*د. حسن أحمد حسن* / *سوريا*
*يتحدث*
استضافتي على شاشة الفضائية السورية مع الأستاذ علي بدوان ضمن حوار سياسي شامل تناول موضوع الذكرى 103 لوعد بلفور، وقضية الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس، وتطور الأحداث وتداعياتها، وقد أدارت الحوار الإعلامية ميس مخلوف، حيث تناولتُ في حديثي العديد من الأفكار ومنها:
ــ أي وعد من قوة مستعمرة لن يفضي إلا لمصلحة هذه القوة، فما الذي يمكن أن يتوقعه أي عاقل من قوة استعمارية؟ من صاغ وعد بلفور صاغه ليكون منسجماً مع مصالح الجهات التي تفكر بالهيمنة على هذه المنطقة، وهنا أود التوقف عند أكثر من نقطة مهمة، ومنها:
• النقطة الأولى تتعلق بأنه لا يمكن الفصل بين الوعد واتفاقية سايكس بيكو، وهنا يجب أن نتذكر أن اتفاقية سايكس بيكو كانت عام 1916 أي قبل نهاية الحرب العالمية الأولى بعامين، وهذا يعني أن من وقع الاتفاقية متأكد من نتيجة الحرب بشكل مسبق. إذن هناك من كان يقود مفاصل صنع القرار، ويرسم الخرائط بما ينسجم والقوى التي تعتبر أن نتيجة الحرب العالمية الأولى واضحة ومحسومة بهذا الشكل المحدد مسبقاً، وهذه نقطة مهمة ويجب التوقف عندها.
• النقطة الثانية: وعد بلفور لا يمكن أن يصدر من فراغ، وعندما صدر كان 95% من سكان فلسطين من العرب، ومع ذلك صدر هذا القرار المشؤوم، فما الذي يمكن أن أتوقعه من عدوي؟ الأمر الطبيعي أن العدو سيصدر ما هو ضد مصلحتنا ويخدم مصالحه، وكل ما حدث ما كان له أن يحدث منذ ذلك الوقت وما قبله لولا وجود المنبطحين والتابعين والخانعين و.. و.. الخ ، وهناك بعض الوثائق التاريخية التي تؤكد بأن عاهل السعودية آنذاك أرسل رسالة إلى الرئيس الأمريكي بأنه يبارك ذاك الوعد، ولا يمانع من إعطاء فلسطين لمن أسماهم المساكين اليهود، ورسالة أخرى موجهة للسلطات البريطانية تتضمن أنه لن يخرج عن طاعة بريطانيا إلى أن تقوم الساعة، وبكل تأكيد هو صادق بوعده وعهده. لماذا؟ لأنه ليس صاحب قرار، والصورة ذاتها تتكرر لكن بأشكال مختلفة، الجوهر نفسه مع الحفاظ عليه، والتغيير في الشكل فقط.
• أنا لا أرى ثمة فارقاً على الإطلاق بين من يسعون للتطبيع اليوم.. بين من يرضون الذلة والمهانة لأبناء شعبنا الفلسطيني، وبين من كان جزءا من صدور وعد بلفور.. هذه هي معالم الصورة المتكاملة: سايكس بيكو ــ وعد بلفور ــ النكبة وما تلاها جميعها محطات في الصراع العربي الصهيوني، واليوم يريدون تغيير وجهة الصراع.
• هنا أود العودة إلى نقطة طرحتها المذيعة في المقدمة، فوعد بلفور ليس خاصاً بالقضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية ليست خاصة بالفلسطينيين على الإطلاق، بل هي قضية كل أبناء الأمة وليس الفلسطينيين فقط… والقضية الفلسطينية بالنسبة لسورية هي قضية العرب المركزية الأولى كانت وتستمر وستبقى كذلك.
