيق التنفّس أو التعب عند الأجهاد أو الإحتقان الرئوي، أو عندما يبدأ بالتأثير سلباً على عضلة القلب أو بالتسبّب بإضطرابات خطيرة في كهرباء القلب، فهنا يجب طبعاً دراسة العمل الجراحي وتقييم حالة المريض من خلال التصوير الصوتي للقلب وفحوصات أخرى مثل تمييل القلب لمعرفة حالة شرايين القلب ودراسة الضغط في داخل غرف القلب. وهنا من الممكن الكلام عن حالتين:
A- حالة الصمامات المُتضيقة
(Valves stenosis) : خاصة حالة إنسداد الصمام الأبهر للقلب الذي يجب علاجة قطعاً بالجراحة في حال كان الإنسداد سبب لأعراض سريرية مُهمة وإذا كان الإنسداد مساحتة أقل من 0.6cm2/m2 ( مساحة الصمام مقسومة على مساحة جسم المريض لكي نأخذ في الإعتبار حجم جسم المريض). إلا إذا كان هناك عوامل مرضية أخرى تجعل من المريض مريضاً غير قادر على تحمّل الجراحة (خطر الجراحة أكبر من %3). فهنا نلجئ إلى التقنيات الجديدة مثل تقنية تغيير الصمام الأبهر بواسطة التمييل
(Transcatheter Aortic Valve Implantation: TAVI) .
أما في حالة إنسداد الصمام التاجي للقلب فهناك أيضاً العلاج الجراحي عندما يكون الإنسداد غير قابل للعلاج بواسطة التقنيات التدخلية
(Percutaneous mitral Valvuloplasty). أي عندما يكون هناك تكلّس كبير في وريقات أو حلقة الصمام أو تهريب مهم في هذا الصمام أو هناك موانع أخرى للعلاج بواسطة البالون.
B- حالات الصمامات التي تُهرّب أو المثقوبة ( Valves regurgitation) . وهنا أيضاً نلجئ في غالب الأحيان إلى الجراحة خاصة في حالة تهريب الصمام التاجي للقلب قبل حدوث ضرر كبير في وظيفة عضلة القلب. ونحاول دائماً أن نلجئ إلى “العلاج الترميمي للصمام التاجي” الذي ذكرناه سابقاً والذي ينجح في حوالي 50 إلى %90 من الأحيان في علاج مرض الصمام التاجي الترهلي ( Degenrative mitral reguargitation). وهو ممكن أيضاً في علاج حوالي %80 من حالات إلتهابات الصمام التاجي ( Infective endocarditis). وهو أخيراً مُمكن فقط في علاج حوالي %50 من المرضى الذين يعانون من إلتهابات الصمامات الناتجة عن الحمى الرثوية. أما في الحالات التي لا نقدر فيها على ترميم الصمام التاجي وخاصة في حال وجود تهريب في الصمام الأبهر ايضاً عند ذات المريض فنلجئ إلى تغيير الصمام بصمام “معدني أو بيولوجي” مع نتائج مشجعة جداً على المَديين القصير أو الطويل. ونشير هنا أخيراً إلى إمكانية علاج مشاكل الصمام التاجي أيضاً بواسطة التقنيات التدخلية
(Endovascular therapy) عبر إيصال ملاقط يتم إدخالها عبر الأوردة وبعد إختراق الحاجز الموجود بين الأذين
الأيمن والأيسر. بحيث يتمّ وضع ملاقط صغيرة ( Clips) للتخفيف من تهريب الصمام ( Mitraclip) أو عبر زراعة حلقة حول الصمام التاجي يتم إدخالها في داخل الوريد الذي يسمى الجيب التاجي ( Coronary sinus vein). وهذا ما يؤدّي إلى تخفيف حدة التهريب في الصمام عبر تقريب المسافات بين الوريقات. وهناك حالياً ابحاث كثيرة على عدد كبير من الصمامات التي من الممكن زرعها في مكان الصمام التاجي ( عشرات الشركات تقوم بأبحاث حول هذا المرض وهذه التقنيات). ولكننا نشير في المقابل إلى أن هذه العمليات مُعقّدة نوعاً ما لعدة اسباب اهمها موقع الصمام التاجي وطريقة عمله وطبيعة مكوّناته وبسبب الصعوبات الكبيرة في الوصول اليه. وهي بالتالي تحتاج إلى فريق طبي مُتخصص في هذا المجال وهي قيد التقييم علمياً لمعرفة فائدتها على المدى القريب أو البعيد ولكن نتائجها قد تكون واعدة جداً ايضاً كما هو الحال حالياً مع تركيب الصمام الأبهر بواسطة التمييل ومن دون جراحة.
