(( أنا ربكم الأعلى ))
في ضوء التدخلات الأمريكية في اليمن
عندما صدع فرعون بعبارة (أنا ربكم الأعلى) كان واثقا كل الثقة انه لن يجد أي معارضة أو ممانعة من ملايين البشر الذين كان يحكمهم في أمبراطوريته ، فالكل بلا استثناء آمن بهذه النفسية وهذه الحالة وهذه الأجواء حتى بني اسرائيل الذين كانوا يعيشون في حكمه فقد كان الأستضعاف والأستعباد الممارس عليهم كان قد قمعهم فلم يستطيعوا للإنكار سبيلا فأنصهر الكثير فيما ذاب فيه الأقباط.
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
لا يخلو زمان ولا مكان من تواجد فرعون او فراعنه عبر التاريخ وحاضرنا ومستقبلا حتى فثباتية وجودهم وظهورهم بثباتية القرآن الكريم حتى لو كان الباطل فيه ضعيفا فهناك من يحمل نفسية فرعون حتى لو لم يكن مسئولا الا على أهل بيته (كما تحدث في ذلك الشهيد القائد السيد حسين الحوثي) فلو قدر له ان يكون مسئولا على فئة اكبر فسيكون متفرعنا عليهم وقس على ذلك ، ولعل في عصرنا الحالي يوجد فراعنة كثر وعلى هؤلاء الفراعنة يأتي الفرعون الأكبر المسمى (أمريكا) والذي استطاع بترهيبه وترغيبه الشيطاني ان يحشد الأغلبية حوله يخشونه أشد من خشية الله بل وصل الأمر الى أن يتناسوا وجود الله ولا يذكرونه الا عندما يؤدون الطقوس الدينية الإعتيادية الروتينية (الصلاة الصيام الحج) .
نعم ، فقد وصل التدخل الامريكي في اليمن الى كل مفاصل وتفاصيل الحياة اليمنية بجميع جوانبها السياسية والعسكرية والتعليمية والتربوية والأقتصادية والدينية والفكرية وغيرها فمنهم من يجذبه بترغيبه ومنهم بترهيبه ومنهم بتضليله والكل مجمعون على أن أمريكا لا شريك لها في القرار وبأنها مالكه الملك تؤتيه من تشاء وتنزعه ممن تشاء ، وترى أن العزة والذلة بيدها ايضا فتسعى لتتقرب منها لتبتغي العزة منها والرفعة والرقي وبطبيعة الحال هذا لن يتأتى الا بإظهار هذه القوى وهؤلاء والأفراد التذلل والخنوع والخضوع لها ، وهكذا ألهوها بجميع أحزابهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية والمذهبية ووصل التجلي ذلك في عدوان امريكا على اليمن في ال26مارس2015م حيث تزعمت السعودية هذا التحرك فوجدنا الليبراليين واليساريين والإخوانيين والأشتراكيين والناصريين وكل من عادتهم وعادوا السعودية خلال عقود من الزمن ينضمون الى هذه القيادة ورحلوا اليها ووالوها ورفعوا شعارات الشكر لقيادة التحالف السعودي رغم ما كان بينهم الى ما قبل لحظة العدوان .
بطبيعة الحال فقد تسابقت هذه التوجهات السياسية الى الانخراط في التحالف الذي يشرف عليه الأمريكي لعلم هؤلاء بل لثقتهم المطلقة بأمريكا وبقوتها وبقدرتها على تغيير كل الموازيين والاقدار في الأرض وهذه ثقة تعكس مدى الإيمان بمن يحملها بأمريكا وهذا الايمان يصل الى درجة التأليه كونها مشاعر يريدها الله سبحانه وتعالى من العباد في حالة الأرتباط الوثيق به ، لذا لجأ الناصري والاشتراكي بجانب الإصلاحي وجزء كبير من المؤتمري الذين لا يجمعهم شيئا بالسعودي الا كل العداء للانخراط تحت رايتهم لانهم يدركون ان المستقبل سيكون ما ستقرره امريكا فسعيهم هذا ليحجزوا لهم مقعدا في السلطة الحاكمة اليمنية القادمة بعد ان يتخلصوا من أنصار الله ( حسب ايمانهم وثقتهم المسبقة بالنتائج) وهذه من أهم الاسباب التي جعلت هؤلاء جميعا ينصهرون في بوتقة واحدة ضد اليمن ارضا وانسانا .
