بسم الله الرحمن الرحيم
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
انطلاقاً من عاصمة المقاومة بيروت، ومنها إلى العالم كله افتراضياً وفضائياً، وفي الذكرى الثالثة والثلاثين لانتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى، وتحت شعار “انتفاضة الأمة في مواجهة مؤامرات التطبيع ومشاريع التصفية”، عقد الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، مؤتمره السادس ضمن سلسلة مؤتمرات “الوعد الحق”.
لقد تسلح الفلسطينيون في انتفاضتهم الأولى بسلاح الحجارة، تلك الحجارة التي باركها الله سبحانه فكانت على العدو الصهيوني حجارة من سجّيل، نالت منه وقتلت، وأضرت به وأحرجت، وحيدت سلاحه وأرغمت. في انتفاضة الحجارة المباركة، أثبت الفلسطينيون أنهم لا يترددون عن مواجهة عدوهم والتصدي له مهما كانت الظروف والتحديات، وأياً كانت الصعوبات والعقبات. كما ترسخ لدى الجميع أن مقاومة العدو هي فقط ستغيّر الواقع، وتحشد الجهود، وتوحد الصفوف تجاه تحرير فلسطين، كل فلسطين.
وإنّ الأحدث والمواقف لتتشابه بين البارحة واليوم، فعام 1988م اجتمع قادة الدول العربية في قمتهم في عمان، فهمشوا القضية الفلسطينية، وأعرضوا عنها وتخلوا، واليوم تهرول الأنظمة ذاتها للاعتراف بالعدو الصهيوني، والتطبيع معه، متخلية عن فلسطين وشعب فلسطين، بل وتتآمر عليه، وعلى مقاومته. إلا أن الشعب الفلسطيني، ومعه أحرار الأمة العربية والإسلامية، يقفون بكل عنادٍ وإصرارٍ، وكبرياءٍ ويقين في مواجهة هذا العدو اللئيم وحلفائه أصحاب الهرولة المذلة، والانبطاح المخزي.
وفي ظل هذا الواقع الصعب، والتحديات الكبرى، خلُص السادة العلماء في هذا المؤتمر المبارك إلى المواقف التالية:
التأكيد على دور العلماء المخلصين وأعلامها المفكرين المقاومين، على النهوض بالأمة وتنويرها، والتصدي لكافة محاولات التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني، فهذه مسؤوليتهم، وهو تكليفٌ رباني وفرضٌ ديني مقدس، سيسألهم الله تعالى عنه يوم القيامة، ويحاسبهم عليه إن قصروا.
القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، فلا قضية تسبقها أو تطغى عليها، حتى يتحقق وعد الله لنا بالنصر والتحرير.
العدو الصهيوني “الأمريكي الإسرائيلي” هو عدو الأمة العربية والإسلامية، فلا اعتراف به ولا تطبيع معه، ولا سلام يجمعنا به، ولا وجود له في منطقتنا العربية والإسلامية، فهو غدةٌ سرطانية يجب أن تزول.
يدين السادة العلماء كافة محاولات التطبيع العربية مع العدو الصهيوني، ويرون أن التطبيع خيانةٌ وتفريطٌ بحقوق الأمة وثوابتها، وهو ردةٌ لا تقبل بها الشعوب ولا توافق عليها، ويجب على هذه الأنظمة التي طبعت واعترفت أن تتراجع عن جريمتها، وتتوب عن فعلتها، وتعود إلى خيارات وثوابت الأمة الأصيلة، فالتطبيع لا يعود على المؤمنين به والمتورطين فيه إلا بالذل والهوان والخزي والعار في الدنيا، وبسوء المصير والحسرة والندامة في الآخرة.
يدعو السادة العلماء فصائل الثورة الفلسطينية وقواها المقاومة إلى الوحدة والتكاتف، ونبذ الخلافات وتجاوز المشاكل الداخلية، والتصدي صفاً واحداً لمواجهة العدو الصهيوني، فالوحدة الوطنية هي سبيل النصر وطريق التحرير.