(الجزء الرابع)
جراحة الشرايين التاجية للقلب هي الأكثر رواجاً واهمّيةً!
كنا قد نشرنا منذ ايام الأجزاء الثلاثة الأولى من هذا الملف حول واقع الجراحات القلبية في لبنان والعالم وتكلّمنا بشكلٍ موجز وسريع عن تداعيات الأزمة الإقتصادية-المالية-النقدية-المعيشية التي يمرّ بها لبنان منذ حوالي ٣ سنوات او اكثر إضافة الى الآثار المدمرة التي تسببّت بها جائحة كورونا واللتان تركتا آثار خطيرة على كل المستويات. واشرنا كذلك الى اهم التقنيات التي سعى الى تطويرها اطباء وجراحو القلب في هذا المجال واهمها الطرق الغازية أو التدخلية (Interventional or Invasive Theray)، وكذلك تقنيات لا تستدعي اللجوء إيقاف القلب (Beating heart surgery or Off-pump surgery) وتقنيات جراحية أقل غزواً أو تغلغلاً في الجسم
( Minimally invasive heart surgery) من اجل إجراء تسريع عملية خروج المريض من المستشفى وعدم إحداث جرح كبير في القفص الصدري اثناء الجراحة. واستعرضنا بشكلٍ سريع جراحات الصمامات القلبية بشقّيها
” الترميمي” أو “المُحافظ” او “التصليحي” للصمام (Conservative or reparative surgery) والآخر “التغييري” (Valves replacement). وقد استعرضنا بشكلٍ موجز ايضاً كل الجوانب التي لها علاقة بإيجابيات وبسلبيات وعوائق كل تقنية من هذه التقنيات. وقد اشرنا الى الظاهرة الجديدة التي ظهرت منذ حوالي عشرين سنة تقريباً مع تطوير عمليات زرع او تركيب الصمام الأبهر للقلب عبر تقنيات التمييل(TAVI) وهي التي ادّت الى إيجاد ظاهرة او وحدة “الفريق القلبي” او “Heart team ” متعدد الأطراف والتي يُشارك فيه اطباء القلب التدخلييون وغير التدخلييون، جراجو القلب، اطباء البنج والتخدير، الأطباء المتخصّصون بالمتقدّمين بالسن، المعالجون الفيزيائييون والنفسيون وغيرهم من المعنيين بدراسة تفصيلية لحالة المريض لأجل دراسة كامل ملفهِ من كل الجوانب واخذ القرار المناسب بالنسبة لحالته بحسب عمره ووضعه العام وحالته النفسية والذهنية وامراضه الأخرى وعدة عوامل اخرى شرحنا بعضها وسوف نُكمل شرحها لاحقاً.