من الادلة الدامغة على إيمان هؤلاء بالأمريكي بانه على كل شيء قدير وبأن بيده الملك والعزة والقرار وتغيير الأقدار أنهم مازالوا حتى اليوم وبعد 6 اعوام من العدوان على اليمن يبررون الفشل في حسم المعركة ب(أن أمريكا لا يريد حسمها ولو أراد ذلك سيحسمها في ساعات معدودة) وينظرون الى تطور القدرات العسكرية اليمنية الى (أن امريكا هي من تساندهم وتساهم في ذلك وترضى عنهم ولو كانت غير راضية لما تم تصنيع شيئا) فوصفوا تحرير نهم والجوف من قبل بأن امريكا ارادت ذلك ، ويرون الان قرب تحرير مأرب بأن امريكا هي من قررت ذلك ، وحتى عندما يحصل لهم انتصارا هنا او هناك ايضا يقولون (نشكر الدعم والإرادة الامريكية التي نتمنى ان تتوسع هذه الارادة ليشمل اسقاط بقية محافظات اليمن) وهكذا مما تعكس مشاعرهم التي استطاعت امريكا ان تربيهم تربية فرعونية جعلتهم يرددون بعدها ما تقوله (أنا ربكم الاعلى) فيقولون(ما علمنا لنا من إله غيرك) وان كانت بألفاظ وكلمات مختلفة ك(ما علمنا من نصير غيرك ) و (ما علمنا من قوي غير امريكا) و (ما علمنا من رازق و و و غير امريكا) وتحركهم في هذا الأطار هو اكبر تأليه لأمريكا اشد من القول لفظا بذلك .
عدم ثقتهم بالله يجدون في نصر الله الذي يؤيد به عباده المستضعفين من اليمنيين ضربا من الاستحالة حتى وان كانوا يغنون بآيات القران التي فيها وعد الله للمؤمنين بالنصر بأجمل الأصوات ليل نهار ، ويجدون في اعداد اليمنيين بالاسلحة الحديثة والطيران الميسر والصواريخ البالستية انها ليست تأييدت وتوفيقا من الله بل هي امريكا وليس سواها فيزدادون ارتباطا بها وترجيا لها بوقف كل ذلك ومساندتهم اكثر في وقت ان امريكا نفسها تدرك ضعفها وهشاشتها وانها أضعف من ان تفعل او تمنع ذلك غير انها ترحب دايما بمن يؤلهها ويؤمن بها كل الإيمان فتستمر في الأستخفاف بهم ليستمروا في طاعتها (فأستخف قومه فأطاعوه) وهذا يعكس مدى فسقهم في العقل والقلب والفكر والعمل والنتائج (انهم كانوا قوما فاسقين).
لم يكن هذا كله ليحصل في ارض وصفها الله بأرض الايمان ومنبع الحكمة لولا تلك العقود من الزمان من عمليات التضليل والتلاعب والتعليب العقلي والفكري الذي مارسته امريكا في اليمن عبر أدواتها الذين كانو يحكمون اليمن حيث ذللوا لها المنابر والمساجد والمدارس والجامعات والإذاعة والتلفزيون وكل شيء ليعظموا امريكا في نفوسنا ويعدموا الله في نفوسنا ، فسقط في ذلك من سقط ونجى من ذلك من نجى بمسيرة ورؤية وتحرك الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي الذين كنا على شفا حفرة من النار لولا أن الله انقذنا منها بهذا الرجل العظيم لنعيش اليوم في مواجهة كبرى بين الحق كاملا متمثلا في انصار الله والباطل كاملا متمثلا في الفرعون الاكبر وعبيده والنصر الغلبة كما وضح الله ووعد به لعباده المستضعفين وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) سورة القصص.
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post