(( لقد كان في قصصهم عبرة — متى يلعن الله الإنسان (أو الجماعات) بنو اسرائيل في عهد داوود نموذجا لذلك)) — 96
ينعم الله على الإنسان وعلى الجماعات وعلى الأمم بنعمه المتنوعة والمتعددة والتي لا تحصى وهذه النعم تتطلب شكرا عمليا واظهار نموذجا راقيا وفقا لأسس وضحها الله في القرآن الكريم وهذه هي التي تحفظ هذه النعم وترتقي بأصحابها مراتب أعلى ويزداد فضل الله ونعمه عليهم ( اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
– اللعنة من الله على الناس تعني الطرد من رحمة الله فيصبح الملعون في هذه الحالة مخلوقا يعيش في حالة تيه وضياع ، يتحول الى انسان مخذول لا نصير له، انسان لا يمتلك أي مشاعر سليمة ولا رؤى واضحة يعيش كالأعمى فلا يرى نور الحياة ويصبح قلبه في ضلال فلا يتحرك بتحرك الحق كالميت المدفون في القبر تمر عليه الآيات والبينات الدلائل والحقائق والشواهد فلا يهتدي بها ولا يستفيد منها ويكون نتاجه على مستواه الشخصي وعلى المستوى الجماعي شرا مستطيرا في الدنيا وفي الآخرة ( أَلَـمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) وهؤلاء نموذج واحد من عشرات النماذج لمن يستحقون الطرد من رحمة الله فهؤلاء أعطاهم الله الهدى (أوتوا نصيبا من الكتاب) عرفوا الحق وطرق الحق وخطوات الحق وأعمال الحق ولكنهم أتبعوا الباطل لدرجة ان باطلهم جعلهم يصفون ان الذين كفروا أهدى منزلة ومكانة وتوجها وحياة واسلوب حياة من الذين آمنوا بالله وهذه شهادة زور مزورة كاذبة مخادعة ، هنا أستحقت هذه النفسية ان يلعنها الله فيطرد من رحمة الله فيزدادون باطلا وضلالا وتخبطا فوق تخبطهم وضلالهم ، وهذا الأمر ينطبق على كل انسان في أي مكان وفي أي زمان يحمل هذه النفسية فليست فقط على اليهود بل ينطبق ايضا حنى على المسلمين الذين آتاهم الله القرآن (الكتاب) بل ان المسلم يصاب بلعنة أشد وأقسى من اليهود وغيرهم لأنهم حملة أعظم وأشمل كتاب من الكتب السماوية وهو المهيمن على بقية الكتب السماوية السابقة والهيمنة يعني الأحتواء والشمولية ولهذا السبب جاءت هذه التنبيهات في القرإن لنعي اننا معرضون للعنة اذا أنبطحنا للباطل وأهل الباطل ووصفنا الباطل بأنه أفضل وارفع واسمى من الحق وأهل الحق ، وهذه أمور منتشرة للأسف في مجتمعاتنا الإسلامية والتي ترى الشر في كثير من الانظمة الغربية والتوجهات الغربية أهدى من الذين آمنوا ومنهجيتهم (ويستنثى من ذلك الانظمة والتوجهات التي تدعي انها مسلمة ولكنها باطل وضالة ) ، واللعنة من المخلوقات (الملائكة والأنبياء والناس) تعني الدعاء لله على الملعون بأن يخرجهم من رحمته ووجدنا نماذج عديدة في القرآن ، وسنسرد في طرحنا للعبرة من قصص الأنبياء نموذجا لهذا وهو (لعن نبي الله داوود على الذين كفروا من بني اسرائيل ) وأسباب استحقاقهم لهذا اللعن .
نموذج اليهود وبني اسرائيل في القرآن الكريم واسع في هذا الأمر فقد لعنوا في عهد نبي الله داوود مؤسس أول واقوى مملكة للحق بعد زمن من التيه والاستضعاف في الأرض ، ولكن نبي الله داوود عليه السلام لعن كثيرا منهم فما السبب الذي جعل نبيا يمتلك القوة والملك والقرار وايضا يتصف بالرحمة والإحسان ويسعى ليهديهم الى أن يقوم بلعنهم !