في هذا الجزء الرابع من هذا الملف نسكتمل الحديث عن الجراحات القلبية ونتكلّم تفصيلياً عن جراحة الشرايين التاجية للقلب (Coronary Artery Baypass Graft surgery : CABG) التي تُعتبر حالياً من اهم هذه الجراحات، بحيث يخضع لها حوالي مليون مريض في مختلف انحاء العالم سنوياً في الوقت الحاضر. كذلك سنخصّص حيّزا مهما للحديث عن مخاطر الجراحة القلبية وعن كيفية ووسائل مراقبة المريض ما بعد الجراحة:
1-مشاكل الشرايين التاجية للقلب
( Coronary artery disease): وهي كما ذكرنا الجراحات القلبية الأكثر رواجاً في لبنان والعالم. وفي هذه الحالة يجب على “الفريق القلبي” الموجود في المركز الطبي الجامعي او المتخصّص في هذا المجال أخذ الأمور التالية بالحسبان قبل اخد القرار المناسب بإجراء عملية أم لا!؟
أ-مكان وحالة ووضعية الإنسدادات على الشرايين التاجية للقلب، عدد هذه الإنسدادات وإنتشارها على شبكة هذه الشرايين، حجم او قطر هذه الشرايين وكمية العضلة المُستفيدة من كل شريان من هذه الشرايين. بحيث أن الجراحة بشكلٍ عامّ هي الحلّ في حال وجود إنسدادات في الشريان الأساسي الأيسر الذي يخرج من القلب والذي يُسمّى ب “النهر الكبير” (Left main) أو في حال وجود إنسدادات في الشريان الأمامي النازل (Left Anterior Descending Artery) وغيره من الشرايين الأساسية للقلب. وبحيث أن العلاج بواسطة الطُرق التدخّلية غير مُمكن لأسباب تقنية بسبب وجود مفارق او تفرّعات كثيرة أو أعوجاجات مهمة أو تكلّس كبير في الشرايين المريضة. وقد نلجأ للجراحة ايضاً في بعض البلدان الفقيرة او النامية لأسباب إقتصادية مثلاً بسبب الحاجة مثلاً إلى إستعمال أربعة أو خمسه رسورات ومستلزمات اخرى مُكلفة. ولذلك قد يكون ذلك غير مُمكناً مادياً مثلاً في بعض تلك الدول ومنها لبنان في الظروف الإقتصادية والمالية والمعيشيةالحالية حيث ان بعض الأطباء وبعض المرضى قد يلجؤون لإجراء العمل الجراحي لأنه اصبح اقل كلفة من كلفة العلاج التدخّلي بواسطة تقنبات البالون والروسور خاصة وانه يُعتبر كحلّ جذري لازمة المريض ويُعطي كما نرى في بعض الحالات المعقّدة نتائج سريرية افضل على مستوى تخفيف نسبة الوفيات على المدى المتوسط والبعيد ونسبة حدوث بعض الذبحات القلبية وتكرار حالات الدخول الى المستشفى ما بعد إجراء العلاج . وقد ازدادت ايضاً هذه الحالات مع الإنهيار الكامل او شبه الكامل للتمويل من قِبل المؤسسات الضامنة أو وزارة الصحة المطلوب منها تغطية كلفة هكذا عمليات بالطرق التدخلية في الماضي. وقد إزداد لذلك عدد هذه الحالات التي نعمد فيها لإجراء الجراحة بدل العلاج التدخّلي بعد الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعصف بلبنان منذ ثلاث سنوات او اكثر بحيث ان كلفة عمليات توسيع الشرايين بالبالون والرسور إرتفعت بشكلٍ مهول واصبح المرضى وحتى الأطباء يلجؤون لهكذا علاجات جراحية بدل العمليات الجراحية وذلك فقط لأسباب مادية خالصة.
ب-تقدير الضرر الحاصل في عضلة القلب عند المريض: بحيث أنه يجب دائماً السعي إلى إعادة التروية الطبيعية الى مناطق العضلة القلبية المحرومة من ذلك. ولا فائدة كبيرة تُرتجى من إعادة التروية إلى مناطق ميّتة من عضلة القلب. وفي هذا المجال أيضاً أثبتت الدراسات أن المرضى الذين يُعانون من قصور في عضلة القلب مع قوة مضخة عضلية أقل من %40 ( LVEF < 40%) يستفيدون أكثر بكثير من الجراحة عبر زرع جسور ابعرية-تاجية بالمقارنة مع العلاج بالطرق التدخلية أي بالبالون والرسور.
