د.يوسف الحاضري
،،،،،،،،،
أستغفر آدم عن خطيئته فغفر الله له ولكن لكل معصية من تبعات في الدنيا فقد أخرجا من الجنة بدون أي ملابس وحل عليهما ضرورة التعب والعمل لكي تأكل وتشرب وتلبس وعداوة الشيطان وغيرها .
،،،،،،،،،
بقلم د.يوسف الحاضري
(كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية)
إيميل abo_raghad20112@hotmail.com
،،،،،،،،،
وصلنا في اطروحاتنا لهذه السلسلة التثقيفية القرآنية المرتبطة بقصص القرآن الكريم التي بطبيعة الحال لم تسرد لمجرد التسلية او لمعرفة اخبار من سبقنا لمجرد المعرفة بل للاعتبار والاستفادة لنتفادى مصائب حلت بهم ونستجلب فوائد حصلت لهم , حيث وصلنا في هذا المقال للحديث عما حصل في الجنة التي أنزل الله آدم وحواء فيها استعدادا للاستخلاف في الأرض .
خلق الله آدم ليكون خليفة في الأرض اي ان الهدف واضح من الخلق لذا لم يكن وجوده في تلك الجنة التي ذكرها الله في القران الا لفترة مؤقتة ليهيأ فيها نفسه للمسئولية العظمى لذا من الخطأ ان يقال لو لم يغلط ادم وحواء اننا كنا اليوم نعيش في الجنة , لأن مثل هذا الطرح لا صحة له ولا اساس وفيه استنقاص من حكمة الله وعلمه وقدرته , عوضا عن الجنة هذه ليست الجنة التي سيجازينا الله بها في الاخرة بل هي ارض ممتلأة بالنعمة الوفيرة والرزق العظيم ربما تكون في الارض او في مكان آخر لا يعلمه الا الله , لذا لا يجب ان نضيع اوقاتنا وجهدنا ونضيع في تفكيرنا في امور لا فايدة منها ولم يتطرق اليها القران وليس فيها عبرة ولا فائدة .
عندما أسكن الله آدم وحواء الجنة وضع لهما قوانين معينة يجب أن يلتزما بها وهي كما هي سنة الله في قوانينه انها لصالح الانسان وليست ضده ومن اهم هذه القوانين انه يجيب ان يحذر من الشيطان ولا يصدقه فهو عدوهما ومن شدة عداوته وبغضه لكما آثر ان يكون شيطانا وملعونا ومطرودا من الملأ الاعلى ورجيما وفاسقا وموعودا بالنار في الاخرة من ان يسجد لآدم , فكيف ستترجم هذه العداوة في ما بعد ذلك ( قلنا يا آدم ان هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) اذا ما ألتزمت بمعرفة حقيقة عدوك وتعاملت معه بأنه لا يرجو لك الخير فإنك ستشقى ,وايضا كان من قوانين الله لهما أن يأكلا مما يريدا من الجنة بمليارات اشجارها ولم يحرم عليهما الا شجرة واحدة فقط لا غير , واذا ألتزما بما نهي عنه سيكون فيها ألا يجوع ولا يعرى ولا يضمأ فيها ولا يعرى ( وهذا يعني ان الاكل والشرب فيها للمتعة واللذة وليست لسد حاجة الجوع والعطش) وبهذا أصبحا في الجنة مستورا العورة متمتعا بالحياة ولذتها ولم يعد يمتلك الا كيفية النجاح في قادم مسئولياته الاستخلافية فقط .
تأملوا كيف وضع الله حدا لآدم وحواء من ان يقعا في الخطأ فقال لهما (ولا تقربا هذه الشجرة) اي في سبيل عدم أكلك منها يجب ألا تقترب منها اساسا وهذا يعطينا رؤية هامة في سبيل عدم وقوعنا في المحرمات يجب ألا نقترب منها وألا نفتح لنا ابوابا توصلنا اليها .
