(( تصحيح مفهوم رحمة الله ودخول الجنة ))
انتشرت ثقافة سليمة الطرح خاطئة الفهم بأنه لن يدخل الجنة احد الا برحمة الله وليس بأعمالنا لذا جعلت الكثير يتخاذل ويتكاسل عن اعمال الخير الكبرى من منطلق انه مهما عملنا فمازلنا مقصرين ورحمة الله قد تعمنا وندخل الجنة وقد تتجاوزنا وندخل النار وللأسف هذه رؤية وتحليل خاطئ جملة وتفصيلا
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
طالما يسعى المقصرون والمهملون في مسئولياتهم في الحياة الدنيا للهروب عن مواجهة حقيقة تقصيرهم ووضعهم المتخاذل السيء بقولهم (لن يدخل الجنة أحد الا برحمة الله وليس بأعمالنا ) من منظوره الخاص انه حتى لو قمنا بهذه الاعمال التي يريدها الله كالجهاد والإنفاق ومعاداة اعداء الله وموالاة اولياءه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعتصام بحبل الله وغيرها فهذه الأعمال حتى لو قمنا بها فلن تؤهلنا لندخل الجنة ما لم يرحمنا الله ثم يتلاشون بعدها في غيهم ونقصيرهم وتخاذلهم وضلالهم بتلذذ وهكذا يزين لهم الشيطان وتزين لهم نفسياتهم المهترأة وقلوبهم المريضة أعمالهم فيصدون انفسهم ويصدون الغير عن سبيل الله من خلال الركون الى هذه النظرية ، ولأن الطرح سليم تماما الا ان استيعابه وفهمه ثم عكسه في اطار التطبيق خاطئ جملة وتفصيلا والسبب ناتج عن عدم فهمهم السليم لمعنى (رحمة الله) التي وسعت كل شيء ونحن بدورنا معنيون لتوضيح هذه الجزئية الهامة جدا لعلهم يتذكرون او يخشون.
نعم اكيد فرحمة الله وسعت كل شيء ولم يخلقنا لكي يعذبنا او ليغضب علينا او ليتمتع ونحن في نار جهنم معذبون فحاشاه تعالى عما قد يظن الكثيرون علوا كبيرا ، ولكن رحمة الله تجلت في أمور كثيرة في الدنيا لكي نستحق جنته في الاخرة وننجو من غضبه وسخطه وعذابه في الاخرة لذا فقد وسعت رحمته كل شيء في الدنيا (ورحمتي وسعت كل شيء) فمن رحمته سبحانه وتعالى ارسال الرسل ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَـمِينَ ) فالرسل والانبياء واعلام الهدى هم رحمة للناس ليعلمهم كيف يتحركون في الدنيا ليشملهم رحمة الله وأيضا من رحمة الله انزال المنهجية العظيمة من الكتب السماوية للبشرية (التوراة – الانجيل – القرآن ) وغيرها ( ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) وقال ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) وجعل أول سور القرآن والتي نقرأها يوميا عشرات المرات تبدأ بالرحمة حيث تكرر (الرحمن الرحيم) مرتان فيها وربط الله الرحمة بعبادة الله (اياك نعبد واياك نستعين) وبصراطه المستقيم الذي خطه لنا وحدده لنا في حياتنا ووضحه لنا انبياءه ورسله واعلام الهدى وفصله الله تفصيلا في القرآن الكريم ، ايضا من رحمة الله بنا التي وسعت كل شيء ان جعل قلوب وتعامل القيادات العظيمة لنا (انبياء – مرسلين – أعلام هدى ) رحيمة بالناس ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ ) لكي تنجذب نفوس الناس اليهم ويتحركون بما يريده الله رحمة بهم ، ايضا من رحمة الله بالناس انه يتوب عنهم وعن زلاتهم واخطائهم في الحياة الدنيا (وليس في الاخرة) لمن يعمل سوء ثم يتوب ويرجع الى الله ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فلا يعذبنا مباشرة عندما نقترف السيئات ، ومن رحمة الله ايضا انه حرم الإفساد في الأرض والتي تجر الناس للشقاء والعذاب والعناء ( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْـمُحْسِنِينَ) .
لم تنحصر رحمة الله في هدايتنا ووسائله واساليبه في ذلك بل هي واسعة وشاملة لكل شيء كالرزق والامن وغيرهما ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْـمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْـمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وقد تكون رحمة الله على شكل عناء وآلام غير انها لتعيدنا الى الله والى الصراط المستقيم من منطلق ان عناء قليل (جسديا وزمنيا) ينجينا من العناء الأبدي في الاخرة ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يرجعون الى الله ، حتى وصلت رحمة الله الى تلك اللبنة التي تؤسس الاسرة (الزواج) بين الرجل والمراة ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) واذا حصل انعدام للرحمة في اي اسرة فالسبب من الأزواج وليس من الله وعليهم مراجعة انفسهم ، والحديث يطول ويطول في توصيف رحمة الله الرحمن الرحيم في القرآن والتي وسعت كل شيء حتى تلك الوحوش والحيوانات المفترسة الضارية وهنا في الحياة الدنيا علينا ان نتحدث عن رحمة الله التي وسعتنا لنحيا حياة طيبة في الدنيا اما رحمته في الاخرة فقد وضحها الله ووصفها ايضا في القران الكريم ايضا رحمة بنا .
رحمة الله في الاخرة لا ينالها الا اولئك الذين يستحقونها والذين سعوا في الحياة الدنيا لتشملهم وليس للجميع على الاطلاق وذلك من خلال اعمالنا التي امرنا بها الله في الدنيا كنتيجة طبيعية فالدنيا تزرع والاخرة تحصد وليس هناك اي مجال لتزرع في الاخرة وتسعى لتبحث عن رحمة الله فمن لم يسعى في الدنيا فلا يفكر ابدا ان يفكر في الاخرة وهذا ما وضحه الله في القران حيث ياتي اول الشاملين في رحمة الله هم المجاهدون الامرون بالمعرون الناهون عن المنكر الصابرون في الباساء والضراء ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ(157) اما غيرهم فلن يكون عليهم صلوات من ربهم ولا رحمة لانهم لم يكونوا من المهتدين كما وضح الله ذلك بقوله ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) والذين اسودت وجوههم بعد ان سودوا وجه الحياة الدنيا بتخاذلهم فهم بعيدون كل البعد عن رحمة الله كما كما وصف الله المنافقين ايضا يوم القيامة ( يَوْمَ يَقُولُ الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) فالرحمة من جهة المؤمنين الذين لم يرتابوا ولم يتربصوا ولم تغرهم الحياة الدنيا ولم يثبطوا ولم يتعلقوا بالباطل كما جاءت الاية التالية لهذه بقوله ( يُنَادُونَهُمْ أَلَـمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ) ، فالقانت اناء الليل واطراف النهار يتحرك كما يريد الله هم من يحصدون رحمة الله ( أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَـمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) حتى ان الملائكة لا يمكن ان يدعوا الله ان يشمل برحمته الظالمين وانما للمؤمنين فقط ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْـمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) الذين اتبعوا سبيلك وليس سبيل شياطين الانس والجن من منطلق معرفة الملائكة بعذاب الله الشديد وهكذا يصف الله رحمته وعذابه.
كما ان رحمة الله وسعت كل شيء فان نتيجة عدم التحرك والاستفادة منها سيجعله ينزلق الى سخط الله فالامر ليس جهازا لا يعقل ولا يميز بين هذا وذلك (َ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) فقط وفقط للذين يتقون ويعملون الصالحات ويؤمنون بكل ايات الله وليس ايمانا ببعض وكفر ببعض كما يعمل الكثير للاسف .
للأسف الشديد الكثير يتحدث بسلبية عن رحمة الله العظيم الواسع فيربط دخول الجنة بها ولا يربطون دخول النار بسوء العمل في الحياة الدنيا فلا نسمعهم يقولون (لا يدخل احد النار الا بسخط الله) ثم يتناقشون في كيفية تجنب السخط كما يلزمهم الحديث في كيفية استجلاب رحمة الله ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فمن ينبأ الجميع برحمة الله عليه ايضا ان ينبأهم بالآية التالية لهذه ( وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) كي يشمروا السواعد لاستجلاب هذه الرحمة وتجنب هذا الغضب الشديد فالامر كاملا منوطا بنا نحن وليس بغيرنا فهل من مدكر ، وفي نهاية الأمر اقول لكل متخاذل متهرب من المسئولية غاور رأسه في التراب مثل النعامة ان رحمة الله قريبه من الجميع فقط عليهم السعي اليها ولا ينتظرونها بسلبية وان يستجيبوا دعوة الله لهم برحمة ورافة بقوله ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) من خلال ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِـمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) و ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) قبل ان تصلوا الى هذه المرحلة ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَـمِنَ السَّاخِرِينَ) والله المستعان على ما تصفون .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post