ج-الوضع العام للمريض: بحيث أنه يجب دائماً البحث عنده عن الأمراض المُصاحبة لمرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب مثل البدانة ومرض السكري والمشاكل الرئوية أو الكلوية او الكبدية المُزمنة أو الأمراض السرطانية او امراض الدم او المشاكل المتقدّمة في المفاصل والعظام وآثار او إختلاطات الجلطات الدماغية السابقة وما قد تكون تركته من عوائق على حركة المريض وإستقلاليته وغيرها من الأمراض الخطيرة أو المتقدمة. كذلك يجب ان نأخذ بالإعتبار التقدم الكبير بالسنّ والحالة النفسية والذهنية للمريض وما إذا كان مُدمن على الكحول او المخدرات او يعاني من امراض نفسية خطيرة وغير قادر على المتابعة مع الأطباء او تناول ادويته بشكلٍ منتظم وطبيعي بعد العمل الجراحي او العلاج التدخّلي. وكلها عوامل قد تُشكّل مانعاً أمام العمل الجراحي أو قد تجعل من الجراحة عملاً غير مناسب خاصة إذا كان متوسط الحياة بسبب هذه الأمراض المُتعددة الأخرى أقل من سنة. ففي هذه الحالة من الممكن مثلاً الإكتفاء بعلاج دوائي أو بواسطة البالون والرسورات لأن المريض يعاني من مشاكل صحية أخرى خطيرة وأمله بالبقاء على قيد الحياة مُتعلق أكثر بهذه المشاكل “غير القلبية”. ولذلك نكتفي بالعمل الأقل خطورة والأقل غزواً لتمديد فترة حياته بدل الرجوع.
وسوف نرى لاحقاً في سياق الأجزاء الأخرى المتبقية من هذا الملف ان مفهوم جراحة الشرايين التاجية للقلب قد تطوّر بشكلٍ كبير منذ بداية اجراء هكذا عمليات حيث كنا نستعمل فقط اوردة الساقين لزرع ومدّ الجسور الأبهرية التاجية الى مفهوم آخر تكرّس منذ عدة سنوات يقضي بأن يسعى الجراح فقط الى الإعتماد على إستعمال الشرايين فقط ( الشريان الداخلي للثدي الأيسر والشريان الداخلي للثدي الأيمن والشريان الكعبري مع او بدون إستعمال الشريان المعدي- المعوي في بعض الأحيان. لأن إستعمال الشرايين في هكذا جراحات يعطي نتيجة افضل بكثير على المدى المتوسط والبعيد كما ذكرنا سابقاً وكما اظهرت عدة دراسات رائدة ومُؤكدة وثابتة في هذا المجال.
2- مخاطر الجراحة القلبية:
من المُمكن القول بشكلٍ عام أن هذه المخاطر تتعلّق بعمر المريض وبالمشاكل الصحية الأخرى التي قد يعاني منها. وتُقدّر نسبة الوفيات في الشهر الأول من الجراحة (من اليوم الأول حتى 30 يوما بعد الجراحة) بحوالي %5 عند إجراء عملية تغيير صمام قلبي وبـ %2 فقط عند إجراء عملية زراعة شرايين (جسور أبهرية – تاجية). ولكن خطر الوفاة يزداد طبعاً مع وجود مشاكل صحية أخرى.
