بقلم درة الشرق
الشباب في سورية هم المستهدفون منذ بداية الأزمة السورية و تهجيرهم منها هو المخطط الذي تم وضعه منذ سنوات لإفراغ سورية من نخبها الشابة و خلق بيئة اجتماعية كهلة تعاني ما تعانيه من غياب الطاقات الشبابية في كل المحافل السياسية و العسكرية و العلمية و الثقافية و حتى الإجتماعية.
و الوصول بسورية كما لبنان الذي خاض التجربة سابقاً إلى دولة فاشلة عاجزة منهكة، فكيف سيكون انعكاسها على الاقتصاد.
لقد كانت المحاولات لضرب الشباب و مستقبله منذ اندلاع أحداث سورية والهدف الاهم الهادم للمجتمع والمستقبل السورية، وأول دعوات من يقود المظاهرات في سورية هو التركيز على الإضرابات عن العمل و ضرب المعامل الكبيرة أو حرقها و تهديد الورش و المشاغل الصغيرة لحثها على الإغلاق و هنا بدأت مرحلة عدم الاستقرار التي بدأت ترمي بثقلها الإقتصادي على كاهل الشباب السوري، وجر الشباب للارتزاق بالإغراء ببقايا دولارات.
استهداف التعليم: حيث الدعوات المشبوهة للتظاهر في الجامعات و التخريب الذي يهدف لإغلاق الجامعات والاعمال فتغلق الآفاق بوجه الشباب لاستجرارهم للانخراط في الحرب ضد الجيش السوري أو معه وتحويلهم للهاث نحو لقمة العيش فيجبر على الارتزاق
والهدف الثاني هو خلق فتن بين المجتمع الشبابي لخلق مزاج عام من العنف و الحقد و التقاتل.
لكن العقلاء في الدولة أبوا إلا أن تبقى الجامعات مفتوحة أمام الطلبة و صدر خلال الأزمة المئات من مراسيم التسهيل لالتحاق الطلاب بجامعاتهم و قبولهم في جامعات مدنهم تجنيباً لهم للسفر لمدن أخرى و ما يتبع ذلك من نتائج اقتصادية و أعباء مالية على الأهل.
قطع طرق الأرياف المدن و أثره في حياة الشباب السوري:
في مطلع عام ٢٠١٤ و مع احتدام الصراع الداخلي و نشوء المجموعات المسلحة و تزايد الدعم المالي لها استطاعت المجموعات استقطاب المزيد من الشباب لصفوفها و من ثم زجهم في حروب طويلة و تلويث أيديهم بدماء أبناء بلدهم لكي لايبقى لهم أي أمل أو خيار بالعودة للحياة الإجتماعية السليمة و بتزايد الدماء تزايد الحقد بين الشباب و أصبح رد الفعل الطائش هو الحاكم على عقلية الميدان إضافة لتنامي الحقد الطائفي بين المكونات السورية و الذي دفع ثمنه شباب سورية ألماً و خوفاً و ضياع ، ثم نجحت الفصائل المسلحة بقطع الطرق بين المدن و الأرياف و حتى تقسيم المدينة الواحدة لأكثر من قسم كما حصل في حمص و الحسكة و دير الزور ودرعا و حلب و بهذا تم قطع الطرق للوصول للجامعات و عليه أصبح الوصول للجامعة أشبه بالحلم و هنا فقد الشباب سبباً مهماً للصمود و هو الأمل بالدراسة و تحقيق مستقبل يحلمون به و انخرط المزيد منهم في الأطراف المختلفة للنزاع لأسباب أكثرها مالية لكن الشباب الذي لم تقنعه الأفكار التي حملتها الفصائل فهي ليست ثقافتهم التي نشؤوا عليها لذا فالجزء الأكبر من الشباب رفضوا الانخراط في صفوفهم ، و استمرت الضغوط عليهم حتى ظهور تنظيم داعش الإرهابي الذي حول حياة الشباب لجحيم مستعر ومجتمع دموي غير قابل للحياة ، فتتوزع الرؤوس المقطوعة في الشوارع ،
اما البطالة و التضييق المالي و الإغراء بالمال و النساء و السلاح، فكان هو النهج ، و هنا بدأت موجة الهجرة الأكبر في تاريخ سورية و كان الملجأ دول الجوار السوري و أخصّ تركية التي كان لها الحظ الأكبر من شباب سورية.
وهنا بدأ الامل يتلاشى بنهاية هذه الحرب مجهولة و لاسيما بعد أن سيطر السلاح و الإرهاب على سبعين بالمئة من البلاد من أقصاها لأدناها و لذلك قرروا الهرب بعيداً عن سورية باتجاه أوروبا التي كان لألمانيا النصيب الأعظم من الشباب السوري المهاجر و بدأت ثقافة الهجرة تنتشر بين الشباب الذين أصبح أقصى أحلامهم الوصول لأوروبا الجنة الموعودة هرباً من جحيم الحرب الطاحنة و بحثاً عن مستقبلٍ أفضل و تعليمٍ يليق بتعبهم و حياتهم التي أمضوها بين الكتب بعد أن حرمتهم الحرب من الوصول إلى الجامعات لاتمام تعليمهم و دراستهم.