ويحذر السادة العلماء من مخاطرِ الاجراءات الصهيونية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية الهادفة إلى تهويد القدس ومصادرة أراضيها لحساب المستوطنات، ومخاطرِ اقتحام المسجد الأقصى ومحاولات تقسيمه مكانياً وزمانياً، والسيطرة عليه تدريجياً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
يدعو السادة العلماء الأمة العربية والإسلامية إلى دعم المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها، وخاصةً المقاومة المسلحة، إذ هي السبيل الأنجع لقهر العدو وإرغامه، وهي التي تضع حداً لعدوانه المستمر، مع عدم إهمال مختلف أشكال المقاومة الأخرى؛ السياسية والإعلامية والفنية والقانونية والقضائية وغيرها، ويستنكر العلماء تسمية المقاومة إرهاباً من قبل بعض الدول العربية والأجنبية.
ينبذ السادة العلماء كل أشكال الحوار والمفاوضات السرية والعلنية مع العدو الصهيوني، فهو يتطلع من خلالها إلى تشريع نفسه، وتمكين كيانه، وتطبيع علاقاته مع الدول العربية، وتثبيت وجوده في المنطقة كدولةٍ شرعيةٍ طبيعية، ولهذا فإنهم يدعون السلطة الفلسطينية إلى التراجع عن جريمة التنسيق الأمني التي تضر بالشعب الفلسطيني وتشوه قضيته.
يشيد العلماء بالدول الممانِعة الرافضة لاتفاقيات التطبيع، والداعمة لمقاومة الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من الاحتلال، لا سيما اليمن العزيز الذي رغم الحرب الظالمة والجائرة عليه، فقد عبر عن موقفه السياسي والشعبي الداعم للحق الفلسطيني، وكذا شعوب البحرين ومصر والعراق وسوريا.
يدين السادة العلماء كافة أشكال الحصار العربي ضد الشعب الفلسطيني، ويدعون هذه الأنظمة إلى التخفيف من معاناة الفلسطينيين، وفتح المعابر الموصدة أمامهم، وتمكينهم من العيش الكريم والتنقل الآمن، وإلا فإنهم شركاء مع العدو الصهيوني في حصار الشعب الفلسطيني والعدوان الغاشم عليه.
يشيد السادة العلماء بقدرات الشعب الفلسطيني، ويقدرون تضحياته وعطاءاته، ويحذرونه من مغبة الإنجرار وراء الوعود الأمريكية والعربية الكاذبة، وينبهوا المقاومة الفلسطينية بألا تنخدع بالمتخاذلين المتساقطين، والمطبّعين الخائنين، فهؤلاء لن يطول بقاؤهم، ولن يدوم زمانهم، وسيلعنهم الشعب وينساهم التاريخ.
يؤكد السادة العلماء على الفتاوى الدينية القديمة والجديدة التي تنص على حرمة التعامل مع الكيان الصهيوني، وحرمة التطبيع معه، على أساس أن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز بيعها أو التنازل عنها، كما لا يجوز السكوت على احتلالها والقبول بضياعها، ويؤكدون على دور المؤسسات والمراجع الدينية على تحصين فتاوى تحريم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني باعتبار انه كيان محتل غاصب قاتل.
يؤكد العلماء المجتمعون أن الكيان الصهيوني هو سبب عدم الاستقرار في المنطقة، وهو عامل الاضطراب وفقدان الأمن فيها، وهو أساس كل فتنةٍ وأزمةٍ، وفي هذا المقام يُدينون الجريمة النكراء التي قام بها العدو الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، باستهداف واغتيال أحد أبرز علمائها المقاومين الأجلاء، ويحمّلون الولايات المتحدة الأمريكية كامل المسؤولية عن هذه الجريمة، فهي التي تغطي الكيان الصهيوني وتدافع عنه، وهي التي سمحت له بهذا العدوان وساعدته، وقد سبق للعدو الصهيوني أن اغتال كبار العلماء في مصر والعراق وسوريا وغيرها.
يوجه السادة العلماء التحية والتقدير إلى كل المقاومين ضد العدو الصهيوني، ويخصون بالتحية؛ الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو، الذين يثبتون كل يوم أنهم الأقوى والأكثر ثباتاً وإصراراً على الحق وعناداً فيه، ويتقدمون بالتهنئة الخاصة إلى الأسير المحرر ماهر الأخرس، الذي هزم بأمعائه الخاوية العدو الصهيوني، وصبر على الجوع والمرض والمعاناة والألم حتى انتصر عليهم وخرج من سجونهم عزيزاً حراً أبياً كريماً. كما نوجه التحية الى روح الطفل الشهيد علي ابو عليا والى جميع الشهداء وذوييهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بيروت 9\12\2020م
Discussion about this post