ومن أهم العوامل التي تزيد من مخاطر الجراحة القلبية وكما اشرنا سابقاً : التقدّم بالسنّ، كون المريض أنثى، في جراحة الشرايين التاجية للقلب، لأن قطر شرايين المرأة اصغر من قطر شرايين الرجل وهذا ما يجعل هذه العمليات اكثر تعقيداً خاصة عند إجراء عمل وصل وتقطيب الشرايين او الاوردة بالشرايين التاجية لأن صغر حجم الشرايين يجعل هذه العمليات اكثر دقةً وصعوبةً. كذلك وتزداد نسبة الوفيات بسبب وجود قصور كلوي أو رئوي، او بسبب وجود قصور متقدّم في عضلة القلب. وكذلك في حال إجراء العملية بحالة طارئة وإجراء العملية عند مريض كان قد خضع سابقاً لعملية قلبية. ومن المُمكن القول أن الجراحة المثالية (القليلة المخاطر) هي جراحة يخضع لها رجل عمره أقل من 50 سنة ولديه عضلة قلب طبيعية ولايعاني من مشاكل صحية أخرى وعنده إمكانية لإعادة التروية إلى أكبر عدد مُمكن من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل فإن الجراحة عند المُسنّين الذين عندهم مشاكل شريانية أكثر تعقيداً ومشاكل صحية أخرى مُتعددة، أو عند المرضى الذين كانوا قد خضعوا سابقاً لعمليات قلبية أو خضعوا للعملية الجراحية بحالة طارئة يكون عندهم خطر الوفيات والإختلاطات الجانبية بعد الجراحة أكبر بكثير من الشباب. وفي هذا السياق ايضاً هناك عدة نقاط من المُمكن إستعمالها لتقييم خطر العمل الجراحي القلبي وهي مُستعملة جداً من قبل جرّاحي القلب لتوقّع خطر أية عملية جراحية قلبية ومن أهمها:
(Euroscore and Synthax Score) وكلاهما مُؤشّران مُهمّان يعتمدان على مُعطيات سريرية مُختلفة وعلى نتائج عملية التمييل او القسطرة القلبية وطبيعة شبكة الأوعية الدموية وأماكن الإنسدادات والأعوجاجات والتكلّس الموجود على هذه الشرايين. وهما يُستعملان كثيراً في الدراسات العلمية للتنبؤ بمخاطر العمل الجراحي قبل إجراء العلاج ولتوجيه المريض نحو علاجات أخرى في حال كانت المُحصّلة أو النقاط ( Score) مُرتفعة جداً.
أخيراً لايجب فقط النظر إلى الوفيات التي من المُمكن أن تحصل من جراء العمل الجراحي ولكن يجب النظر أيضاً إلى تحسن طبيعة الحياة التي سوف يعيشها المريض بعد هذه الجراحة او العمل الطبي التدخّلي. ويجب إذاً مُقارنة المخاطر الحاصلة في حال ترك المريض بدون علاج مع المخاطر بعد العلاج مع أخذ نسبة الوفيات المُمكنة خلال العملية الجراحية بالحسبان. ويجب أيضاً إذاً مراقبة “تحسّن طبيعة حياة” وأداء المريض وشفائه من الأعراض وإختفاء الآلآم الصدرية وضيق التنفّس بعد إجراء عملية جسور أبهرية- تاجية عند مريض ما. وهذا ما يُترجم أيضاً بإطالة “أمل حياته” بعد العمل الجراحي. وهذا من احد اهمّ العوامل التي نأخذها بالإعتبار عند اي قرار علاجي.
ونشير هنا إلى أن المرضى الذين يعانون من مشاكل شريانية خطيرة وغير مُستقرّة يستفيدون أكثر بالمقارنة مع المرضى الذين يعانون من أمراض أقل خطورة أو لديهم حالات مُستقرّة الذين قد نكتفي عندهم فقط بالعلاج الدوائي والوقاية. وقد اثبتت عدة دراسات عالمية واسعة اننا من المُمكن ان نكتفي فقط بالعلاج الدوائي في بعض الحالات المُستقرة التي لا تكون فيها حالة المرض الشرياني مُتطوّرة وخطيرة.