بطبيعة الحال فأنبياء الله حتى وهم في قمة الأستضعاف وقلة الناصرين ويعانون من قومهم معاناة شديدة لا يسألون الله ان يلعن قومه الا وقد بلغ جحدهم وكفرهم واعراضهم مبلغا شديدا لا رجعة له واصبحوا لا أمل منهم ولا فائدة منهم بل انهم اصبحوا للباطل اعوانا وللشيطان وحزبه اولياء وهذا ما آل إليه قوم داوود رغم الملك العظيم الذي آتاهم اياه ومكنهم بعد نشرذمهم واستخلفهم بعد ضعفهم وأمنهم بعد خوفهم وقواهم بعد ضعفهم ومن الله عليهم بكثير من نعمه وأفضاله عليهم في ذلك الزمن .
من اهم اسباب اللعن التي سردها الله في القرآن الكريم(ضمن اطار لقد كان في قصصهم عبرة) والتي قد لعن أقوام من قبلنا بأسبابها وقدمها الله لنا لنعي ونعلم انها سنة من سننه على كل من خلق أنه سيصاب بما اصاب به تلك الأقوام ان نحن انتهجنا منهجيتهم وحملنا نفسياتهم ما يلي :-
1- معرفة الحق وإتباع الباطل قال تعالى ( وَلَـمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِـمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَـمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )
2 – معرفة أهل الحق وإتباع اهل الباطل قال تعالى ( أَلَـمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سبيلا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا )
وهذه من اهم النقاط التي أنتشرت في جميع الأقوام عبر التاريخ حتى بومنا هذا ، فالله عندما ينزل رحمته على الناس من خلال (الأنبياء والرسل والأولياء ) وينزل معهم البينات والكتب ويظهر لهم الباطل وأهل الباطل اظهارا لا تشويش فيه ثم يتبع الإنسان الباطل ويسعى لتبرير ذلك بشتى الطرق الباطلة فهو هنا سعى ليخرج من رحمة الله بنفسه فيستحق لعنة الله (وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون) ، وكان من أظهر وأوضح الامثلة هم قوم داوود من بني اسرائيل ممن اعطاهم الله عدة بينات وشواهد كالتالي :-
1.مكنهم الله بعد ضعفهم وجعل لهم مملكة عظيمة وقوية
2.أرسل اليهم نبيا عظيما وهو داوود عليه السلام
3.انزل اليه كتابا فيه نور وهدى ورحمة وهو الزبور
4.راوا من البينات والدلائل والشواهد الحياتية الكثير والكثير
ولكنهم رغم كل ذلك مالوا عن الحق واهل الحق ميلا كبيرا ، فآذوا نبيهم داوود وعصوه وافسدوا في الأرض وجعلوا من طغيانهم وفسادهم منهجية حياتية حتى اصبحت روتينية فتعودوا عليها فأصبحوا لا يتناهوا عنها ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) والمتدبر للآيات يستوضح اسباب اللعن (ذلك بما عصوا) فعصوا الله ورسوله رغم معرفتهم بالحق واهل الحق معرفة اليقين وهنا يجب ان نعي ان العصيان ليس بالأمر الهين والبسيط فمن يعصي الله ورسوله واولياء الله سيطيع عدو الله ورسوله واولياء الله وهنا يجب ان نفهم معنى (الولاية) ومن نتولى وكيف نتولى وموجبات الولاية لكي نحمي انفسنا من ان نعصي الله ورسوله ونطيع الشيطان وأولياءه لذا جاءت الآيات اللاحقة لهذه الآيات توضح لنا هذا الامر الهام جدا (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون) .
