انتصار امريكا في أفغانستان.. القول شامخ والفعل ركام
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد عشرين عاما من احتلال هذا البلد، أثار حفيظة الرأي العام، هل كان هذا الانسحاب على أساس انتصار الأمريكيين وتحقيق أهدافهم، أم الفشل في تحقيق هذه الأهداف؟
للإجابة على هذا السؤال لابد لنا من المرور على الأهداف التي تدّعيها أمريكا والمكاسب التي حقّقتها في أفغانستان:
-محاربة طالبان وتدميرها: بعد عشرين عاما من غزوها العسكري لأفغانستان، لم تفشل أمريكا في القضاء على حركة طالبان فحسب، بل عزّزت مكانة الحركة بالتفاوض والاعتراف الرسمي بها، وهي تقترح عليهم الآن حصة 50٪ من الحكومة.
-مكافحة الإرهاب: لم يُهزم الأمريكيون في حربهم المزعومة ضد الإرهاب فحسب، بل عبّدوا الطريق أيضًا لظهور تنظيمات إرهابية في بقاع أخرى من العالم، كما أقرّ ترامب بهذا رسميا، أن داعش من صنع أوباما.
– مكافحة المخدرات: ارتفع إنتاج المخدرات من 200 طن سنويا إلى 9000 طن خلال الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
– الرفاه الاقتصادي في أفغانستان: أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) حول التنمية البشرية في أفغانستان أن الدولة في عام 2019 التي يبلغ مؤشر التنمية البشرية فيها 0.511 هي في أدنى مستوى من التنمية البشرية بين دول العالم.
-كما فاقمت أمريكا الاوضاع على الافغان من خلال فرضها عقوبات على الصين وروسيا والجمهورية الاسلامية الإيرانية، وحرمتهم من الاستفادة من قدرات دول المنطقة وزادوا من حدّة الأزمة الاقتصادية في هذا البلد.
-النهب الامريكي للمساعدات: أنفقت أمريكا مليارات الدولارات من المساعدات التي جُمعت في المؤتمرات الدولية لأفغانستان تحت ذريعة “الإنفاق الأمني”.
– الاحتلال الثقافي: إن إقامة الشعائر الدينية في أفغانستان، بما في ذلك مراسم عزاء الائمة (ع) والمشاركة الفعالة للشباب الأفغاني في جيش الفاطميون للدفاع عن المراقد المقدسة في سوريا، يُظهر فشل الأمريكيين في مأسسة الثقافة الغربية في هذا البلد.
– حل أزمة اللاجئين: تقارير الأمم المتحدة ترفض مزاعم الولايات المتحدة حول حلّ أزمة اللاجئين في أفغانستان؛ حيث اضطر في عام 2020 وحده، حوالي 380 ألف أفغاني إلى النزوح من ديارهم.
– قوام الدولة والجيش المتطوّر: في المجال العسكري، لم يقم الأمريكيون عملياً بأي خطوات لتعزيز قدرات الجيش الأفغاني، حيث أصبح الجيش الأفغاني اليوم عاجزاً عن مواجهة ومقاومة طالبان.
– في مجال بناء البلد وتطويره: لم تحقق أفغانستان هيكلًا مستقرًا وشاملًا، فيما يستمر الصراع حول تشكيل الهيكل السياسي للبلاد.
بالنظر إلى ما سبق، يمكن القول إن انسحاب الأمريكيين من أفغانستان جاء بسبب سلسلة الاخفاقات التي تعرّضوا لها على مدى 20 عاما من احتلال هذا البلد، لكن هناك عدة عوامل مهمة أخرى يجب أن نستذكرها لتوضيح حقيقة ما تمخّض عن هذا الاحتلال:
ألف- صحوة الشعب الأفغاني: لقد أدرك الشعب الأفغاني أن وجود القوات الأجنبية ليس إنجازًا لبلاده، وأن السبب الأساسي للأزمة في بلادهم هو المحتلون، لذا فهم يعتبرون طرد امريكا من أراضيهم خطوة جيدة نحو إعادة الاستقرار والأمن والمستديمين، والدليل على هذا الكلام هو تنظيم مظاهرات مناهضة لأمريكا في جميع أنحاء أفغانستان.
ب- الصحوة العالمية: لم يعد العالم يرى أمريكا كمنقذ إنما كمجرم صانع للأزمات، وليس حلًا للمشكلات، إن الكشف عن العنصرية التي تطغى على البنية الأمريكية والطبيعة الوهمية للديمقراطية الأمريكية والمصير الحتمي للدول التي تدخلت فيها الولايات المتحدة عسكريًا، والعواقب الإنسانية لإرهابها الاقتصادي والعلمي في العالم، قد زاد من حدّة الغضب العالمي ضد امريكا.
ج- أداء جبهة المقاومة: يعتبر أداء وإنجازات جبهة المقاومة في المعركة الحقيقية ضد الإرهاب والأمن الإقليمي والعالمي، خلاف دور الولايات المتحدة في خلق الإرهاب ونشره، عاملاً مهماً في الصحوة العالمية في الاعتراف بالطبيعة الإجرامية للولايات المتحدة.
على الرغم من إنفاق أمريكا 2.2 تريليون دولار في أفغانستان ومقتل 2442جنديا لها وإصابة أكثر من 26600 آخرين، لم تفشل في تحقيق أهدافها من هذا الغزو فحسب، وإنما تغادر البلاد وهي تجرّ خلفها ذيل الهزيمة.
هذا الانسحاب يذكرّنا بهزيمة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، ويؤكد لنا أنه لن يكون أمامها في المستقبل القريب من خيار سوى تكرار هذا الانسحاب في العراق وبقاع أخرى احتلتها من العالم.
Discussion about this post