(( لقد كان في قصصهم عبره ,,, إبليس وتوعده بإضلال بني آدم )) — 2
بقلم د.يوسف الحاضري
(كاتب وباحث في الشؤون الدينية والسياسية)
إيميل abo_raghad20112@hotmail.com
******************************
في مسار اطروحاتنا عن (قصص القرآن ) منطلقين من توصيفها الرباني بأنها (عبرة) وما كانت حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يدي محمد من القرآن وهدى وموعظة للمتقين , ففيها الهدى والموعظة والعبرة وتحركنا وفقا لما فيها من عبر سيجعلنا من المتقين , لذا فقد تكلمت في المقال الاول في هذا الطرح عن “حياة إبليس السابقة للمعصية وعند المعصية والعبر منها ” حيث وضعت عددا من العبر في نهاية المقال والذي ايضا ارجو من بقية القارئين والمتابعين إثراء الطرح بما يفيدنا جميعا , وفي هذا الطرح سأنطلق في المرحلة التي لحقت اللعنة عليه من الله وتلك التهديدات التي أطلقها الشيطان وعكسها على حياتنا وحياة البشرية وإلى اي مدى استطاع ان يحققها ولماذا وكيف نستطيع ان نحصن انفسنا من تهديداته مرتكزين في طرحنا على القران وليس غيره فهو الشافي الكافي الكامل الشامل .
بعد ان رفض ابليس السجود لآدم وبعد ان اعطي من الله فرص عديدة لعله يتوب ويعود عن هذه المعصية بل أستمر (وأبى) رغم محاولات عديدة من الملائكة لثنيه عن جرمه في حق نفسه (وما كان لي علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ) هنا أقتضت حكمة الله أن يلعنه ويخرجه من رحمته ويطرده من الملكوت الأعلى التي لا يتناسب ان يتواجد فيها أحد يتكبر (فما يكون لك أن تتكبر فيها ) , فأوجبت هذه المعصية وتعنته في البقاء عليها وإباءه السلبي في الأستجابة لكل تلك الفرص جعلت منه ( ملعونا , مذءوما مدحورا , صاغرا , رجيم ) بعد ان كان من المقربين وأرتفع إلى منزلة الملائكة حتى ان النداء الخاص بالملائكة ليسجدوا لآدم كان شاملا له (واذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس) ,وهنا أدرك إبليس أنه نسف كل شيء , نسف مكانته التي سعى إليها جاهدا من خلال عبادته لله ليصل إليها ووصل , ونسف حياته الدنيا ونسف حياته في الآخره , معصية واحدة (أصر واستمر عليها ) جعلت منه هكذا , عندها ومن منطلق علمه ومعرفته الكبيرة جدا الذي لا تقارن بأي علم ومعرغفه يمتلكها بنو آدم أن عباداته الكبيرة والكثيرة السابقة لم تشفع له في شيء كونه كان يظن ان الله سيتجاوز عنه هذا الاصرار في الرفض فيتركه في شأنه ولكن هذه في المقابل استنقاص في المعرفة الحقيقية بالله وبأنه هو الحكيم العليم الكامل الذي لا يصدر منه اي اوامر ونواهي عشوائية (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين) هنا سعى إبليس ان يتشبث بقليل من البقاء في الدنيا لأن موته سواء بغضب الله عليه او بتقدمه في العمر (وفقا لحسبة سنين حياة الجآن ) يعني البعث في النار فقد لعن وطرد وغضب عليه لذا قال أطلب منك طلب يا رب , أن تمد لي في العمر حتى نهاية الحياة الدنيا الخاصة بالبشر هؤلاء الذين تسبب خلقك لهم في إضلالي وآسقاطي من مكانتي وخسراني للدنيا وللآخرة ,ولأن الله هو العليم بما يهدف إليه نفسية إبليس من هذا الطلب والذي لإضلال البشرية سعيا منه الى عرقلة تلك الأهداف التي ارادها الله من البشر عندما استخلفهم في الأرض لذا امهله واعطاه ما يريده بعد ان انبرأ ابليس للامر وقدم نفسه ليكون هو الشيطان الذي يضلل الخلق كون مسمى شيطان هو صفة لاعمال وليس اسم مخلوق لذا نجد شياطين الانس وشياطين الجن , لان الله عهد الى بني آدم من قبل ألا يعبدوا الشيطان كائنا من كان وهاقد اصبح الان أبليس هو الشيطان .
