** من فيض سماء الرّوح **
بلغة النّسيم البارد الذي يرقّ و يؤذِن بغيث هنيئ ( كما ندعو ) ، و بلغة الطيور و هي عاشقة الحرية إذ ليس لها إلّا الفضاء و التحليق فيه ، و كم نتمنّى أن نقوم بماتقوم به !!
نتمنى أن نحلّق بجناحيها بعيدا في فضاءات اللّه الرّحبة حتّى تتشبّع أرواحنا بشعور الحرية ، و قد مرّ كلّ منّا و سلّم على من يحب وقد استبدل بعد نومه بنشاط فمداعبة بارد الهواء لجناحيه ستنعش روحه ،
نتمنى و قد مررنا بجدول عذب و لكن ما ارتشفنا منه حدّ الارتواء إلّا بعد أن أخبرنا ( طالوت ) بأن معركته مع الظلم قد انتهت و قد أصبح الغرف من ذاك النهر متاحا ، فلم نكتفِ بالغرف ( حينها ) من عذب النهر بل غطسنا فيه ثمّ خرجنا نلوذ بالفضاء مرة أخرى لنطرق باب الشمس نبغي الدّفء فنقول لها :
صباح الرضا أيتها الآسرة المشرقة الجميلة ، و ماذا دهاكِ من الصبر و التواضع على سحب مثقلة تنتظرين بكاءها لتسطعين و كأنك صديق وفيّ ينصت لصديقه حتّى في شكواه لا يقاطعه ،،
آه لو كنّا طيورا لوقفنا على نوافذ النائمة ضمائرهم ننقرها و نذكّرهم بأن تستيقظ ضمائرهم فالزّمن سيشهد على العبث به دون إقامة حق أو تثبيت عدل ، و أن ظلمهم ليس في صالحهم فيوما سيقفون أمام اللّه مسؤولين !!
آه يا طيور السماء لو فهمتِ لغة أرواحنا لتعبتِ و أرهقكِ أن تطرقي الميتة مشاعرهم و أحاسيسهم ، الغائبين في هوى ظلماتهم .. الغارقين في أناهم المتعاظمة المتضخمة حدّ أن وضعوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم و عموا و بكموا حين عرضنا عليهم مشاهد الجياع و المحتاجين و البؤساء و ذكّرناهم بظلمهم و بطشهم و غفلتهم !!
آه يا طيور السماء و ما أجملكِ لو كنتِ مهيّأة لأن تطيري بنا لنرحل عن هؤلاء الوزراء و حكومتهم الظالمة الفاشلة .. لنبتعد عنهم و نزور أولئك الشامخين الثابتين الصامدين في بنيانهم المرصوص فنتخلل جنبات و حنايا أرواحهم الزكية لنحيا بل لننام في أرواح رجال اللّه نومة ( فتية الكهف ) حين زادهم اللّه هدى ، و لا نستيقظ إلّا على صوت هدهد ( سليمان ) يخبرنا بأن ملكة ( سبأ ) قد عادت لتحكمنا بالعدل و الإحسان ، و قد جاء فتى يدعى ( إبراهيم) قد حطّم و أسقط بفأس في يده أصنامنا البشرية المتخمة باللصوصية و الشللية و الظلم ،
آه و كم نتمنّى في رحلتنا كطيور نشعر بعطش لكننا سنرى رضيعا يقفز الماء من تحت قدميه فتؤشّر لنا أمه و هو ( إسماعيل ) بأن ننزل لنشرب من زمزم و نطوف طوافها كأم تشرح لنا لماذا سعت بين الصفا و المروة ، و كيف تركها زوجها و رضيعها للّه ؟!
و بعدها سننطلق فإذا بنا نرى طفلا جميلا يلتقطه سيّارة من بئر لنتابع قصته فإذا باسمه ( يوسف ) الذي وُلّي على خزائن مصر بعد رحلة صبره على كيد الخائنين من أقرب عالمه ، و قد حُمّلنا كهدية بحبوب تكفينا لمعاودة هجرتنا التي نعشقها سماوية تسري و تسلّي قلوبنا و لكنا رأينا من تلك الحبوب ما تساقط منّا للأرض فإذا به زروع تنبت في كبد الأرض و تحتاج لسقيا فتمنينا السقيا لها فما رأينا إلّا أن نصطف مع فتاتين تنتظران ليصدر الرعاء لتسقيا، و قد حُمنا بجوارهن فما رأينا إلّا رجلا عليه ملامح الخوف و الترقب من الظالمين لكنه كان قويا حييّا أمينا، و قد سقى لهاتين الفتاتين لنخبر بعدئذ أنه كليم اللّه ( موسى ) ، و قد ظفر بإحدى الفتاتين زوجة ، و بعد وداعنا لهم عدنا نحلق في فضاءاتنا ، و ها نحن نحطّ على شجرة فيها من الرّطب لنأكل منها مع سيدة جميلة يبدو عليها الخوف من كلام الناس فقد ناداها وليدها الذي ولدته للتو لتأكل من هذا الرّطب و تقرّ عينا فلما استغربنا كلامه في المهد ليخبرنا بأنه نبي من اللّه و رسول و اسمه ( عيسى ) و هذ أمه ( مريم ) التي لم تكن امرأة سوء و لم تكن بغيا حتّى ولدته دون أن يمسّها بشر !!
