عدنان علامه
لقد تم كف يد القاضي صوان عن التحقيق بملف النيترات لأنه بدأ بتسييس ملف كارثة إنفجار أو تفجير مرفأ بيروت. وتابع القاضي البيطار ما بدأ به سلفه؛ فقام بإتهام إستنسابي لجهة سياسية محددة وهي حليفة لحزب الله بالإضافة إلى إتهام الوزير السابق المشنوق بالرغم من تناوب عدة رؤساء حكومات على الحكم خلال تواجد نيترات الموت في العنبر رقم 12. وتقتصر الإستدعاءات على الوزراء السابقين زعيتر وفنيانوس والمشنوق ورئيس الحكومة السابق دياب التي إنفجر العنبر رقم 12 خلال فترة ولايته.
فالإدعاء وإصدار حكم بإلقاء القبض على الوزير على حسن خليل وتضخيم مواد الإتهام له بشكل مباشر يؤكد وجود تسييس واستنسابية للملف؛ لأن الوزير لأي جهة سياسية إنتمى يقوم بممارسة مهامه وبالتالي يجب محاكمته أَمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وليس أمام المجلس العدلي بحسب الدستور.
لم تلتفت الحكومة إلى إمكانية إتهام وزراء ونواب حين إحالة صلاحية التحقيق إلى المجلس العدلي لإستثنائهم من المحاكمة أمامه للحفاظ على فصل السلطات. ولا بد من العودة إلى الدستور الذي يسمو على كل القوانين لنحكم على تصرفات المحقق العدلي ومحدودية صلاحياته وخصوصًا إصدار مذكرة توقيف النائب والوزير السابق علي حسن خليل والإدعاء على رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء زعيتر وفنيانوس والمشنوق :-
“المادة 71 (عدلت بموجب 18 /1990)
تاريخ بدء العمل : 21/09/1990
يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم امام المجلس الاعلى.”
وبما إن الدستور يسمو على كل القوانين، وبما أنه “لا إجتهاد مقابل نص”؛ فإن المحقق العدلي قد خرق الدستور، وللأسف فأن مجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز لم يتدخلا لتصحيح هذا الخرق؛ وبهذا يكونا قد وضعا أنفسهما داخل قفص الإتهام والشبهة. وهذا يؤكد بأن الملف بات يدار سياسيًا بإمتياز وليس حسب الأصول الدستورية والقانونية. وبما ان الشيء بالشيء يذكر، فقد تدخل المجلس الأعلى للقضاء بسرعة قياسية عندما أصدر قاضي الأمور المستعجلة في مدينة صور، محمد مازح قرارًا يمنع بموجبه وسائل الإعلام من نقل تصريحات عن السفيرة الأمريكية لدى بيروت دوروثي شيا، وأحاله للتفتيش القضائي. القاضي مازح تحرك وفقًا للقوانين للحفاظ على السلم الأهلي بينما لم يتحرك مجلس القضاء الأعلى ليكف يد المحقق العدلي الذي بات إصراره بالإستمرار بالإستنسابية في عمله يهدد السلم الأهلي.
وقد أشاد الكونغرس الأمريكي الاسبوع الماضي بنزاهة القاضي البيطار وهذه تدخل في الشأن القضائي اللبناني وإشارة لإطلاق يد المحقق العدلي، وإن اللبيب من الإشارة يفهم. فقد استقوى القاضي بهذا التدخل الامريكي السافر؛ وبدأ يطلق التصريحات بزج رؤوس كبيرة في السجن بدلًا من التوسع في التحقيق لمعرفة كل من تورط في إستيراد، حجز، تنزيل، تخزين النيترات في مستودع غير مستوفٍ لشروط السلامة العامة، تسهيل سحب كميات كبيرة من النيترات، عدم الكشف الدوري على النيترات والأسباب المتراكمة التي سببت التفجير.