وضع الشيطان هنا له عدة اهدافا في مسيرته ولعل اهمها اغواء الناس واضلالهم وتعبيدهم له وتحويلهم الى مجرد مخلوقات لا تمتلك عقلا بل شهوات تنقاد خلفه مثل البعير التي يتم احتناكها اي ربطها في فمها ويقودها كيفما يريد والى أين يريد مستخدما في سبيل ذلك كل الوسائل الشيطانية الخبيثة من الاماني والوعود الكاذبة وتزيين الباطل ليصبح حق وتشويه الحق ليصبح باطل وغيرها من أمور معروفة ومعلومة وسنتحدث بتفاصيل اكثر في اطروحات قادمة في هذه السلسلة .
الله عز وجل وضح أيضا انه لن يترك البشرية وجبة سائغة للشيطان بل سيؤيدهم بأسلحة يتغلبون بها عليه بسهولة على رأسها الهدى والرسل والكتب السماوية والعقل والفطرة السوية ايضا عدم اغلاقه لباب التوبة والرجوع والإنابة وهذه امور كلها تعكس مدى عظمة الله وقوته وسيطرته وملكه وعزته .
بدأ الشيطان اولى مهامه الخبيثة مع آدم نفسه وأنتصر عليه والتي سنتحدث عن الأمر في مقالي الثالث في هذه السلسلة ولكن الان لابد من ذكر بعض الأمور التي يجب ان نعيها من هذا الامر لعل اهمها :-
1.إمهال الله للإنسان مقابل استمرار المعصية لا تعني أهمال والعياذ بالله ولكنها من منطلق عدالة الله المطلقة في اعطاءه للعبد فرص عديدة وكثيرة جدا عل وعسى يتوب ويعود إليه.
2.عندما يعلم الله بعلمه المطلق أن العبد وصل إلى مرحلة اللاعودة في معاصيه عندها يطرد من رحمته في الدنيا والآخرة حتى وان مد له في عمره وماله فهي لم تعد الا تحصيل حاصل واحيانا ليزدادوا إثما .
3.الإصرار على أي معصية يرتكبها الإنسان بعد معرفته انها تغضب
الرحمن توجب اللعن والسخط من الله والوصول إلى ان تصبح شيطانا إنسيا فتخسر الدنيا والآخرة.
4.طلبك لله لامور تحتاجها لتساندك في معصيته تستجاب من منطلق استغناءه عنك وعظمته وقوته وانه لا يعجزه شيء لذا عليك ان ترتبط بالله لتستعين به فيما ينفعك في عبادتك له.
5.معرفتك التامة باسلحة الشيطان تسهل لك عملية التصدي له وايصاله الى الحالة الطبيعية له وهو (ان كيد الشيطان كان ضعيفا) اما خضوعك له فانت اصبحت اكثر ضعفا من حالته الضعيفة في الاساس.
6.تذكر ان الشيطان يسعى جاهدا لاغواء المؤمنين عبر التزيين لهم والاماني كأخطر سلاحين له في تعامله معهم لذا لا يعني انك ملتزم ببعض العبادات انك في أمان منه مالم تلتزم بكلها بقوة وبجهاد.
وغير ذلك من دروس يجب على الجميع التدبر بعمق لها في كل الايات التي ذكر الله فيها إبليس وتوعده للإضلال والإنتقام بكل حقد من البشرية .
حديثنا القادم عن آدم وحواء وكيف اضلهم الشيطان رغم ان الله احل لهم مليارات الاشجار والجنة بانهارها وراحتها ولم يحرم عليهما الا شجرة واحدة فقط لا غير وهنا خطورة الموقف التي نسقط فيها جميعا بعلم او بجهل وكيف يجب علينا تحصين انفسنا من هذه الزلات.
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post