ــ الخوض في تفاصيل القرار وما سبقه وتلاه أمر مهم، وتوضيح الصورة على حقيقتها للأجيال مطلوب، وهنا علينا أن نكون موضوعيين في تناول الأمر، فالعدو يسيطر على جانبين أساسيين، وهما وسائل الإعلام والمنابر العلمية، ومن خلال السيطرة عليهما يتم العمل على تشويه الحقائق، وفي الوقت ذاته على استغفال أبناء الأمة، يعني كما أنه في الحرب العالمية الأولى أعطيت الوعود للشريف حسين بأنه سيتم تنصيبه ملكا على بلاد العرب كلها في الوقت الذي كان يتم العمل فيه على صياغة وعد بلفور، وقد أرسل أحمد جمال باشا السفاح نسخة من الوعد للشريف حسين عندما كانت المعارك دائرة على أرض بلاد الشام، وعندها أرسل من يسأل المندوب البريطاني عن ذلك، فجاءه الجواب ليقنعه بنزاهة بريطانيا، وأنها ملتزمة بما وعدته به، لكن بعد ستة أسابيع أي في 9/12/1917 كانت قوات الجنرال اللنبي البريطاني تجوس في ديار بيت المقدس وقال كلمته الشهيرة: (الآن انتهت الحروب الصليبية، ولا عزاء للمغفلين).
ــ للأسف ما حدث منذ قرن ونيف يتم الآن تكراره، وأنا لا أرى ثمة فارقاً بين استغفال واستغباء الشريف حسين آنذاك وبين ما حصل من توقيع على اتفاقيات استسلام من اتفاقية كامب ديفد إلى وادي عربة إلى أوسلو إلى هذه الحمى من التطبيع!!!! “خير نشالله؟ شواللي صار؟؟؟.” أريد أن أفهم أحد أمرين: طالما أن هذا الطرف أو ذاك الذي كان يرفع مشعل الدفاع عن الأمة العربية طيلة عقود.. الآن يسارع زاحفاً وحبواً تحت راية العدو أو تحت ما يريده العدو الإسرائيلي، وهذا يعني أحد أمرين: إما أنك كنت في السابق تكذب، وبالتالي الآن تم تظهير ما كان يتم إخفاؤه وأصبح فوق الطاولة، وإما أنك الآن لست صاحب قرار، وكلا الأمرين صحيح، ففي السابق كان يكذب، وحالياً ليس صاحب قرار، لأن من نصب أولئك الحكام على كراسي عروشهم أعطوهم ميزة واحدة وهي الحفاظ على عروشهم وسلطتهم، مقابل ماذا؟. مقابل تنفيذ كل ما يريده المنصبون، وكل ما يتم طلبه ممن تم تنصيبهم، لذلك نجد الآن أن ترامب أصدر قراراً باعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني؟ طيب ما الفرق بين من أصدر وعد بلفور، حيث أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وبين قرار ترامب؟ فمن الذي قال لك يا ترامب أن القدس ملك من خلَّفك حتى تعترف أو لا تعترف بها عاصمة لكيان الاحتلال؟ وكذلك الأمر المتعلق بالجولان السوري المحتل..
الحق ما سن القوي بسيفه في حده التحليل والتحريم
طالما لا نمتلك من أسباب القوة والمنعة ــ مع أنها موجودة ــ ما يرغم أصحاب الرؤوس الحامية على القفز البهلواني في الهواء سيستمرون… والأمر الطبيعي أن يستمروا، إذا حكى ترامب كلمة، وحتى موظف درجة خامسة أو أقل في السفارات المتحكمة بقرار أولئك يتسارع الحكام ويتسابقون لتنفيذ المطلوب “خلونا ننفذ”.
ـ أمام هذا الواقع لابد من وقفة مسؤولة مع الذات لمعرفة وتحديد نقاط القوة والضعف، والعمل على تجذير نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف والعمل على تلافيها، ولا داعي للتعويل على الأنظمة على الإطلاق… نظام مرتبط بسيده، بولي نعمته، مع ولي لأمره، لكن لا يجوز على الإطلاق أن نفقد الثقة بقدرة الشعوب.. كيفية الوصول إلى تفعيل إرادة الشعوب، هذا ليس مجرد كلام تنظيري.. “يعني مو مجرد إذا إجا عبال حسن حسن أو الأستاذ علي يحكي بيحكي..” هذا كلام يتطلب عملاً ممنهجاً ومتابعاً ومسؤولاً ويحتاج إلى برنامج للإجابة على التساؤل: كيف يمكن المراهنة على إرادة الشعوب؟ وكيف يمكن العمل على استنهاض هذه الإرادة؟.