2- مخاطر الجراحة القلبية:
من المُمكن القول بشكلٍ عام أن هذه المخاطر تتعلّق بعمر المريض وبالمشاكل الصحية الأخرى التي قد يعاني منها. وتُقدّر نسبة الوفيات في الشهر الأول من الجراحة (من اليوم الأول حتى 30 يوما بعد الجراحة) بحوالي %5 عند إجراء عملية تغيير صمام قلبي وبـ %2 فقط عند إجراء عملية زراعة شرايين (جسور أبهرية – تاجية). ولكن خطر الوفاة يزداد طبعاً مع وجود مشاكل صحية أخرى.
ومن أهم العوامل التي تزيد من مخاطر الجراحة القلبية وكما اشرنا سابقاً : التقدّم بالسنّ، كون المريض أنثى، في جراحة الشرايين التاجية للقلب، لأن قطر شرايين المرأة اصغر من قطر شرايين الرجل وهذا ما يجعل هذه العمليات اكثر تعقيداً خاصة عند إجراء عمل وصل وتقطيب الشرايين او الاوردة بالشرايين التاجية لأن صغر حجم الشرايين يجعل هذه العمليات اكثر دقةً وصعوبةً. كذلك وتزداد نسبة الوفيات بسبب وجود قصور كلوي أو رئوي، او بسبب وجود قصور متقدّم في عضلة القلب. وكذلك في حال إجراء العملية بحالة طارئة وإجراء العملية عند مريض كان قد خضع سابقاً لعملية قلبية. ومن المُمكن القول أن الجراحة المثالية (القليلة المخاطر) هي جراحة يخضع لها رجل عمره أقل من 50 سنة ولديه عضلة قلب طبيعية ولايعاني من مشاكل صحية أخرى وعنده إمكانية لإعادة التروية إلى أكبر عدد مُمكن من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل فإن الجراحة عند المُسنّين الذين عندهم مشاكل شريانية أكثر تعقيداً ومشاكل صحية أخرى مُتعددة، أو عند المرضى الذين كانوا قد خضعوا سابقاً لعمليات قلبية أو خضعوا للعملية الجراحية بحالة طارئة يكون عندهم خطر الوفيات والإختلاطات الجانبية بعد الجراحة أكبر بكثير من الشباب. وفي هذا السياق ايضاً هناك عدة نقاط من المُمكن إستعمالها لتقييم خطر العمل الجراحي القلبي وهي مُستعملة جداً من قبل جرّاحي القلب لتوقّع خطر أية عملية جراحية قلبية ومن أهمها:
(Euroscore and Synthax Score) وكلاهما مُؤشّران مُهمّان يعتمدان على مُعطيات سريرية مُختلفة وعلى نتائج عملية التمييل او القسطرة القلبية وطبيعة شبكة الأوعية الدموية وأماكن الإنسدادات والأعوجاجات والتكلّس الموجود على هذه الشرايين. وهما يُستعملان كثيراً في الدراسات العلمية للتنبؤ بمخاطر العمل الجراحي قبل إجراء العلاج ولتوجيه المريض نحو علاجات أخرى في حال كانت المُحصّلة أو النقاط ( Score) مُرتفعة جداً.
أخيراً لايجب فقط النظر إلى الوفيات التي من المُمكن أن تحصل من جراء العمل الجراحي ولكن يجب النظر أيضاً إلى تحسن طبيعة الحياة التي سوف يعيشها المريض بعد هذه الجراحة او العمل الطبي التدخّلي. ويجب إذاً مُقارنة المخاطر الحاصلة في حال ترك المريض بدون علاج مع المخاطر بعد العلاج مع أخذ نسبة الوفيات المُمكنة خلال العملية الجراحية بالحسبان. ويجب أيضاً إذاً مراقبة “تحسّن طبيعة حياة” وأداء المريض وشفائه من الأعراض وإختفاء الآلآم الصدرية وضيق التنفّس بعد إجراء عملية جسور أبهرية- تاجية عند مريض ما. وهذا ما يُترجم أيضاً بإطالة “أمل حياته” بعد العمل الجراحي. وهذا من احد اهمّ العوامل التي نأخذها بالإعتبار عند اي قرار علاجي.