كان يمكن لله ان لا يضع تلك الشجرة الواحدة في الجنة وبهذا سيجعل ادم وحواء في مأمن كامل من ان يقعا في المعصية وبنسبة 100% ولكن هنا ستتلاشى حكمة الله من الخلق اذا وضع المخلوق في مكان مأمون الخطأ فيه بشكل مطلق ولن يكون ذا فايدة ولن يكون هناك مجالا للاختبار رغم ان شجرة واحدة من اصل مليارات الاشجار تصل نسبتها الى 0% وهذه من ألطاف الله ورحمته .
في مثل هذه الأوضاع سعى الشيطان ليتدرب على اغواءه لبني ادم مستقبلا وذلك عبر التجربة في ادم وحواء وهنا بدأ يوسوس لهما بأن هذه الشجرة لا مشكلة فيها والا ما خلقها الله هنا بهذا الجمال , وادم وحواء يرفضا الشيطان , فيواصل محاولاته كما تكلمنا في الطرح الثاني لسلسلة انه اقسم انه سيسعى بجد وحرص على اغواء الانسان ليعاود الكره حتى أنبرت له فكره خبيثة كخباثته وهي نفس النفسية التي كان يمتلكها ابليس من قبل وايضا حتى عندما لعنه الله وهي (مسألة الخلود) و (المنصب والمكانة) والتي كان اهم مطالب أبليس من الله ان يخلده (أنظرني الى يوم يبعثون) فقال لهما (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين) وهنا أستفزتهما هذه الاغراءات وجعلتهما يعيدا التفكير في الأمر ولكنهما واصلا الرفض ولكن قد اعطيا الشيطان لحظة تباطوء فعرف ان هذا الامر اثر فيها ( ومن هنا يجب ان نتعلم انه عندما يكون هناك امر محرم لا يجب ان نفكر فيه اساسا عوضا عن اننا نبحث له عن مداخل ومخارج لنضحك به على انفسنا بل نرفض ونظل متمسكين بالأبتعاد والرفض مهما زين الشيطان لنا حلاوة هذا او تلك )
لذا استمر الشيطان في سعيه في ذلك فقال لهما (هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى ) فقالا نعم من منظور انه اكيد لديه معرفة وعلم أوسع من ادم ( رغم ان الله علم ادم الاسماء كلها وعلمه علم لم يكن متواجدا مع ابليس ولا الملائكة كما توضح الاية انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا …الخ) وهنا ترددا كثيرا واقتربا ( والاقتراب بداية الخطأ والزلة حتى ولولم تقترف الخطأ لانك قد نويت
في نفسك تجربة هذا او العمل بهذا ) وهنا عاجل الشيطان ليوقعهما بسرعة فاستخدم القسم بالله (وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين) مظهرا نفسه طيب ومحب وحبوب وناصح لهما ولا ينصح الا من يريد لك الخير واستخدم ألفاظا جميلة رنانة وهنا سقطا في تضليله الاعلامي وتزييفه للحقائق وتلاعبه بالعقول وتقديمه للأماني وللوعود رغم انه العدو لهما ورغم انه رفض السجود له وضحى بكل شيء دنيا واخرة كي لا يسجد وايضا قد نبههما الله بأنه عدو وسيسعى لأن يخرجكما من الجنة ورغم كل ذلك الا ان آدم وحواء سقطا في الغلط .
اقتربا من الشجرة ولم يأكلا منها بل مجرد ذوق اي بطرف لسانهما ربما جزء لا يصل وزنه الى 1جم وربما أقل (فلما ذاقا الشجرة) وهنا اقتلب الوضع رأسا على عقب ,اولا الشيطان هرب وتركهما يواجهان مصيرهما وهو سعيد جدا لأنه استطاع ان يغوي آدم وزوجته في اول مهمة له ضد ادم وبنيه , ثانيا تلاشى من عليهما ثيابهما الجميل الذي كان يواري سواءتهما ليصبحا عاريين في وضع مخجل ومزري ألزمهما للبحث عما يسترا به نفسيهما (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) وحرمت عليهما الجنة ومافيها حرمت مليارات الاشجار مع بقاء الشجرة المحرمة محرمة والاشد من كل ذلك انهما عصيا الله واستحقا عقوبته .