ـــ عندما سئل أحدهم ليش عم تعنتر عالناس؟ أجابهم: ماشفت مين يردني.. بكل تأكيد لو كان هناك من قوى حية ، من قوى فاعلة، من قوى يمكن البناء على ما تمتلكه من قدرات كان الوضع يختلف..لا أحد يحترم الضعيف، ولا أحد يقف مع الضعيف.. صديقك يقف معك عندما تكون قوياً، وليس العكس.
مرت بعض النقاط يجب مقاربتها، وضمن ذلك يكون الجواب على تساؤل المذيعة:
• نعم الوضع صعب ومعقد، والمنغصات كثيرة صحيح، لكن وضع المعسكر المعادي كذلك ليس مريحاً، فهو يعاني من نقاط ضعف بنيوية، ومن صعوبات وتعقيدات، وتآكل في عوامل القوة النوعية، فمعسكر الأعداء ليس مرتاحاً، ولا مرحرح .. نعم لديهم من يهرول للتنفيذ، لكن لننظر إلى الصورة بشكل بانورامي شامل: هل من مجال للمقارنة بين فاعلية دور الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وما كان عليه قبل عدة سنوات؟.. منذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وكل معطيات الواقع كانت تشير إلى أن أمريكا تعمل على تحويل القرن الحادي والعشرين بكليته ليكون قرناً أمريكياً صرفاً، من منع ذلك؟ من الذي منع قطار حرائق الربيع المزعوم من المرور؟.
• سؤال واحد لكل من يتابعنا: ماذا لو أن أعاصير “الربيع العربي” لا سمح الله اجتاحت سورية كما اجتاحت غيرها؟ هل كان للروسي أو للصيني أو لأي جهة أخرى أن تفكر بإمكانية ولادة قطب آخر؟ نحن الآن بفضل صمود محور المقاومة أمام مفصل جديد عنوانه نهاية الأحادية القطبية من دون الإعلان الرسمي عن ذلك، وتبلور عالم جديد لا استطيع أن أقول عنه ثنائي الأقطاب أو متعدد الأقطاب، وهنا يمكن العمل على تحويل التهديد إلى فرصة.
• بغض النظر عن الواقع المر والصعب والتهديدات، في مثل هذا الواقع يمكن العمل على تحويل الكثير من التهديدات إلى فرص، فحالياً حمى التطبيع تشكل تهديداً فعلياً، وفي الوقت نفسه هناك رفض شعبي للتطبيع.. إذن يجب التفكير والعمل في كيف يمكن أن نستثمر في هذا الرفض الشعبي، ونحول التطبيع من ورقة مع الكيان الصهيوني وأزلامه إلى ورقة مع قضايا الأمة، إلى ورقة تفرز هؤلاء وتظهرهم على حقيقتهم كأتباع وأدوات في المشروع الصهيوني، هذا ما يمكن العمل عليه، ونتائجه أكبر بكثير مما قد يخطر على الذهن.
• اليوم لدينا شخص واحد كما هو الأسير البطل ماهر الأخرس يحرك العالم لكن لا يحرك الإعلام عند هؤلاء، حتى السلطة الفلسطينية لم تحرك ساكناً، قد أكون مخطئاً لكن على حد علمي لم اسمع بأي إجراء رسمي اتخذته السلطة الفلسطينية… نحن أمام ظاهرة أسطورية حقيقية: شخص بقدراته الذاتية بجوع نظيف “يسمونه صياماً نظيفاً” يعني لا يأخذ أية مقويات، فقط يتناول الماء ويصمد 99 يوماً، وغداً يكمل المئة يوم.. نحن أمام إرادة فولاذية، ماهر الأخرس ليس وحيداً، لدينا المئات والآلاف من ماهر الأخرس، كيف يمكن البناء على هذه الحالة، وإلزام الجهات الرسمية على الارتقاء إلى هذا المستوى؟ هذا ما يمكن الاشتغال عليه، عند ذلك نستطيع أن نحول التهديد إلى فرصة…. حالة ماهر الأخرس تدفع كل من يفكر بالانبطاح إلى أن يخجل من نفسه، ويخجل على حاله.