ثم جاء السبب التالي (وكانوا يعتدون) ومعنى الاعتداء هو تجاوز الحق الى الباطل وتجاوز الخير الى الشر وتجاوز العدل الى الباطل ، وتجاوز النهي عن المنكر الى الصمت عنه والتعامل معه كأنه حق لا مشكلة في بقاءه وانتشاره لذا جاءت الآية اللاحقة (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )وهنا يجب ان نعي ان جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اساسيات الايمان والتزود بالتقوى في سبيل ان نصون ونحمي انفسنا من الزلل في هذا الجانب فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض واهم صفاتهم (يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وان نعود انفسنا على استنكار الباطل والسعي للنهي عنه بشتى الطرق والوسائل السليمة ولعل اهمها نشر الفضيلة وتربية الناس وتعليمهم الحق والمعروف لكي لا تزول اقدامنا فنصبح من الملعونيين عندما نجد كل شيء منكر فنتعامل معه تحت منظور (الحرية والحقوق ) وغيرها مما هي صفات المنافقين (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) .
وهذا امر منتشر بشكل كبير على مر التاريخ خاصة في مجتمعنا الإسلامي سواء العصيان أو تولي الذين كفروا كما نرى اليوم كيف يتولى كثير من الناس (انظمة وأحزاب وجماعات وافراد) لأمريكا والصهاينة والمنافقين ولاء عمليا وتعليميا واعلاميا ونفسيا أيضا ويعادون اولياء الله من أهل الحق وحملته وايضا لم نعد نرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ينبغي منتشرا بل وصل الأمر الى أن يجدوا الباطل والمنكر وانتشاره امورا طبيعية وحقوق يجب ان تصان وتحافظ بل يدعون الى نشرها بل يسعون لأن يكونوا هم انفسهم نماذج للمنكر ليحتذى بهم وهذه امور من مستحقات اللعنة من الله .
تحصين النفس من السقوط في هذه الأمور وهذا اللعن هي مذكوره في الايات اللاحقة لهذا الطرح ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) فالفسق هو معرفة الحق واتباع الباطل بتعنت واصرار والايمان الحقيقي المرتبط بموالاة اولياء الله ومعاداة اعداء الله الذين ذكرهم وشرحهم ووضحهم لنا في القرآن هو أهم الطرق لتحصين انفسنا وأهلينا ومجتمعنا من الوقوع في الباطل وموالاة اعداء الله (ولمعرفة من هم اشد الناس عداوة لنا علينا فقط ان نقرأ الآية اللاحقة لهذه الآية في نفس السورة ) فالقران واضح وشامل وكامل وما فرط الله فيه من شيء.
هكذا عانى داوود من قومه بعد كل هذه البينات والدلائل فلا نظن ان الله عندما مكنه من الارض وجعله ملكا ثم نبيا وانعم عليه بنعم كثيرة انه عاش حياة رفاهية واستمتاع فالانبياء والاولياء والمؤمنون الحقيقيون يدركون ان حياتهم الدنيوية مسئولية وعمل ومصارعة الباطل ونشر للحق وامر بالمعروف ونهي عن المنكر واصلاح في الأرض لذا لم يكن ملك داوود الا بداية للمسئولية الكبرى في حياته ، فعاني معاناة كبيرة من شريحة كبرى من قومه حتى انتهى به الامر في نهاية المطاف ليلعنهم ولم يكن هذا اللعن مجرد سخط على هؤلاء بل هو رسالة للاجيال اللاحقة من بعده بأن هؤلاء أشر من في الأرض جيلا بعد جيل لذا سردها الله وذكرها في القران المنهجية الأبدية حتى يوم الدين لانها لو كانت لعنة مؤقتة بشريحة معينة في زمن معين ومكان معين ما كان الله ليذكرها ضمن اطار قصة (لقد كان في قصصهم عبرة) لنا ، وكان سيسردها الله ضمن اطار طرح عام غير مرتبط بشخصيات معينة ، وهي رسائل للمسلمين في هذا العصر ليدركوا تمام الادراك كيف يتعاملون مع هذه النفسيات من بني اسرائيل الذين يعيشون في نفسية (العصيان والاعتداء والافساد في الارض ) وليس هناك وضوح أعظم واوسع وأفضل وادق من هذا التوضيح الرباني .
سنتكلم في الطرح القادم ضمن هذه السلسلة عن بعض الجوانب التي ذكرها الله عن نبي الله داوود مما نستفيد منه في العدالة والقضاء والحكم والفصل بين الناس .