هزيمة داعش و انعكاساتها على هجرة الشباب:
بعد اندحار تنظيم داعش الإرهابي من مدن و قرى سورية بدأ الشباب السوري لملمة الجراح و إعادة بناء أنفسهم و ترميم الآثار النفسية التي فرضتها الحرب عليهم و بدأت المبادرات الفردية و الجمعيات الشبابية بمختلف مدن سورية من شرقها إلى غربها و من شمالها لجنوبها حتى كاد الشعب أن يتأكد أن الحرب انتهت و لم يتبقَ سوى إتمام العملية السياسية و تصالح فئات المجتمع و إشراك التيارات السياسية الوطنية المختلفة في صنع القرار مع احترام مبادئ الوطن و المواطنة و دماء الشهداء و تضحيات أبناء الشعب و بدأت عجلة الإنتاج تدور مجدداً و افتتحت المدن الصناعية مئات المعامل لتحقق فرص عمل حقيقية مقبولة الدخل تساعد الشباب على تأمينا أعباء الحياة. لكنها قليلة مع الحاجة الماسة لعلاج اهم مشكلة للشباب.
و بانتهاء العمليات العسكرية بدأت الدولة باصدار مراسيم انهاء الخدمة الإلزامية تباعاً بحيث تشجع الكثير من الشباب للالتحاق بالخدمة الإلزامية في صفوف الجيش السوري و اقتنع الشباب بأن بناء الوطن مسؤولية الجميع و رضوا بكفاف العيش و بأدنى الأجور في سبيل تمسكهم بعوائلهم و أرضهم ، لكن الحال لم يدم طويلاً وبدأت الخطة ب كخطة بديلةٍ جديدة تنسف نتاج النصر العسكري و اندحار التنظيم الإرهابي وهي: .
العقوبات الإقتصادية و قانون قيصر و بداية الحصار: لم تدم فرحة السوريين طويلاً حيث كادت الحرب أن تضع أوزارها إلا أن اللص الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتاد السرقة طيلة حياته الإقتصادية و صفقاته القذرة التي لا تحترم مبادئ السياسة والاخلاق.
ولم يكن حظ سورية أفضل من حظ العراق وافغانستان وفيتنام بمواجهة امريكا الجرمية لهم ،ولكل اسلوبها وطريقتها ، اذ فرض عقوبات اقتصادية جائرة على الشعب السوري لتنهار العملة السورية و ليتم حرمان شعب سورية من كل عناصر حياته و مقوماتها الأساسية و لم تنسَ العقوبات أي جانب، لا سياسي و لا اقتصادي و حتى حاجات المعيشة كالمحروقات و الكهرباء و الدواء و الخدمات الأساسية التي استهدفها قيصر والحصار فانعدمت مقومات الحياة و زادت الأعباء و الضغوط الاقتصادية و ازداد شلل مرافق الحياة حتى تغيرت قناعات الأجيال الشابة و أصبحت الهجرة حلماً و أولوية قبل التخرج و قبل التعليم و الزواج و أن لا مستقبل للعيش في هذه الأرض فكلما لمع بريقٌ من أملٍ ما يلبث أن انطفئ مهدماً معه أحلام الملايين من شباب هذا البلد بغدٍ أفضل مع تخوف الشباب من تجارب العراق وافغانستان و أزمات لبنان المتتالية أن لا نهاية لمعاناة هذا الشعب الذي يعاني الجوع و الموت و القهر بلا ناصر و لا معين على مرأة و مسمع من شعوب العالم و المتشدقين من دعاة الحرية و الديمقراطية.
فكان الامل عندهم بالهجرة هي السبيل الوحيد للخلاص براي الشباب المال وكانت أوروبا المقصد البعيد عن الشرق و صراعاتها العفنة التي قتلت نفوسهم و قطفت زهرة شبابهم.
أسباب هجرة الشباب من سورية:
١. الحرب الممتدة منذ عشرة أعوام و حتى هذه اللحظة.
٢. الوضع المعيشي و الاقتصادي المزري و معاناة الشباب من تأمين الحد الأدنى من مصروفهم اليومي و تشكيلهم عبءً ثقيلاً على آبائهم و عائلاتهم.
٣. ارتفاع أسعار السلع و انخفاض مستوى دخل الفرد حيث لاتزيد الأجور الشهرية عن ال٣٠ دولار في أحسن الأحوال فموظفي الدولة يتقاضون أجوراً تتراوح بين ٦٠ ألف ليرة لتصل إلى ٢٠٠ ألف في أحسن الأحوال أي مالا يتعدى ٦٠ دولاراً أمريكياً.
٤. الفساد وبروز فئة اغنياء الحرب في كل المفاصل
٥. الضغوطات النفسية و غياب مستقبل واضح ضاعت ملامحه بين آثار البلاد المدمرة.