ــ لا يوجد حرب للحرب، الحرب لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية أو مجتمعية… والسؤال لو أن المعسكر المعادي استطاع تحقيق أهدافه بالاعتماد على عسكرة الإرهاب المسلح، فلماذا اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية؟.. كل محاولاتهم لثني الذراع السورية، وإرغام سورية على تغيير ثوابتها فشلت: حاولوا بالسياسة وأخفقوا، وحاولوا بالعسكرة من خلال جحافل وجيوش من الإرهاب التكفيري المسلح والمدعوم لوجستياً وتسليحياً وإعلامياً ودبلوماسياً وعجزوا عن أخذ سورية.. منذ متى وهم يقولون ستسقط سورية؟؟ قالوا أنه في غضون أسابيع، أو من شهرين حتى ستة أشهر ستسقط الدولة السورية، وسيصلون في الجامع الأموي، ومضت الأسابيع والأشهر والسنوات ونحن اليوم في النصف الثاني من العام العاشر من أقذر حرب عرفتها البشرية، ووفق المعطيات الحسابية العلمية ما قالوه دقيق، فما تم تجنيده والزج به لتفتيت سورية من سلاح ومسلحين وتضليل إعلامي وممارسة نفوذ اقتصادي ودبلوماسي، وسلاح التدمير الشامل بشقيه: فتاوى شيوخ الفتنة والتضليل الإعلامي كان كفيلاً فعلا بإسقاط أية دولة في غضون أسابيع أو أشهر قليلة.. إذن معطيات الواقع وفق الحسابات المجردة تؤكد أنه من غير المعقول أن تصمد سورية أكتر من شهرين، فحساباتهم صح بالإطار العام، لكن غاب عن أذهانهم نوعية الإنسان: هذا الإنسان المتجذر في أرضه.. هذا الإنسان الذي يرفض بطبيعته وجيناته الذلة، ويرفض أن يملى عليه، وغاب عن أذهانهم هذا التلاحم الأسطوري ما بين الشعب والجيش والقائد، وهذه القيادة الحكيمة والشجاعة التي لم تهتز لها قناة على الإطلاق، ولو أن ثقة السيد الرئيس ـ لا سمح الله ـ ارتجت بشعبه أو بجيشه، ولو للحظة واحدة لكانت الأمور ذهبت باتجاه آخر..
السؤال هنا: بعد تسع سنوات ونيف من أقذر حرب لم يستطيعوا أن يحققوا هدفاً واحداً من الأهداف الاستراتيجية، أنا لا أتكلم عن الأضرار التي لحقت، فيه الكثير من الدمار، والكثير من الوجع والخراب والموت والدماء والجراح النازفة، الكثير من الشهداء والجرحى والعذابات..كل هذا صحيح، لكن ما هي غايتهم التي كانوا يسعون إليها؟ كان يهدفون لفرض نظريتين: الفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الجديد، أي تهديم البنى السياسية القائمة واستبدالها ببنى جديدة يتم تركيبها وفق أسس أثنية وعرقية وطائفية ليبقى الكيان الصهيوني” الدولة اليهودية” هي الأنموذج والقائد، وبالتالي استبدال تحقيق”إسرائيل الكبرى جغرافياً ب “إسرائيل” العظمى اقتصادياً التي تهيمن وتسيطر بشكل كامل على كل منطقة الشرق الأوسط.
• المذيعة مقاطعة: ما هي الأهداف الاستراتيجية التي كان مطلوب تحقيقها بالإضافة إلى ما ذكرته؟
ــ بعد تفكيك كل دول المنطقة وإعادة تركيبها، كان المطلوب أن يكون الوضع المفروض بعد ذلك بوابة انطلاق للتوجه شرقاً للقضاء على إيران ومحاصرة روسيا والصين، وبالتالي يتم تحقيق الهدف الاستراتيجي الأكبر وهو ضمان أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً صرفاً، وأن تبقى المنطقة تحت قيادة وتحكم الكيان الصهيوني، وكل هذا أصبح وراء الظهر، ولم يتحقق منه شيء.. الآن هم يسعون لتدوير الزوايا، ماذا يعني أن يوجه الرئيس الأمريكي رسالة للقيادة السورية، وماذا يعني أن يرسل مبعوثيه وكبار موظفيه لإغراء سورية، وخيراً فعل إعلامنا الوطني الذي لم يهتم بالأمر، فإذا كان الآخرون يرون في أي موقف أمريكي شيئاً كبيراً فالسوريون ليسوا كذلك، وإذا كنتم حريصين فعلاً على أي تواصل مثمر فعليكم أولا إنهاء وجودكم الاحتلالي المرفوض وفق أحكام القانون الدولي، ومن ثم إعادة فتح السفارة التي من خلالها يمكن وعبر القنوات الدبلوماسية الرسمية مناقشة أي موضوع يتطلب المناقشة والحوار والتعاون.. من هي الدولة التي تستطيع أن تتكلم بمثل هذه الندية، وبمثل هذا المنطق؟ فقط الدولة الواثقة بنفسها.. الواثقة بشعبها وجيشها وبأصدقائها.. أمام هذا الصمود، وأمام العجز عن تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية ما هو التحول الذي حدث؟؟ بمنتهى الخسة والنذالة كانت العقوبات الاقتصادية وفرض الحصار الجائر والمتناقض مع القانون الدولي أي أن تم اللجوء للانتقام من المواطن السوري من الطفل السوري من الأنثى السورية، من العجوز السوري من الشجرة السورية من الوردة السورية من كل مظاهر الدولة السورية ومحاربة المواطن السوري بلقمة العيش وحبة الدواء، وهذا لن يفضي على الإطلاق إلا إلى مزيد من الإصرار على التمسك بقيم السيادة والكرامة، وفي نهاية المطاف “الحرة تموت جوعاً، ولا تأكل بثدييها”، وأضاف السوريون ومحور المقاومة إلى هذا ما مضمونه: ” الحرة لا تموت جوعاً بل تميت من يريد أن يفرض عليها الموت، ولا تأكل بثدييها قط”.
• سؤال: أين المنظمة الدولية من كل هذه الانتهاكات العدوانية.. شعوب تحارب بلقمة العيش، فأين المنظمة الدولية من كل ذلك؟
الجواب: قالوا للص السارق: مطلوب منك أن تقسم على كتاب الله بأنك لم تسرق، فأجابهم: أتى الفرج.. المنظمة الدولية بجميع هيئاتها تحت ربقة السيطرة المحكمة من قبل واشنطن التي تستخدم المنظمة كمنصة متقدمة لفرض الإرادة الأمريكية وليس العكس، وكانت السيطرة الأمريكية محكمة جداً إلى أن تأكد الأصدقاء الروس والصينيون أنه يمكن البناء على الصمود السوري والاستثمار فيه، فكان أو فيتو روسي ـ صيني مشترك بعد مرور ستة أشهر على صمود سورية في وجه أعاصير ربيعهم المزعوم، وهذا ما أدى إلى ارتخاء القبضة الأمريكية عن أهم مؤسسة من مؤسسات المنظمة الدولية، وهي مجلس الأمن الدولي، فالعدوانية ليست جديدة على واشنطن بما في ذلك على روسيا والصين، ودعيني أتساءل هنا: لماذا لم تستخدم روسيا ولا الصين هذا الحق في السابق، وفي قضايا تمس مصالحهما بشكل مباشر؟ لماذا لم يستخدم الفيتو في يوغسلافيا، أو في ليبيا أو في مكان لأية بؤرة من بؤر التوتر الأخرى؟
إذن حتى أتوقع من صديقي أن يقف معي ويساعدني علي أن أكون قوياً، وأن امتلك ما يمكن البناء عليه.. باعتراف مراكز الدراسات الأجنبية بما في ذلك الأطلسية منها الكثير من المنظمات العاملة تحت إطار أممي يكون ضمن مكوناتها جواسيس لأطراف العدوان لتحقيق أهدافهم، وبالتالي هي جزء من الحرب على سورية وغيرها” منظمة الخوذ البيضاء” و” أطباء بلا حدود” وكثير غير ذلك.. طبعاً أن لا أخوّن كل من يعمل في تلك المنظمات، قد يوجد بعض الأنقياء الذين لديهم حس إنساني وأخلاقي، لكن بالمجمل عمل المنظمات الدولية موجه لخدمة المشيئة الأمريكية.
• المذيعة مقاطعة: وهل مثل هؤلاء الأشخاص موجودون ضمن المنظمات الدولية؟
الجواب : ممكن أن يوجد وعلى سبيل المثال الفريق الدابي الذي قدم إلى سورية، وأصر على أن يقدم تقريراً موضوعياً وشفافاً، ولذلك تم استبداله، لكن حتى لو بقي النتيجة التي يريدون الوصول إليها لن تتغير، هو أعطى رسالة داخلية وإقليمية ودولية مفادها أن ما يحدث عكس ما يتم تسويقه، لكن لم يأخذ أحد بهذا الكلام.