ونشير هنا إلى أن المرضى الذين يعانون من مشاكل شريانية خطيرة وغير مُستقرّة يستفيدون أكثر بالمقارنة مع المرضى الذين يعانون من أمراض أقل خطورة أو لديهم حالات مُستقرّة الذين قد نكتفي عندهم فقط بالعلاج الدوائي والوقاية. وقد اثبتت عدة دراسات عالمية واسعة اننا من المُمكن ان نكتفي فقط بالعلاج الدوائي في بعض الحالات المُستقرة التي لا تكون فيها حالة المرض الشرياني مُتطوّرة وخطيرة.
3- مراقبة المريض ما “بعد الجراحة القلبية”: هنا لا نتكلّم عن الفترة الحرجة التي يقضيها المريض في المستشفى والتي تتراوح بين 5 أيام إلى 10 أيام بحسب حالة المريض والمشاكل الصحية الأخرى المرافقة والأختلاطات الكثيرة الممكنة خلال هذه الفترة. ونكتفي بالقول أن هناك تحسناً كبيراً حصل في إدارة وعلاج كل هذه المشاكل أدّى في السنوات الأخيرة الماضية إلى الحصول على نتائج أفضل بكثير بعد الجراحة القلبية. في المقابل يجب التركيز على الفترات اللاحقة بعد خروج المريض من المستشفى وعلى الدور الكبير الذي يجب أن يقوم به الطبيب المعالج ( طبيب القلب وطبيب العائلة او طبيب الصحة العامة الخاص بالمريض) والمراكز المُتخصّصة في إعادة تأهيل المرضى في توعية المريض حول طبيعة مرضه وعوامل الخطورة الخاصة بهذا المرض وأهمية مراقبة وعلاج كل هذه العوامل مثل إيقاف التدخين والكحول وإتّباع نظام غذائي صُحّي والقيام بتمارين رياضية على الأقل 3 إلى 4 أيام في الأسبوع. وكذلك يجب الإلتفات الى مُراقبة الضغط الشرياني ومستوى الدهنيات والشحوم في الدم والتشدّد في مُراقبة مرض السكّري وتخفيف الوزن في حال وجود بدانة او زيادة كبيرة في الوزن. ذلك لأن كل هذه العوامل قد تؤدّي في حال عدم مُراقبتها أما إلى ظهور المرض على الجسور الأبهرية-التاجية التي تم زرعها أو على الشرايين “الأصلية الطبيعية” للمريض. وفي كلا الحالتين قد تعود الأعراض ويحتاج المريض إلى علاجات دوائية أخرى أو إلى إجراء عمليات بالون ورسور جديدة وحتى إلى معاودة إجراء العمل الجراحي في حال ظهور المرض على عدة شرايين أو في حال إنسداد أو مرض الشرايين المزروعة سابقاً.