٦ظروف استثنائية جعلت الخشية المتبادلة بين الشباب والقوى الأمنية عدم اندماج الشباب مع مجتمع منهك
٧. عدم تحديد سقف للخدمة الإلزامية إذ بلغت سنوات خدمة بعض الشباب العشرة أعوام ادت الى معاناة إجتماعية و ضغوطات نفسية و انهيارٍ مادي و التعويضات التي حصلوا عليها لا تكفيهم و لا تسمن و تغني من جوع وهذا كله نتاج الحرب.
٨. ظلم الفئة الشابة من أبناء المكون العربي في مناطق سيطرة قسد في شرق الفرات و زج أبنائهم في التجنيد الإجباري في صفوف قوات قسد.
9. الفقر المدقع و الغلاء الفاحش وتضخم اقتصادي واتساع الهوة الإجتماعية بين طبقات المجتمع.
10. غياب وجود خطط استراتيجية واضحة في العمل الحكومي و تراجع الجودة في العمل الإداري في كل المؤسسات الحكومية و تراجع الخدمات الإجتماعية الحكومية من ماء و كهرباء و تدفئة و هي أساسيات الحياة.
11. الضخ الإعلامي في وسائل التواصل الإجتماعي و تشجيع الهجرة من خلال تصوير الواقع البائس و لزيادة سوداوية الموقف و خلق جو من حالة اللا رضى في نفوس الشباب و ذلك من خلال مقارنة وضع الشباب المقيم في سورية بوضع الشباب خارج سورية اقتصادياً و مادياً و نفسياً
12.غياب القيمة العلمية للتعليم و لا سيما بعد تقادم المناهج و المخابر و الهوة العلمية بين جامعات العالم و الجامعات السورية و تراجع جودة التعليم نتيجة الضغوطات و الأعباء المادية التي يعاني منها الأكاديميون الجامعيون و انخفاض الأجور و غياب المحفزات و ضغوطات العمل و الحياة.
13. زيادة أعباء التعليم و وصول أقساط المدارس الخاصة لمستويات خيالية لا يمكن للكثيير من العائلات تحملها مع فشل مدارس القطاع العام في تحقيق الغاية التعليمية المطلوبة في ظل تدني مستوى الأجور.
طرق الهجرة و مقاصد السوريين الجديدة:
تعد مصر و أربيل أهم مقاصد الشباب السوري اليوم لأنها الأسهل و الأقل تكلفة و الأسرع تنفيذاً و لهذا فلقد تزايد عدد الشباب المسافرين لهذين البلدين بشكل كبير حيث أصبحت الهجرة لتركية أشبه بالحلم. يدفع الشباب للمهربين مبالغ طائلة تصل لآلاف الدولارات لنقل الشباب إلى مناطق سيطرة المجموعات المسلحة المدعومة تركياً و من ثم يتم دفع مبالغ تزيد عن ثلاثة آلاف دولار للعبور إلى تركية بمساعدة بعض المتنفذين من المهربين الذين يتقاسمون مبالغ التهريب مع قادة الفصائل المسلحة. و لعل بيلاروسيا حالياً من أهم الطرق التي يسلكها الشباب السوري لبلوغ أوروبا و تكلفهم الآلاف من الدولارات فضلاً عن الرعب و الألم و معاناة الاستغلال أو الإحتيال.
ليبيا من أهم المقاصد للشباب إذ يوهم بعض المهربين فرائسهم من الشباب أن الطريق لإيطاليا مضمون و لا يحتاج إلا القليل و يقومون بسلب أموال الشباب و زجهم في سجون ليبيا و تعاني مئات العائلات الويل للوصول لأبنائها هناك و تدفع الغالي و النفيس في سبيل تحريرهم و إعادتهم لبيوتهم.
لا ننسَ أيضاً آلاف الشباب من أبناء أرياف حمص و حماة و الساحل و السويداء الذين استقطبتهم شركة فاغنر الأمنية الروسية و نقلتهم للعمل في حماية المنشآت النفطية الليبية بعقود تدفع مرتباتها بالدولار. و على المقلب الآخر فلقد نقلت الفصائل المسلحة الآلاف من شباب المخيمات الذين جندتهم لصالح المخابرات التركية للمشاركة في تغذية النزاع في ليبيا و تنفيذ الأجندة التركية في ليبيا و إطالة أمد النزاع هناك حتى تحقيق المصالح التركية هناك و عانى شباب سوريا هناك الويلات من سرقة الأجور و الاستغلال في حربٍ لا نهاية لها.
معالجة المشاكل الإقتصادية و تأمين أساسيات المعيشة ضمن الامكانات المتاحة هو الحل الأوحد لمشكلة الهجرة التي أصبحت أمراً واقعاً و أما عملية البناء و إعادة الإعمار لا يمكن أبداً تحقيقها إلا بوجود الطاقات الشابة التي أصبحت مهددة بالانقراض المجازي في سورية إذا ما استثنينا طلبة الجامعات.
لذلك لابد من البحث والعمل الجاد بل التعاون لإيجاد معالجة للأوضاع الاستثنائية التي اتت بعد حرب ضروس
Discussion about this post