http://t.me/Shaghafalhuroof
مدينة باكية.
في الوقت الذي كانت تجتاحني فيه لواعج البكاء وذلك في سنٍّ لست أذكرها، ووقتٍ للتو اكتشفتُ بأنه الربيع حيث وشوشتني زنبقة؛ كانت تشبهني أمي بها؛ حينما كانت تزهر على وجنتي ملامحها قائلة لي: أنني حينما كنتُ أبكي، تزهر على وجنتاي ألوانٌ وأنواع من الزنابق، تماما كما يهطل المطر في مدينتا الخضراء
“مدينة إب”، ويؤذن لِربيعها بالقدوم من جديد.
هأنذا لم أعد أبكِ كما كُنت في الأمس؛ لكن أصبحتُ أشعر بالوهن إزاء ذلك؛ فالضعفاء وحدهم لا يملكون الجرأة لحلحلة مغاليق دموعهم، وللسخط على كل مالا يبغون، ولسوء حظي كُنت في مقدمتهم.
اليوم؛ أجدني أطوف حول المدينة، أجوب أروقتها، وأنظر لملامحها، أتسكع في دهاليزها المهجورة، وأبحث عن الأسباب التي جعلت من فقيرها سعيدا، وغنيها بائسا، أفتش عن ماهية العوامل التي جعلت من الباعة الصغار رجالا، ومن الكبار صغارا في عين الحياة ووجه المسؤولية.
تراهم أطفال في عمر الزهور، لكن ضنك العيش وضيق الحياة وأدت طفولتهم، وجعلتهم أطفال شيوخ، فتلك باعت حلمها تحت وطأة الفقر، ولأجل أن تتشبث برمقها الأخير، وثتبت للوجود أنها ستعيش؛ بدأت بالصراخ من على صخرة المعاناة
“من يشتري مني مناديل؟! لرُبما كنتِ أحق بالمناديل ياصغيرتي لتمسحي جرحا لازال راعفا، ودمعا يكابد النزول، ولتمسحي أحداث حياة مليئة بما لايسر صديقا، ولا يفرح عدوا.
وذاك مثلها فعل؛ ركل برجله أسمى طموحاته إلى محيط التأوه، وغدا يعمل مع الباعة المتجولين، بثوب يعب عبابه بالرتقات والثقوب، بحذاء ممزق من كل الجوانب، والأمرُ من ذلك، بقلب خاوٍ من الحياة، ومعدة فارغة لاتصلحُ إلا للقيء، وروحٌ يائسة لايحتضنها إلا للموت.
ولاغرابة إن رأيته يمارس أعمال شاقة فاقت كل قدراته، وأثقلت كاهله؛ باختصار “هؤلاء الأطفال تحملوا مسؤولية تخلى عنها الكبار، أو لرُبما أُجبروا الكبار على الرحيل من الدنيا سريعا، وضاعت جل أحلامهم الثكلى؛ وبضياعها ضاعت هوية الأطفال” .
وفجأة تسللت غيمةٌ حبلى لأجواء مدينتي وأفرغت ماءها؛ اضطرب الناس، وهرعوا للمركبات يلملمون بضائعهم وأشيائهم صعدتُ أنا وأمي الحافلة وجلستُ كعادتي قرب النافذة، منشغلة البال بأناسها البسطاء، ونسائها الجميلات، وأطفالها المشردين، ورجالها الكادحين، وشوارعها المكتضة، ومحلاتها الصاخبة وبعض محطاتٍ معها عالقة في تلابيب ذاكرتي.
سألت نفسي؟
الآن مدينة إب تبكي، وددتُ حينها أن أسال أمي” هل فعلا كانت دموعي أشبه بهذه الأنواءالغزيرة؟! إن كان نعم. إذن ..أين الزنابق؟!.
#رويدا_البعداني.
٢٩/نيسان/٢٠٢١م
Discussion about this post