وبسبب كل ما تقدّم يجب على المريض معاودة مُتابعة حالته عند طبيب القلب الذي أرسله لإجراء العمل الجراحي وزيارته على الأقل مرتين في السنة من أجل مراقبة كل العوامل التي ذكرناها والبحث عن معاودة ظهور الأعراض الجديدة في بعض الأحيان. وهناك مُتابعة خاصة بالمريض الذي خضع لعملية تغيير لأحد صمّامات القلب وهي تهدف أولاً إلى مراقبة فعالية العلاج بواسطة الأدوية المُضادّة للتجلّط، بحيث أنه يجب على المريض تناول هذه الأدوية مدى العمر في حال كان الصمام معدنياً أو في بعض الحالات الأخرى التي يكون فيها الصمام بيولوجي مع وجود إضطرابات في ضربات القلب مثل في حالة مرض “الرجفان الأذيني الليفي”( Atrial fibrillation). ويجب إجراء فحص نسبة التجلّط أو سيلان الدم (PT+INR) كل ثلاثة أسابيع أو كل شهر على الأكثر والحرص على ان يكون هذا المُؤشّر ضمن المنطقة الفعّالة المطلوبة لكل نوع من الصمامات ( ابهري او تاجي مع مراعاة وجود امراض اخرى مثل الرجفان الأذيني. ويجب قياس هذا المؤشّر ايضاً في كل حالة يتناول فيها المريض أدوية أخرى متنوّعة أو أطعمة معينة قد يكون لها تأثير على فعالية هذه الأدوية في الدم. كذلك يجب هنا البحث عن الإختلاطات الجانبية المُمكنة لهذه الصمامات الإصطناعية مثل إمكانية حصول جلطات في الدماغ أو في الأعضاء الأخرى أو إمكانية حصول إنسداد كامل مُفاجئ في الصمّام بسبب عدم تناول الدواء المُضاد للتجلّط بشكلٍ فعّال أو بسبب إهمال مراقبة فعاليته أو لأسباب أخرى قد تكون لها علاقة بالحالة الذهنية والنفسية والإقتصادية والإجتماعية للمريض خاصة وان بعض المرضى قد يضطرّون احياناً لإيقاف ادويتهم لعدم توفّرها في الأسواق او بسبب إرتفاع اسعارها كما حصل ويحصل حالياً في لبنان منذ ثلاث سنوات.
كذلك يجب البحث عن إمكانية حصول نزيف ما في أماكن مُتعددة من الجسم بسبب تناول كميات زائدة من هذه الأدوية لأن زيادة جرعات هذه الأدوية قد تؤدي الى هكذا إختلاطات جانبية. أخيراً يجب دائماً التنبّه أثناء المراقبة إلى إمكانية حصول إلتهابات على هذه الصمامات الإصطناعية او البيولوجية والوقاية من ذلك عبر إعطاء المُضادّات الحيوية عند أي عمل جراحي “غازي” خاصة في الأسنان او اللثة او الفم او عند إجراء عمليات التنظير في الكولون وغيرها من العمليات. ولا بد ايضاً الى الإلتفات إلى إمكانية تدهور حالة هذه الصمامات وإصابتها بالترهّل مع مرور الوقت خاصة في حالة “الصمامات البيولوجية”. وإلى إمكانية حصول خلل في وظائفها مع “تهريب جانبي” أو “إنسداد” في مكونات هذه الصمامات بمواد ليفية وجلطات صغيرة في حالة الصمامات المعدنية. ولكل هذه الأسباب الآنفة الذكر يجب إجراء صورة صوتية للقلب مع دوبلر بشكلٍ مُتكرّر كل 6 أشهر إلى سنة لمراقبة وظيفة ومكونات هذه الصمامات وكيفية تأديتها لعملها بشكلٍ دقيق والبحث عن كل الإختلاطات الجانبية التي ذكرناها. ويجب طبعاً طلب هذه الصورة بحالة طارئة في حال ظهور أية “أعراض غير طبيعية” أو في حال حصول “تدهور مُفاجئ” في حالة المريض مع حصول حالة إحتقان رئوي حادّ مثلاً، لأن ذلك قد يكون مُؤشراً خطيراً لحصول خلل كبير في عمل هذه الصمامات.
في الأجزاء القادمة من هذا الملف سوف نستعرض ما وصلت اليه هذه الجراحات في العالم مُستندين الى التجارب الأوروبية (الفرنسية والسويسرية تحديداً). وكذلك واقعها في الولايات المتحدة الأميركية حيث سنستعرض كيف تُدار الامور في العام 2022 في اهم مركز لجراحة القلب في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم وهو مركز او مستشفى Cleveland Clinic. وسنستعرض ايضاً ما هو واقعها الحالي في لبنان في ظل تداعيات الأزمة السياسية-الإقتصادية- -المالية-النقدية-المعيشية المُدمّرة التي تخنق البلد وتدمّر كل مقومات وركائز جسمه الإستشفائي والطبي منذ ثلاث سنوات.
Discussion about this post