ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بما جرى في معركة الخندق، هذه التي مرت علينا ذكراها في الثالث من شهر شوال والتي جرت بعدما تجمعت أحزاب المشركين واليهود يريدون بذلك اجتثاث جذور الإسلام في المدينة المنورة.
أمر رسول الله(ص) يومها بحفر الخندق لإعاقة هذا الجيش من الدخول إليها.. يومها فوجئت قريش بما جرى، لكن عمرو بن ود العامري أحد فرسانها الأشداء استطاع تجاوز الخندق والوصول إلى حيث جيش المسلمين بقيادة رسول الله، وطلب المبارزة لكن أياً من المسلمين لم يلبِ النداء رغم أن رسول الله راح ينادي بجموع المسلمين من لعمرو وأنا أضمن له على الله الجنة؟ فلم يجب سوى علي(ع).. فنزل إلى البراز ولما وصل إليه علي(ع) قال له: إنّك كنت تقول في الجاهلية لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلّا أجبته بواحدة وأنا أعرض عليك ثلاث؛ أما الأول: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وتُسلم للّه ربّ العالمين”. قال له عمرو دع.. أما الثانية: فأن ترجع أنت وقريش إلى مكة.. قال له وماذا تقول عني نساء قريش أنني جبنت، قال له أدعوك إلى البراز راجلاً، فقال له: ما كنت أظنّ أنّ أحداً من العرب دعاني إلى ذلك.. وتصاولا ولم تنجلِ الغبرة إلا وعلي على صدره بعدما صرعه، وتحقق بذلك النصر للمسلمين على المشركين، يومها قال رسول الله: “ضربة عليِّ يوم الخندق تعادل أعمال الثقلين”..
ونزلت الآية: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}..
والبداية من الواقع المأزوم الذي يعيشه اللبنانيون على الصعيدين المعيشي والحياتي والذي بات يهدد لقمة عيشهم واستقرارهم في هذا البلد، ويجعل كل لبناني مشروع سفر من دون أن تبدو في الأفق أي بارقة أمل للخروج من هذا الواقع الصعب، بل يخشى اللبنانيون أن تزداد الأمور صعوبة بعد الانتخابات التي فرملت الدولار وأجلت الكثير من القرارات غير الشعبوية سواء على صعيد رفع الضرائب والرسوم أو ما يمليه صندوق النقد الدولي، حتى لا يكون لهذه الانتخابات أي تأثير على المرشحين الذين يتولون مواقع السلطة أو ينتمون إلى جهات السياسية.
وبالانتقال إلى الانتخابات التي بدأت في بلدان الاغتراب رغم أن هناك من لا يزال يشكك بإجرائها وهي تفتح باباً للبنانيين ليعبروا من خلالها عن وجعهم وآلامهم ومعاناتهم وآمالهم بوطنٍ أفضل لهم ولأولادهم وعن إدانتهم للذين أساءوا إلى هذا البلد وأوصلوه إلى المنحدر الذي وصل إليه…
ونحن في الوقت الذي ندعو إلى أن تجري هذه الانتخابات وفق معايير الشفافية والنزاهة والعدالة، نجدد القول للبنانيين بأن يكونوا واعين جيداً في التعامل مع هذا الاستحقاق، الذين يرسمون به مصيرهم ومصير بلدهم لأربع سنوات قادمة… فإما أن يكون بداية الطريق لخروجهم من النفق المظلم أو قد تزيد من معاناتهم وآلامهم وسبباً لدفع البلد إلى ما هو أبعد من المنحدر الذي وصل إليه والانهيار الذي بلغه ويخشى منه اللبنانيون، ما سيجعله مجدداً في قبضة الفاسدين وفي دائرة الارتهان للقوى الخارجية التي تستغل الأزمات ولا تقدم شيئاً بالمجان بل بشروط وفواتير مسبقة الدفع.
إن على اللبنانيين أن يفكروا جيداً قبل أن يضعوا أصواتهم في صناديق الاقتراع وأن يتأكدوا أنهم يضعونها في الموقع الصحيح وللشخص الأمين على الوطن والمواطن.