من المسلم به بأن مبدأ فصل السلطات منصوص عليه في الدستور اللبناني؛ وبالتالي لا يمكن لأي سلطة أن تتدخل بإجراءات السلطة القضائية؛ ولكن إذا لم تتدخل هذه السلطة لتصويب مسار الإجراءات التي يتخذها المحقق العدلي خلافًا للدستور، فإلى من يلجأ المتهمون لرفع المظلومية عنهم؟ هناك خلل في تفسير صلاحيات المحقق العدلي وباتت الصلاحية المطلقة دون مراعاة الاصول الدستورية والقانونية والأعراف القضائية تهدد السلم الأهلي. فيجب ان يتصدى رئيس المجلس العدلي أو رئيس مجلس القضاء الأعلى ليحسم وبشكل فوري موضوع صلاحيات المحقق العدلي.
إن مسار عمل المحقق العدلي وتصريحاته الشعبوية في السر والعلن يؤكدان وجود الإستنسابية والتسييس بناءً على توجيهات خارجية على غرار إشادة الكونغرس بنزاهة القاضي البيطار.
وهذا ليس بجديد؛ فمن المسلم به بأن المواد القانونية المتعلقة بالتعامل مع العدو تنص على أشد العقوبات والتي تصل إلى الإعدام. ولكن وللأسف فإنه نتيجة لتدخل السلطات الروحية والسياسية والخارجية تصبح الأحكام مخففة جدًا لتتساوى عقوبات التعامل مع عقوبات الجنح مع أو تقل عنها. وكلنا نتذكر الأحكام التي صدرت بحق العملاء بعد فرار العدو الصهيوني من لبنان عام 2000. ولا بد من الإشارة بأن الأحكام تصدر بإسم الشعب اللبناني الذي يرفض بمعظم مكوناته التعامل مع العدو وفقًا لتحديد الدستور للعدو. وسأذكر بعض الأحكام الصادرة بحق العملاء على سبيل المثال لا الحصر؛ وللأسف تعتبر هذه الاحكام سابقة يرجع إليها للحصول على أحكام تخفيفية لأي عميل حين محاكمته.
1- قضية العميل شربل قزي: أطلقت قاضية التمييز في المحكمة العسكرية أليس الشبطيني سراح العميل قزي علمًا أنه سلم داتا الإتصالات كاملة إلى العدو مع كلمات السر للولوج إليها. آمل الإضطلاع على تفاصيل القضية عبر الرابط التالي لتعرفوا خطورة ما قام به قزي على جميع اللبنانيين دون أي استثناء :-
https://al-akhbar.com/Politics/80265
2- قضية العميل عامر فاخوري : بتاريخ 4 شباط 2020 أصدر القضاء العسكري في لبنان قراره الاتهامي في ملف العميل الموقوف عامر الفاخوري، وأحاله على المحاكمة أمام المحكمة العسكرية الدائمة. القضاء العسكري وجّه إلى العميل الفاخوري تهمة قتل مواطنين عَمداً وفقاً للمادة 549 في قانون العقوبات، والتي تنص على عقوبة الإعدام،كما اتهمته بجرم الخطف ومحاولة القتل عمداً. فيما منعت عنه المحاكمة بتهمة التجند في جيش الاحتلال الإسرائيلي والتعامل معه لشمول هذه الجرائم بمرور الزمن، وأحالت الملف على المحكمة العسكرية الدائمة لمحاكمته. وكلنا يعلم كيف هربته سفيرة الوصاية الأمريكية خارج لبنان بطائرة خاصة علمًا بوجود حكم يمنعه من السفر. فقد نقلت وكالات الأنباء العنوان التالي :- “أن مروحية أمريكية قامت بإخراج أحد أبرز عملاء إسرائيل من بيروت بتاريخ 19آذار/ مارس, 2020 وترامب يشكر حكومة لبنان لـ”تعاونها”.
ومن باب” الصدف” أصبحت اليس الشبطيني لاحقًا ونتيجة لقرارتها المثيرة للجدل في الإفراج عن العملاء وزيرة في حكومة الرئيس تمام سلام؛ بينما القاضية نجاة ابو شقرا التي أعدت لائحة الإتهام للفاخوري لا تزال في منصبها.
فالتسييس موجود في القضاء مهما أنكرنا ذلك؛ واستنسابية الإتهام للوزراء والنواب المتحالفين مع حزب الله خلافًا للدستور يؤكد تسييس الملف لغاية في نفس يعقوب.
لذا بات من الواجب الوطني كف يد المحقق البيطار وتفعيل عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء لإنقاذ لبنان.
*وإن غدا لناظره قريب*
Discussion about this post