الاعترافات الأمريكية التي صدرت لاحقا تؤكد ذلك.. نحن نتحدث عن /55000/ وثيقة خاصة بهيلاري كلنتون، وهي تؤكد أن كل ما كنا نقوله صحيح، فالأمريكيون هم كانوا وراء صناعة تنظيم داعش الإرهابي وإطلاق يده لنشر الموت والخراب والدمار والرعب، عندما كان أي واحد سوري في أعوام 2011 وحتى 2017 وما بعد ذلك يتحدث عن حقيقة ما يجري، وأن ما يجري ويسوق على لسان شاهد عيان هو جزء من التضليل الإعلامي الإرهاب المسلح صنعة تدل على الصانع كانوا يتهموننا بأننا منفصلين عن الواقع، وثبتت صحة ما كان يقوله المواطن السوري والمقاتل السوري والمسؤول السوري، والآن أعلى السلطات الأمريكية سربته على أنه وثائق، وأنه حقائق، فبعد مرور أكثر من تسع سنوات تأتي الوثائق الخاصة بهيلاري كلنتون وتؤكد أن كل ما كنا نقوله صحيح، وأن كل ما كانوا يسوقونه محض افتراء.. من كل ما تقدم يمكن القول : إن التعويل على المنظمات الدولية يحتاج إلى نوع من المزاوجة، فلا بد من العمل على ما يمكن إنجازه على المستوى الميداني والسياسي والدبلوماسي، وفي الوقت ذاته الاعتماد على الأصدقاء وجهودهم، فسورية ليست وحيدة في المعركة، لدينا أصدقاء وحلفاء وشركاء، فالحرب أبعد من الجغرافيا السورية، المطلوب إعادة خلط الأوراق من جديد، وما ثبت على أرض الواقع أنه فعلا يمكن إعادة خلط الأوراق، وما يمكننا فعله هو أنه بعد خلط الأوراق يمكن إعادة فرزها بما ينسجم ومصالح أطراف محور المقاومة.
• المذيعة: ما الذي جعل إمكانية خلط الأوراق اليوم قائمة في الملف السوري؟
الجواب: أي طرف يستطيع اليوم بدء معركة جديدة، لكنه لا يستطيع التحكم بنهايتها ولا بنتيجتها.
• المذيعة: إذا كان بالواقع الميداني ما مشي الحالي، وبالعقوبات الاقتصادية ما مشي الحال، وحتى أخيرا بلجنة مناقشة الدستور ما مشي الحال، وبعدين؟
الجواب: أشكرك جداً على هذا السؤال، وأجيب بتساؤل مشروع: ما الذي تخسره أمريكا من استمرارية هذا الوضع القائم يوم أو شهر أو سنة أو سنوات؟ هي تدرك تماماً أن التصعيد والذهاب نحو حافة الهاوية لا يوجد أي تطرف تحمل مسؤوليته، لا سورية ومحور المقاومة وأصدقائهم، ولا أمريكا ومن يدور في فلكها، وبالتالي الرهان الأكبر، والخيار الأفضل للولايات المتحدة الأمريكية هو إطالة أمد هذا الواقع القائم أطول فترة ممكنة، مع استمرار الحصار الاقتصادي والمعيشي والحياتي والسياسي والدبلوماسي والعسكري وكل أنواع الحصار…
في عام 2018 وضمن ما يسمى “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” ألقى جنرال أمريكي بحضور كبار الشخصيات العسكرية والعلمية محاضرة مهمة، وتم تبني مقترحاتها المتضمنة التركيز على إطالة الواقع القائم بما يحقق ما يسمى التآكل الذاتي، وبالتالي هم يتوقعون أنه باستمرار هذا الضغط الاقتصادي وتصعيده يمكن أن يقوّموا الشعب ضد دولته… هذا الشعب الذي بقي مع دولته وخيارات قائده هو شعب عصي وأمنع وأصلب من أن يؤخذ بمحاولة تسويق اللعب بجرة الغاز وربطة الخبز، على الرغم من أهمية ما لهذا الموضوع، وما يجب أن يولى، ولا يجوز على الإطلاق السكوت عن أي خلل في هذا الاتجاه، وهذا لا يعني تجميل أي سيئة نهائياً، لكن بالتعاون والوعي والوضوح وبالإمكانيات القائمة، و يمكن تحقيق نتائج أفضل.