لمتابعة السلسلة كاملة ستجدونها في قناتنا الخاصة في التليجرام عبر العنوان
telegram.em/goodislam
#د_يوسف_الحاضري
ينعم الله على الإنسان وعلى الجماعات وعلى الأمم بنعمه المتنوعة والمتعددة والتي لا تحصى وهذه النعم تتطلب شكرا عمليا واظهار نموذجا راقيا وفقا لأسس وضحها الله في القرآن الكريم وهذه هي التي تحفظ هذه النعم وترتقي بأصحابها مراتب أعلى ويزداد فضل الله ونعمه عليهم ( اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
– اللعنة من الله على الناس تعني الطرد من رحمة الله فيصبح الملعون في هذه الحالة مخلوقا يعيش في حالة تيه وضياع ، يتحول الى انسان مخذول لا نصير له، انسان لا يمتلك أي مشاعر سليمة ولا رؤى واضحة يعيش كالأعمى فلا يرى نور الحياة ويصبح قلبه في ضلال فلا يتحرك بتحرك الحق كالميت المدفون في القبر تمر عليه الآيات والبينات الدلائل والحقائق والشواهد فلا يهتدي بها ولا يستفيد منها ويكون نتاجه على مستواه الشخصي وعلى المستوى الجماعي شرا مستطيرا في الدنيا وفي الآخرة ( أَلَـمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) وهؤلاء نموذج واحد من عشرات النماذج لمن يستحقون الطرد من رحمة الله فهؤلاء أعطاهم الله الهدى (أوتوا نصيبا من الكتاب) عرفوا الحق وطرق الحق وخطوات الحق وأعمال الحق ولكنهم أتبعوا الباطل لدرجة ان باطلهم جعلهم يصفون ان الذين كفروا أهدى منزلة ومكانة وتوجها وحياة واسلوب حياة من الذين آمنوا بالله وهذه شهادة زور مزورة كاذبة مخادعة ، هنا أستحقت هذه النفسية ان يلعنها الله فيطرد من رحمة الله فيزدادون باطلا وضلالا وتخبطا فوق تخبطهم وضلالهم ، وهذا الأمر ينطبق على كل انسان في أي مكان وفي أي زمان يحمل هذه النفسية فليست فقط على اليهود بل ينطبق ايضا حنى على المسلمين الذين آتاهم الله القرآن (الكتاب) بل ان المسلم يصاب بلعنة أشد وأقسى من اليهود وغيرهم لأنهم حملة أعظم وأشمل كتاب من الكتب السماوية وهو المهيمن على بقية الكتب السماوية السابقة والهيمنة يعني الأحتواء والشمولية ولهذا السبب جاءت هذه التنبيهات في القرإن لنعي اننا معرضون للعنة اذا أنبطحنا للباطل وأهل الباطل ووصفنا الباطل بأنه أفضل وارفع واسمى من الحق وأهل الحق ، وهذه أمور منتشرة للأسف في مجتمعاتنا الإسلامية والتي ترى الشر في كثير من الانظمة الغربية والتوجهات الغربية أهدى من الذين آمنوا ومنهجيتهم (ويستنثى من ذلك الانظمة والتوجهات التي تدعي انها مسلمة ولكنها باطل وضالة ) ، واللعنة من المخلوقات (الملائكة والأنبياء والناس) تعني الدعاء لله على الملعون بأن يخرجهم من رحمته ووجدنا نماذج عديدة في القرآن ، وسنسرد في طرحنا للعبرة من قصص الأنبياء نموذجا لهذا وهو (لعن نبي الله داوود على الذين كفروا من بني اسرائيل ) وأسباب استحقاقهم لهذا اللعن .
نموذج اليهود وبني اسرائيل في القرآن الكريم واسع في هذا الأمر فقد لعنوا في عهد نبي الله داوود مؤسس أول واقوى مملكة للحق بعد زمن من التيه والاستضعاف في الأرض ، ولكن نبي الله داوود عليه السلام لعن كثيرا منهم فما السبب الذي جعل نبيا يمتلك القوة والملك والقرار وايضا يتصف بالرحمة والإحسان ويسعى ليهديهم الى أن يقوم بلعنهم !