ومن هنا، فإننا نقول للبنانيين لا تخدعنكم الشعارات الفضفاضة ولا الخطابات الرنانة، بل ادرسوا جيداً تاريخ من ستعطونه قيادكم وخلفياته ومدى صدقيته، وهل لديه الكفاءة التي تؤهله للدور الذي سيقوم به، وإلام يهدف من وراء بلوغه لهذا الموقع، هل يراه باباً للخدمة أو أنه بابٌ للدخول في لعبة المساومات والمحاصصات…
إن على اللبنانيين أن يكونوا حذرين جدا ممن يتقن لغة استثارة العصبيات والحساسيات ونكء الجراح واستعادة الأحقاد لاكتساب الأصوات واستمالة الجمهور، بل أن يقترعوا للمنطق العقلاني والواعي والمسؤول والحريص على الوطن وإنسانه…
ونبقى على صعيد الانتخابات لندعو إلى إبقاء الاستحقاق في إطار التنافس البعيد عن كل أساليب الترهيب التي بتنا نشهدها إن على مستوى المرشحين أو المقترعين ليكون لكل منهم الحرية في التعبير عن قناعاته وليكون الخيار لمن يُقدم البرنامج الأفضل وفي صناديق الاقتراع.
إننا نخشى من ان ينعكس هذا التنافس على أرض الواقع أحقاداً وتوترات قد لا تقف آثارها وتداعياتها عند انتهاء الانتخابات، بل قد تمتد إلى ما بعد ذلك.
في هذا الوقت نريد للقيادات والرموز الدينية ان تكون تعبيراً حقيقياً في مواقفها عن القيم والرسالات التي تمثلها عناوين العدل والإصلاح ومواجهة الفساد والانحراف وإلى أن تكون لغتها وأسلوبها في ساحات الاختلاف لغة الأنبياء والرسل وأسلوبهم بالقول بالتي هي أحسن وأصلح.
إلى ذلك، فإنه في الوقت الذي ينشغل اللبنانيون باستحقاق الانتخابات يخطو الكيان الصهيوني خطوات متقدمة نحو استخراج الغاز والنفط من حقل كاريش الذي يقع في منطقة متنازع عليها… وهنا نضم صوتنا إلى كل الأصوات التي دعت إلى عدم التنازل عن ثرواتنا وحقوقنا…
وندعو كل من هم في مواقع المسؤولية إلى التحرك سريعاً وبكل الوسائل، وأن تتضافر كل الجهود وتتوحد لإيقاف ما سيقدم عليه العدو وعدم التفريط بثروة البلد النفطية والغازية في وقت هو بأمس الحاجة إليها، وأن ينطلقوا من موقع أن لبنان ليس ضعيفاً حتى يقدم التنازلات ويخضع للإملاءات..
ونبقى مع فلسطين، حيث يستمر العدو الصهيوني باستهدافه المستمر للمسجد الأقصى عبر دعوته للمستوطنين باقتحام باحات المسجد لفرض أمر واقع فيه وليكون له مكان في المسجد من دون أن يأبه في ذلك لحرمة هذا المسجد ومشاعر المسلمين، ولما يمثله من موقع قداسة لديهم…
إننا، أمام ذلك، نشد على أيدي المرابطين داخل المسجد وحماته الذين يقفون بكل إباء وشموخ أمام اعتداءات المستوطنين، وندعو الشعوب والدول العربية والإسلامية إلى الوقوف معهم وإسماع صوت الرفض لما قد يجري، لأن أمة تقبل أن يدنس أولى قبلة لها وثالث الحرمين ستسمح بتدنيس بقية المقدسات واستباحتها…
في الوقت الذي نحيي العملية البطولية التي جرت داخل الخط الأخضر والتي تؤكد على خيار هذا الشعب الذي لن يقبل بالإذلال والامتهان لكرامته ومقدساته وأرضه…
Discussion about this post