بعدها حلّقنا لنرى نورا في بلاد الحجاز قرب ( كعبة إبراهيم و إسماعيل ) على هيئة إنسان فسمعنا صوتا من السماء يخاطبه و يناديه يا محمّد..
كان محمّد ينادى بالصادق الأمين ، كان يدعى الرحمة المهداة ، كان جلالا و جمالا و نورا لكنه إنسان سمّي خاتم الأنبياء ، لنلحظ أننا في تيك الرحلة كنا نمر على أولياء و أنبياء و رسل للّه ، و نساء من نساء العالمين ،
كنا نستمتع و نلتذّ بتلك القصص لكن كان إيحاء يخبرنا أنكم بعد لحظات ستذبل أجنحتكم بل ستنكسر أجنحتكم و فعلا انكسرت و ارتطمنا بالأرض رطمة كدنا أن نقضي فيها ، لكن رحمة اللّه كانت ترافقنا لكننا تشتتنا ؛ فقد كان ( محمّد) آنذاك قد خذله أصحابه و ارتدوا عن حكمه و أمره و التسليم له الذي يعني التسليم لمن بعثه نبيا و رسولا ،
شعرنا بألم شديد في كياننا البشري فرمزنا و قدوتنا و رسولنا ( محمّد ) في أرواحنا .. في قلوبنا التي كانت طعنات نشعرها في قلبه فقد تؤومِر على وصيه ( علي بن أبي طالب ) وابنته ( فاطمة بنت محمّد ) التي ماتت كمدا ممن انقلبوا على أبيها و زوجها ، لتنزف أرواحنا دماء و دموعا فقد عاد بنو أمية ليسفكوا دم آل محمّد و أسباطه و أحفادهم ، و أدركنا حينها أننا عشنا أمس ذكرى استشهاد حفيد سبط الرسول ( صلّى اللّه عليه و آله ) الإمام زيد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم و على الأنبياء و الرسل أزكى السلام و أتم التسليم ) ،
عدنا دون حياة ؛ فمصاب رسول اللّه عظيم ، و جرحه مفتوح إلى يومنا هذا ، و لازال من يناصبه العداء و يريدنا أن نغض الطرف عن مظلومية آل بيته لتنطفئ فينا أرواحهم ،
نعم : يريد أعداء اللّه أن نبكم عن سيرة و مظلومية آل البيت ليتسنى لهم أن يسحقونا في بلد أنصار الرسول ، بلد الإيمان و قد قصقصوا جذورنا العالمية عالمية رسالة محمّد رسول اللّه ، يريدون أن يبتروا التاريخ و يغيّبوه عنّا ليشوهوا الحاضر .. ليتحكموا فينا مستقبلا ..
لكننا لازلناعلى العهد مع رسول اللّه بأنهم لو وضعوا الشمس في أيماننا و القمر في أيسارنا ما تركنا عقيدتنا و وطننا مرتعا للمستكبرين المعتدين علينا في سبع سنوات أحرقوا فيها الأرض ، و هتكوا العرض ، و أسالوا الدم ، و افقروا الشّعب ، و نهبوا معايشنا ، و امتصوا نفطنا ، و عبثوا، و حاصروا جونا و برنا و بحرنا ،
لكننا سنواجههم و بعقيدة محمّد و آل محمّد ؛ فهيهات منا الذلة عقيدة الحسين و دمه الثائر و السائر فينا ،
نعم : و سنقاتلهم بعقيدة إمامنا و قائدنا زيد بن علي قائلين : ” و الله ما يدعنا كتاب اللّه أن نسكت ” ، و لن نسكت حتّى تتحرر الأرض من دنس هذا العدوان الكافر الأموي الغاشم ، و سنعود أحرارا نفرد أجنحتنا للسّلام إن جنحوا ، و السّلام .
أشواق مهدي دومان
Discussion about this post