بطبيعة الحال فأنبياء الله حتى وهم في قمة الأستضعاف وقلة الناصرين ويعانون من قومهم معاناة شديدة لا يسألون الله ان يلعن قومه الا وقد بلغ جحدهم وكفرهم واعراضهم مبلغا شديدا لا رجعة له واصبحوا لا أمل منهم ولا فائدة منهم بل انهم اصبحوا للباطل اعوانا وللشيطان وحزبه اولياء وهذا ما آل إليه قوم داوود رغم الملك العظيم الذي آتاهم اياه ومكنهم بعد نشرذمهم واستخلفهم بعد ضعفهم وأمنهم بعد خوفهم وقواهم بعد ضعفهم ومن الله عليهم بكثير من نعمه وأفضاله عليهم في ذلك الزمن .
من اهم اسباب اللعن التي سردها الله في القرآن الكريم(ضمن اطار لقد كان في قصصهم عبرة) والتي قد لعن أقوام من قبلنا بأسبابها وقدمها الله لنا لنعي ونعلم انها سنة من سننه على كل من خلق أنه سيصاب بما اصاب به تلك الأقوام ان نحن انتهجنا منهجيتهم وحملنا نفسياتهم ما يلي :-
1- معرفة الحق وإتباع الباطل قال تعالى ( وَلَـمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِـمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَـمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )
2 – معرفة أهل الحق وإتباع اهل الباطل قال تعالى ( أَلَـمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سبيلا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا )
وهذه من اهم النقاط التي أنتشرت في جميع الأقوام عبر التاريخ حتى بومنا هذا ، فالله عندما ينزل رحمته على الناس من خلال (الأنبياء والرسل والأولياء ) وينزل معهم البينات والكتب ويظهر لهم الباطل وأهل الباطل اظهارا لا تشويش فيه ثم يتبع الإنسان الباطل ويسعى لتبرير ذلك بشتى الطرق الباطلة فهو هنا سعى ليخرج من رحمة الله بنفسه فيستحق لعنة الله (وما ظلمونا ولكن كانوا انفسهم يظلمون) ، وكان من أظهر وأوضح الامثلة هم قوم داوود من بني اسرائيل ممن اعطاهم الله عدة بينات وشواهد كالتالي :-
1.مكنهم الله بعد ضعفهم وجعل لهم مملكة عظيمة وقوية
2.أرسل اليهم نبيا عظيما وهو داوود عليه السلام
3.انزل اليه كتابا فيه نور وهدى ورحمة وهو الزبور
4.راوا من البينات والدلائل والشواهد الحياتية الكثير والكثير
ولكنهم رغم كل ذلك مالوا عن الحق واهل الحق ميلا كبيرا ، فآذوا نبيهم داوود وعصوه وافسدوا في الأرض وجعلوا من طغيانهم وفسادهم منهجية حياتية حتى اصبحت روتينية فتعودوا عليها فأصبحوا لا يتناهوا عنها ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) والمتدبر للآيات يستوضح اسباب اللعن (ذلك بما عصوا) فعصوا الله ورسوله رغم معرفتهم بالحق واهل الحق معرفة اليقين وهنا يجب ان نعي ان العصيان ليس بالأمر الهين والبسيط فمن يعصي الله ورسوله واولياء الله سيطيع عدو الله ورسوله واولياء الله وهنا يجب ان نفهم معنى (الولاية) ومن نتولى وكيف نتولى وموجبات الولاية لكي نحمي انفسنا من ان نعصي الله ورسوله ونطيع الشيطان وأولياءه لذا جاءت الآيات اللاحقة لهذه الآيات توضح لنا هذا الامر الهام جدا (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُون) .
ثم جاء السبب التالي (وكانوا يعتدون) ومعنى الاعتداء هو تجاوز الحق الى الباطل وتجاوز الخير الى الشر وتجاوز العدل الى الباطل ، وتجاوز النهي عن المنكر الى الصمت عنه والتعامل معه كأنه حق لا مشكلة في بقاءه وانتشاره لذا جاءت الآية اللاحقة (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )وهنا يجب ان نعي ان جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اساسيات الايمان والتزود بالتقوى في سبيل ان نصون ونحمي انفسنا من الزلل في هذا الجانب فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض واهم صفاتهم (يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وان نعود انفسنا على استنكار الباطل والسعي للنهي عنه بشتى الطرق والوسائل السليمة ولعل اهمها نشر الفضيلة وتربية الناس وتعليمهم الحق والمعروف لكي لا تزول اقدامنا فنصبح من الملعونيين عندما نجد كل شيء منكر فنتعامل معه تحت منظور (الحرية والحقوق ) وغيرها مما هي صفات المنافقين (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) .
