المهندس: ميشيل كلاغاصي
من خلال محادثةٍ هاتفيَّة جرت في 22 شباط/فبراير بين وزيري الخارجية الصيني والأميركي، عبّر الوزير الصّيني عن مخاوف بلاده من تدهور العلاقات الصينية – الأميركية، كنتيجةٍ مباشرة لسلوك الولايات المتحدة الأميركية وتصرفاتها، وأكَّد لنظيره الأميركي “استعداد بكين لبناء علاقاتٍ مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون المتبادل المنفعة”.
ومع ذلك، لا تبدو واشنطن في صدد كبح طموحاتها وسلوكها والتراجع عن استراتيجية فرض الهيمنة، ولا سيّما أنَّها تعتبر الصين منافسها الرئيسي، وربما الأوحد، في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتتذرَّع بمحاولات احتوائها، في حين تبدو مصمّمة على تدمير مكانتها واقتصادها وهُويتها.
لا يمكن تجاهل مشاعر الكراهية الأميركية تجاه الحزب الشيوعي الصيني ورموزه وقادته، والّتي تترافق مع العبارات النابية التي أصبحت جزءاً من محطات الكلام “العفوية” لدى الساسة الأميركيين، لإخفاء الغضب والاستياء الأميركي من التطور الهائل والاحترام الكبيرين الذين تحظى بهما جمهورية الصين الشعبية حول العالم، لكنَّ كراهية الولايات المتحدة للصين لم تمنع شغفها بتفتيتها وأكل لحمها.
ويأتي استخدام واشنطن للورقة التايوانية لمواجهة بكين في هذا السياق، لتتحوّل إلى أحد أهم المحاور المؤثرة في علاقة البلدين. وعلى الرغم من اعتراف العديد من الدول باستقلال تايوان، فإنّ الصّين تعتبرها جزءاً من أراضيها، في وقتٍ لم تعترف الولايات المتحدة باستقلالها، لكنَّها تحتفظ بعلاقاتٍ وثيقةٍ معها، بما فيها العلاقات العسكرية، الأمر الذي أقلق بكين، ودفع مؤخراً السفير الصيني لدى واشنطن إلى التّحذير من استمرار الولايات المتحدة بدعم التطلعات التايوانية نحو الاستقلال، وهو ما “يهدّد بنشوب نزاعٍ مسلح بين الولايات المتحدة والصين”.
إنَّ اعتماد الولايات المتحدة على كبريات ماكيناتها الإعلامية لاختلاق الأكاذيب حول انتهاك الصين وروسيا لقواعد النظام الدولي والترويج لها، استطاع نخر العقول الغربية واختراقها، وساهم في انخراط دولها في مواجهاتٍ خطرة مع الصين وروسيا، في حين يرى الصينيون أنَّ واشنطن ترتكب خطأ تاريخياً ستكون له آثاره السيئة، جراء إقناعها الغرب بامتلاكها القوة لاحتواء الصين وروسيا، والقدرة على سحقهما معاً، فقد حذَّرت صحيفة “غلوبال” الصينية من أنَّ حدوث أيّ تصادم استراتيجي مع أحد البلدين سيكبّد واشنطن تكاليف لا تستطيع تحمّلها، وستكون أمام كابوسٍ حقيقي عندما تواجههما معاً.
إنَّ فصل تايوان عن الصين لا يمكن اعتباره الهدف الوحيد أو النهائي لسياسة واشنطن تجاه الصين، إذ إنها لن تفوّت فرصة تجزئة الصين وتقسيمها إلى دويلات وإمارات صغيرة يسهل عليها سحقها وتدميرها، وهو ما يفرض عليها استغلال الخلافات الحادة بين شمال وجنوب الصين، وعلى كامل مساحة سيطرة الدولة الصينية.
إنَّ الحديث عن مساحة الصّين الكبيرة وتنوّع نسيجها الديموغرافي يفترض بالضّرورة وجود بعض الخلافات والاختلافات، سواء كانت عرقية أو لغوية أو ثقافية أو تاريخية أو اقتصادية أو جيوسياسية كبيرة، وتتمتّع كلّ منطقة فيها بنموذجها ورؤيتها التنموية الخاصة، بما يتوافق مع لغتها وعقليتها الخاصة، على الرغم من الشّعور الجماعي بالانتماء إلى حضارةٍ وهويةٍ مشتركة.
من خلال هذه الميزات وطبيعة التنوع الاجتماعي والاقتصادي الصيني، تجد الاستراتيجيات التخريبية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرصتها لتحفيز مواطني المناطق الصينية على التمسّك بالهوية الذاتية الخاصة، وتشجيع رغبات الانفصال والانعزال، وقولبتها بمطالب سياسية للانتقال من النظام الجمهوري الشعبي إلى نظام كونفدرالي، في أوضح تكريسٍ للمبدأ الاستعماري الغربي القديم – الحديث “فرّق تسد”.
لكنَّ المخططات الأميركية تصطدم دائماً بشخص الزعيم الصيني الذي يقود بلاده بكلِّ حكمةٍ وشجاعة واقتدار، الأمر الَّذي يجعل منه هدفاً مباشراً للملياردير الأميركي جورج سوروس، الذي اعتبر أنّ الرئيس شي جين بينغ يشكل “أكبر تهديد تواجهه المجتمعات المفتوحة اليوم”، وذهب إلى حد مقارنته بهتلر، وأعرب عن أمله بعزله من السلطة من قبل منافسيه داخل الحزب واستبدال “شخص أقل قمعاً داخل البلاد وأكثر سلاماً خارجها” به.
من الواضح أنَّ الولايات المتحدة لا تريد رؤية العالم وقد تغيَّر فعلياً، وبات من المستحيل العودة إلى الماضي؛ زمن التفرد الأميركي والسيادة والهيمنة على العالم، في وقتٍ لم تعد تهديداتها وخططها الخبيثة تخيف الكبار، في ظلِّ التقارب والتحالف الاستراتيجي الصيني – الروسي، ومواقف الزعيمين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، والتي قد تدفع واشنطن إلى أن تعيش كابوساً حقيقياً من البوابة الأوكرانية حالياً.
من الواضح أنَّ تطور العلاقات الصينية مع عشرات الدول، بما فيها دول أميركا اللاتينية، شجَّع العديد من قادتها، مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكوبا والإكوادور وأوروغواي وبوليفيا، على إعلان انتقادهم للهيمنة الأميركية، وتحوّل أنظارهم نحو الصين على أنها المنقذ الاقتصادي لضمان استعادة استقرارهم الداخلي الذي عصفت بها واشنطن لعقود، الأمر الَّذي ينسف الادعاءات الأميركية، ويؤكد حقيقة أن الصين وزعيمها لا يشكلان أي تهديدٍ، كما زعم سوروس.
Discussion about this post