ذاقا ولم يأكلا , خسرا كل شيء ولم يخلدا , شقيا ولم يصبحان ملكان , طردا ولم يمتلكا هذه نتائج من يصدق العدو ويرتمي الى حضنه ويثق فيه رغم ان الله حذرنا منه ومن انه لا يريد خيرا لنا سواء كان شيطانا جنيا كما هو حال ابليس او شيطانا أنسيا كما هو حال امريكا واليهود والمنافقين , وهنا بقيا امام الله عاريان مذنبان خجلان منكسران ليؤنبهما الله ويقول لهما ألم نهكما عن الشجرة من الأساس عوضا عن تحذيري لكما بأن الشيطان عدو لكما ولن تجدا منه الا الشر ولا خير منه فلو نفذتما امري الاول ماكان اساسا احتجتما لتنبيه بعداوة الشيطان كونكما ستكونا مبتعدين عن الشجرة , وهنا استطاعا ان يقاوما كل الخجل والعار الذي احاط بهما جراء المعصية وتمالكا نغسيهما واعترفا بذنبهما انهما المقصران والمخطأن والمذنبان والظالمان لنفسيهما فقالا (ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .
تلقى آدم من الله كلمات تأنيب ثم تاب عليهما ولكن هناك تبعات لكل ذنب حتى لو غفر الله لك على مستوى ماقد تعذب به في الاخرة اما في الدنيا فلكل ذنب تبعات دنيوية وهي كما ذكرناها ومنها ايضا عداوة الشياطين في الأرض (بعضكم لبعض عدو) ومع ذلك لطف الله ورحمته بالبشرية لم يتركهم وجبة سائغة للشيطان بل وعدهم بأنه سينزل عليهم هدى ومرسلين لكي يساندهم في معركتهم ضد الشيطان ويقومون بمسئوليتهم على اكمل وجه في الاستخلاف ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وليس كما كان عليه ادم وحواء في الجنة جاءهم هدى ولكنهما لم يتبعاه لذا حزنا وخافا وعوقبا في الدنيا ونحن كذلك في الحياة في معركتنا ضد الباطل يجب ان نعرف تماما من هو عدونا من الهدى ونعرف ان الشيطان قد اغوى ابوينا واخرجهما من الجنة وهذا بحد ذاته امر يستحق ان نستجمع كل قوانا لنقف في وجه من أضل ابوينا ومن رفض يسجد له ومن لا يجد في ذلك سببا ليعادي الشيطان فهذا ممسوخ الفطرة السوية وقد تحول الى شيطان ولكنه ليس منظورا لآلاف السنين مثل أبليس , وعلينا ايضا ان نفهم ونعي ان لباس التقوى والخشية من الله واتباع اوامره ونواهيه هو الذي سيسترنا في الدنيا والاخرة والتي لو كان ادم وحواء متقيان في تلك اللحظة ما تعريا وافتضحا ولم يفيدهما حتى ورق الجنة , اما الريش واللباس الذي خلقه الله ليواري سوءاتنا فيجب ان يكتسي هو نفسه اولا بلباس التقوي فإذا ما وجدنا ان اللباس هذا مكتسي تقوى فهنا سنقول ان اللباس هذا سيسترنا والا فلن يكون ساترا لنا ولن يكون فيه ادنى فائدة .
يجب أيضا ان لا نتخذ عدونا وليا من دون الله مهما زين لنا الوضع افتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو , فهي معضلة وكارثة كبرى ان نلجأ الى عدونا ليكون وليا لنا ونحن نعرف انه عدونا وانه يسعى لإزالة ما يسترنا ويواري سوءتنا ويفضحنا ولا يتورع في ان يقوم بأي امر فيه ضر لنا لاجل هذه النفسية والعقلية يستحق هذا الانسان الخلود مع الشيطان في نار جهنم للابد لان مابعد هذه النفسية من فائدة ترجى منها ولا هدف يؤمل عليه .
سنتكلم ان شاء الله في المقال رقم (4) عن قصة ابني آدم وماهي العبر والدروس التي يجب ان نعيها ونتدبرها ونعكسها على حياتنا ومسار تحركنا وما هي النفسبة السليمة التي كانت مع من تقبل الله منه والنفسية الخاربة التي كانت مع من لم يتقبل منه بغض النظر عن نوع القرابين التي قدمت لله .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post