لقد مضى على مرور تلك الحادثة قرابة عامين ونصف، لكنها لازالت عالقة بين أتون مشاهدها الدامية، ماانفكت ترزح تحت وطأة الألم… ألمها الذي يحتاج أحقابًا ليندمل؛ تعانق طفلتها -حياة- بحرارة كلما سلكت ذلك الطريق المؤدي إلى مكان الحادثة، تحادث حياة بنبرة مترنحة، طفلتي الجميلة: هنا على متن هذه السكة قُرعت طبول الوداع الأخير، هنا ياطفلتي فُجعت أمك، وانتقلتِ ياغاليتي لموطن اليُتم؛ هنا رحل عنا والدك في حادث مروري مروع…أو على الأصح جرَّاء مكيدة مدبرة حاكتها أيادٍ غاشمة؛ فوالدكِ (ياحياتي) (إياسُ) هذا العصر؛ ذكاءً وفِطنةً ومبدأً طاهرًا لايحيد عنه، هو كذلك أيتها (الحياة) هو كذاك ياغاليتي؛ تتأنق الكلمات عند ذِكْره، ويتضوع المسك؛ مسكُ سمعته النقية الصافية.
نعم ياحياة تَيَتَّمْنا أنا وأنتِ ياصغيرتي؛ تيتمتِ أيتها (الحياة) قبل معرفتك الحياة وذُقت اليُتم كذلك وأنا أعيه جيدًا وأعلمه؛ آهٍ يا (حياتي)لليُتم نكهات أليمات ياصغيرتي يُتم الحب، ويتم الرعاية، ويتم الترقب، ويُتمُ اليوم، ويُتم الغد.
كم كان يترقب قدومك؛ وكم كان يعتني بالنمنمات من كل شيء لأنها تحاكيك؛ تحاكي تلك الحياة البهية الجميلة القادمة.
ولاستبشارنا بك وبمقدمك ولسعادتنا المفرطة كذلك سارعنا بتسميتك؛ كان يقتني من الأسواق كل مايتعلق باحتياجات الطفل، ولم يهدأ له بال إلا بعد أن صمم لك مهدًا جميلًا، كلله بالأزهار الجميلة فكان زاخراً بالحياة كأنتِ.
آهٍ ياحياة كم كان والدك يعد اللحظات والساعات مستبشرا بمجيئك.
تصمت فجأة وتضم حياة إلى حضنها، وتبدأ بمشروع النحيب على جادة الطريق، استنجدت بدموعها كآلة زمن لتعود إلى ماقبل عامين ونصف،
لكنَّ دموعها جفّت أو تكاد؛ أو قد تكون قبلت التحدي وبدأت صراعًا جديدًا مع الزمن بإعداد الحياة ورعايتها والسهر على تربيتها كما كان يحلم حبيبها ورفيق عمرها؛ فلا مكان للدموع؛ هيّا إلى الحياة ياحياتي.
تلملم مشاعرها التي انسكبت مكان الحادثة وتنسج بها طوق عطرٍ ممزوجٍ بذكرياتٍ جميلاتٍ حلّت بوجدانها مكان تلك الذكرى الأليمة؛ وتتأهب لمزار موطنه الجديد، وماإن تصل حتى تضع طفلتها بجانبه وتقرأ آيات الحمد، وتراتيل الحب المقدسة، وأخذت تسرد له دستورها الجديد والذي تستمده من ذكرياتهما إنضاجًا لثمرة صحبتهما في هذه الحياة؛ وتخبره بعد ذلك بأنه لم يغب عن ذاكرتها قط، فالأحبة لايموتون بل أحياء وفي قلوبنا هم مستوطنون، تتأمل سطح ضريحه وتقرأ اسمه الذي وشّحَهُ الغبار، وتدرك حينها أنها منذ أعوام تنتظر أوبته عبثا.
#رويدا_البعداني.
Discussion about this post