وهذا امر منتشر بشكل كبير على مر التاريخ خاصة في مجتمعنا الإسلامي سواء العصيان أو تولي الذين كفروا كما نرى اليوم كيف يتولى كثير من الناس (انظمة وأحزاب وجماعات وافراد) لأمريكا والصهاينة والمنافقين ولاء عمليا وتعليميا واعلاميا ونفسيا أيضا ويعادون اولياء الله من أهل الحق وحملته وايضا لم نعد نرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ينبغي منتشرا بل وصل الأمر الى أن يجدوا الباطل والمنكر وانتشاره امورا طبيعية وحقوق يجب ان تصان وتحافظ بل يدعون الى نشرها بل يسعون لأن يكونوا هم انفسهم نماذج للمنكر ليحتذى بهم وهذه امور من مستحقات اللعنة من الله .
تحصين النفس من السقوط في هذه الأمور وهذا اللعن هي مذكوره في الايات اللاحقة لهذا الطرح ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) فالفسق هو معرفة الحق واتباع الباطل بتعنت واصرار والايمان الحقيقي المرتبط بموالاة اولياء الله ومعاداة اعداء الله الذين ذكرهم وشرحهم ووضحهم لنا في القرآن هو أهم الطرق لتحصين انفسنا وأهلينا ومجتمعنا من الوقوع في الباطل وموالاة اعداء الله (ولمعرفة من هم اشد الناس عداوة لنا علينا فقط ان نقرأ الآية اللاحقة لهذه الآية في نفس السورة ) فالقران واضح وشامل وكامل وما فرط الله فيه من شيء.
هكذا عانى داوود من قومه بعد كل هذه البينات والدلائل فلا نظن ان الله عندما مكنه من الارض وجعله ملكا ثم نبيا وانعم عليه بنعم كثيرة انه عاش حياة رفاهية واستمتاع فالانبياء والاولياء والمؤمنون الحقيقيون يدركون ان حياتهم الدنيوية مسئولية وعمل ومصارعة الباطل ونشر للحق وامر بالمعروف ونهي عن المنكر واصلاح في الأرض لذا لم يكن ملك داوود الا بداية للمسئولية الكبرى في حياته ، فعاني معاناة كبيرة من شريحة كبرى من قومه حتى انتهى به الامر في نهاية المطاف ليلعنهم ولم يكن هذا اللعن مجرد سخط على هؤلاء بل هو رسالة للاجيال اللاحقة من بعده بأن هؤلاء أشر من في الأرض جيلا بعد جيل لذا سردها الله وذكرها في القران المنهجية الأبدية حتى يوم الدين لانها لو كانت لعنة مؤقتة بشريحة معينة في زمن معين ومكان معين ما كان الله ليذكرها ضمن اطار قصة (لقد كان في قصصهم عبرة) لنا ، وكان سيسردها الله ضمن اطار طرح عام غير مرتبط بشخصيات معينة ، وهي رسائل للمسلمين في هذا العصر ليدركوا تمام الادراك كيف يتعاملون مع هذه النفسيات من بني اسرائيل الذين يعيشون في نفسية (العصيان والاعتداء والافساد في الارض ) وليس هناك وضوح أعظم واوسع وأفضل وادق من هذا التوضيح الرباني .
سنتكلم في الطرح القادم ضمن هذه السلسلة عن بعض الجوانب التي ذكرها الله عن نبي الله داوود مما نستفيد منه في العدالة والقضاء والحكم والفصل بين الناس .
لمتابعة السلسلة كاملة ستجدونها في قناتنا الخاصة في التليجرام عبر العنوان
telegram.em/goodislam
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post