حين يحلل بعض المحللون القضايا ..
قضايا وعبر يتوه فيه الانسان، ما يذكرنا بمجموعة من الأطباء اجتمعوا في مطعم على جانب الطريق يستمتعون بكوب من الشاي .. فقد رأوا رجلا يعرج ..
قال أحد الأطباء: مصاب بالتهاب المفاصل في ركبته اليسرى ..
قال الثاني ، لديه التهاب أخمص القدم..
قال الثالث ، مجرد التواء في الكاحل ..
قال الرابع ،انظروا لا يستطيع رفع ركبته ، يبدو أن لديه خللا في الخلايا العصبية الحركية السفلى ..
قال الخامس ..
بالنسبة لي يبدو لديه شلل نصفي
قبل أن يتمكن السادس من إعلان تشخيصه ، وصل الرجل إلى المجموعة وسألهم ،
هل هناك مكان قريب.. يمكنه إصلاح حذائي!.؟
كذلك دخل شاب على عشيرته يصرخ :
تم أطلاق رصاصة في رأس أبن عمنا وقتل ..!! فبدأ صراخ أبناء العشيرة : أجمعوا الشباب .. أجمعوا السلاح .. سوف نقتل ونحرق وندمر الأخضر واليابس .. حاول الشاب أن يتكلم .. لم يمنحه أحداً الفرصة للكلام .. الصوت عالي، وصخب الغضب الجامح قوي جداً جداً .. وكانت الأصوات تهتف بقوة .. الثأر والموت للمعتدين الأوغاد .. لا عزاء قبل إسترداد العزة والكرامة والحقوق المهدوره يا ويل اللي يعادينا .. نقطعه بشبارينا ..!!؟؟ صرخ الشاب بأعلى صوته أبن عمنا قتله جيش الاحتلال الصهيوني .. هناك ساد الصمت، وخفتت الأصوات، وسكن الجميع .. وهدووووء .. سكن جميع أبناء العشيرة وكأن على رؤوسهم الطير، وبعض الأصوات الهامسه تقول طولوا بالكم يا جماعة الخير .. فكروا بالعقل، بعد برهه وقف المختار وتحدث عن مناقب الشهداء والشهادة والشهيد .. تبعه رئيس رابطة شباب العشيرة .. تلاه بالخطاب زعيم القوة الضاربة لشباب العشيرة .. ثم طالبوا بتوقيع عريضه شجب وإستنكار وإجراء تحقيق شامل وشفاف بالقضية، وبكل خشوع وهدوء ووقار .. أقر الجميع بإنشاء صندوق لجمع تكاليف العزاء والغداء عن روح البطل الشهيد، تقبل التعازي بمضارب العشيرة، الرحمة والخلود للشهيد البطل .. .
هكذا يتحدث الخبراء في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية عن قضايا يحللونها من بعيد بدون الإقتراب منها وتشخيصها بدقة .
كذلك من يدعون أنهم مستشارون وخبراء إذا ما أوكلنا لهم ايجاد حلول لمشكلات ادارية أو اقتصادية وهم ليسوا على مقربة منها ولم ينغمسوا في تفاصيلها ولم يسألوا من يعانوا من الوجع عن قرب .. في زمن تمتلئ النعوش بالشهداء، والكراسي بالفاسدين، ويتسابق الأبطال للتضحية، والأنذال للمناصب، فتزداد قبور المناضلين ، وتزداد عقارات اللصوص، يتساقط الأحرار الشرفاء، ويرتفع العبيد السفهاء، ويزداد الفقراء بالمعاناة، ويزداد الفاسدين بالرفاهية .. .
هكذا نصل الى مقاربة سياسة القطيع ، فعندما تتأمل القطيع الذي يرعى بالقرب منك ، تتيقن بأنه لا يعرف ما الأمس و لا اليوم و لا الغد ، فهو يكرر الوثب طيلة نهاره في رحاب المكان و يرعى و يخلد إلى النوم ثم يستيقظ ليرعى و يعاود الوثب و يشرب و من ثم ينام و هكذا دواليك ، فتجده لا يكتئب و لا يشعر بالحزن و لا يحمل الهموم فهو مرتبط بأوتاد اللحظة، لا يهمه لا الماضي و لا الحاضر و لا المستقبل ، كل ما يعنيه هو المرعى الآني ، فالمرعى مع المعدة يشكلان معاً ما يسمى باللحظة و التي ترتبط بأوتاد الجوع و الشبع هكذا تُختصر اللحظة الثابتة المنقطعة عن منظومة الزمن .. .
لذلك فإن سياسة القطيع هي سياسة طبيعية يتماثل بها الإنسان و الحيوان ، و لكن يبقى الفرق بينهما هو مدى تعلق كل كائن بأوتاد اللحظة ، و اللحظة هي الوقت و تختصر مفاهيم الماضي و الحاضر و المستقبل ، فالسلطة التي تريد السيطرة على مجتمع ما تعتمد اسلوب التلاعب بوتد الزمن إما بقطعه أو تزييفه و إما بربطه باللحظة المعزولة الغير مرتبطة بمنظومة الزمن ، بحيث يصبح الزمن هو مجموعة لحظات غير مترابطة و متراكمة فيما بينها و هذا بالتحديد ينشأ عند تجويع القطيع الإنساني الذي يصبح مرتبط اكثر بأوتاد معدته اللحظية .. .
بالختام .. تانيب الضمير هو الذي يشعرك دائما أنك أسوأ انسان بين الجميع، لكن شعورك بتأنيب الضمير هو بحد ذاته دليل على انك شخص تمتلك قلبا طيبا ونقيا، نحن أقوياء لاعليك من كلام المحيطين، نحن نستيقظ كل يوم لنعيش الحياة نفسها في المكان نفسه مع نفس الأشخاص، هذا بحق هو ذاته كفاح ٠
د.سليم الخراط
Discussion about this post