• المذيعة: اليوم الحلفاء الذين يقفون إلى جانب سورية، كيف يمكن أن يكون لهم دور إيجابي بالوقوف في وجه العقوبات الاقتصادية، بالإضافة إلى الاعتماد على الذات ومقدرات الدولة السورية؟.
الجواب: هنا يوجد نقطة أساسية يجب التوقف عندها، فعلى امتداد تسع سنوات ثبت بالدلائل القاطعة أن من يقف مع الدولة السورية يزداد قوة، وبالتالي هو لا يدافع عن سورية فقط، بل يزداد بذلك قوة، وعلى سبيل المثال سآخذ مثال الجهد الأمريكي الأخير لعدم رفع العقوبات عن إيران، ما حدث هو فضيحة على مستوى القانون الدولي والعلاقات الدولية من أصل /15/ عضو في مجلس الأمن صوت لصالح مشروع القرار الأمريكي أمريكا والدومينكان فقط، و/13/ دولة صوتت ضد المشروع أو امتنعت عن التصويت بما في ذلك الحلفاء التقليديين لواشنطن، وهذه سابقة لم تحدث في تاريخ مجلس الأمن الدولي، فأي وقوف مع الدولة السورية يرتد إيجاباً على صاحبه، وكذلك الأصدقاء الروس، فهل يوجد اليوم من يستطيع المقارنة بين فاعلية الدور الروسي وما كانت عليه قبل عام 2015م.، اليوم كل ما يحدث في المنطقة برمتها وبتسليم الولايات المتحدة الأمريكية إنما صاحب الصوت الأعلى فيه، والذي يستطيع أن يترك أثراً ملموساً على الأرض هم الأصدقاء الروس، إذن بكل تأكيد يمكن البناء على موقف الأصدقاء الروس، وثانياً ولكي نكون منصفين في هذه الأزمة لولا ناقلات النفط الإيرانية التي تحدت الغطرسة الأمريكية لكان الموقف أكثر صعوبة.. ما الذي يمكن أن تفعله أمريكا بقانون قيصر وغيره عندما تصر روسيا على سبيل المثال والصين وإيران على أن العقوبات الأمريكية مخالفة للقانون الدولي، وهي عقوبات من جانب واحد وبالتالي إذا أقام الأصدقاء الروس بإرسال سفن وبواخر إلى سورية هل سترسل أمريكا من يعترض طريقها ويمنعها ؟ السفن الإيرانية وصلت إلى شواطئ فنزويلا، وليس فقط إلى الشواطئ السورية وأفرغت حمولتها، وبالتالي نحن أمام تبدل في لوحة القوى، وفي القدرة على الفاعلية.
الأمر الآخر لا يجوز أن ننسى أنه كما لدينا أوجاع لدى المحور المعادي أوجاع ونقاط ضعف، هناك في الولايات المتحدة الأمريكية من يتحدث عن إمكانية نشوب حروب أهلية في الداخل الأمريكي… الكيان الصهيوني اليوم آلاف المحتجين والمتظاهرين ضد نتنياهو.. إذن هناك الكثير من نقاط القوة التي يمكن العمل عليها.
في نهاية الحوار تمت الإشارة إلى ما يمكن التعويل عليه في حال فوز بايدن وخسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكيف سينعكس على الداخل الأمريكي وكيان الاحتلال الإسرائيلي، فقلت للمذيعة قبل أن تختم الحوار: أنا لست مع هذا التوجه، لا توجد إدارة جمهورية ولا ديمقراطية إلا وتلتزم بالثوابت والأهداف الاستراتيجية التي لا تستطيع الخروج عنها، فكل ما تعانيه المنطقة منذ سنوات من ويلات” الربيع العربي” كان تخطيطه وبداية تنفيذه في عهد إدارة أوباما، وأتت إدارة ترامب لتكمل ما بدأته إدارة أوباما، والفرق الجوهري أن ترامب أكثر وقاحة وصفاقة، وهذا يفضي إلى نتيجة إيجابية لدى الشعوب المستهدفة، ونتائج الانتخابات لا تغير في ثوابت الاستراتيجية الأمريكية.
البرنامج كاملا بالصوت والصورة على الرابط:
Discussion about this post