منى صفوان
مع كل صفارة حكم، يدخل لاعب جديد، ويغادر آخر، ومن يلعبون أمامنا تحت الأضواء، ليسوا هم أصحاب القرار، وليسوا هم من يضع خطة اللعبة، ويحيك خطوطها، ويصنع انتصاراتها.
يتجرع حزب الإصلاح الإسلامي (الإخوان) مرارة الهزيمة السياسية، الأشد خطراً من العسكرية، فغيابه السياسي يعني الإعدام العسكري، فمع كل اتفاق سياسي ترعاه الرياض، يدخل لاعبون جدد.
فالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، هو النجم الصاعد حالياً، النجم الذي تنفق المليارات ليكون هو كابتن الفريق، الفريق الأساسي (الشرعية) الذي سيتولى خوض المنافسة النهائية ضد فريق الحوثيين، الذي انتهى مبكراً من تصفية حلفائه الذين لا يثق بهم (جماعة علي عبدالله صالح)، ورتب صفوفه، واستعد للمباراة النهائية.
ليس سهلاً على الإصلاح أن يتنازل عن الخطوط الأمامية، ويفقد حصته في السلطة والثروة والجغرافيا، فلا ماء ولا موانئ، ولا نفط ولا حتى مواقع استراتيجية، وحتى الرئيس الذي كان خاتماً بإصبعه، لم يعد كذلك.
الإصلاح فقد خاتم السلطة وختمها، فلم يعد ختم الرئاسة يخرج من درج مكتب الإصلاح، ليوقع على ورقة تعيين رئيس حكومة موالٍ له، كما فعل مع باسندوة، وبن دغر، وكذلك توقع من معين عبدالملك، وجميعهم ليسوا إصلاحيين.
فرجال السياسة الذين اعتمد عليهم الإصلاح، وقربهم منه، هم من خارج تشكيلته السياسية وقواعده الحزبية، وهو إجراء مقصود، لكن الوزراء المقربين منه كالجبواني والميسري، تم إقصاؤهم، وأي شخص مقرب من الإصلاح سوف يخرج من الملعب، برغم أن الإصلاح لم يلعب بلاعبيه المحترفين، فمعظم نجوم الإصلاح ليسوا إصلاحيين، إنهم مؤتمريون، وجنوبيون من الحراك وناصريون ويساريون.
تم كشف تخفي الإصلاح
إذن، خطة الإصلاح باللعب بلاعبين غير إسلاميين، تم كشفها، وأصبح أي يساري أو وسطي مقرب من الإخوان، أو يتفق معهم، معرضاً للإعدام السياسي.
لقد تم إعدام لاعبين في وسط المعلب، وأثناء المباراة، كأحمد بن دغر وعبدالملك المخلافي، لأنهم نفذوا خطة الإصلاح بتقديم شكوى رسمية للأمم المتحدة ضد الإمارات باعتبارها محتلة لجزيرة سقطرى. لقد مر هذا الإجراء الرسمي مرور الكرام، ولم يفعّل قانونياً ولا حتى سياسياً من قبل الإصلاح، لأن الإصلاح لم يجد لحد الآن رجالاً جدداً في الملعب لا يمكن كشفهم.
حان وقت ظهور حميد الأحمر
ربما حان الوقت ليلعب الإصلاح بلاعبيه الأساسيين من التيار الإسلامي، بعد أن فشلت فكرة شراء لاعبين من نوادٍ أخرى، حان الوقت لظهور فرقة إسطنبول، ليكون حميد الأحمر في الواجهة، وربما توكل كرمان، وكثير من الشخصيات القيادية، التي تمثل روح الإصلاح وجسده.
فظهور اللاعبين الحقيقيين هو بمثابة إنقاذ للإصلاح، الذي يتهاوى تحت ضربات السعودية والإمارات، فعملية الطرق والسحب التي يقومون بها تعمل لتطويعه، ولا يجب أن يراهن الإصلاح على قدرته على التحمل أو على مرونته.
إذن، الإصلاح أول المرشحين لمغادرة المشهد اليمني، هذه هي الحقيقة التي تقولها الأحداث اليومية التي لم تعد ترحم “عزيز قوم ذل”، وفشلت امبراطوريات الإعلام القطرية في إنقاذ إصابة الإصلاح البليغة، مع اقترابه من فقدان ورقة الشرعية، أي الورقة الوحيدة التي يملكها، ويحكم بها من خلف هادي وبعض رجال الحكومة.
ربما عليه الآن أن يطالب بتمثيل حصته هو، حصة الإصلاح في الحكومة والسلطة، والثروة، برجال ونساء الإصلاح، كطرف موازٍ لـ”الانتقالي” ومؤتمر طارق صالح، هذا إن كان يفكر بشكل عملي وذكي ومباشر وجريء، وكل هذه الصفات إن كانت متوفرة أساساً بالإصلاح، لكان قد حكم من 10 سنوات، بشكل مباشر، دون حاجة لأن يرشح رجلاً من خارج الإصلاح كهادي، ويدعم رئيس حكومة ليس إصلاحياً كباسندوة. إن ما يفعله الإصلاح تخفٍّ أكثر منه مشاركة.
ولكن الإصلاح ليس قطة صغيرة تحسن التخفي، فانكشاف فكرة التخفي، وإصراره على التمسك بها، يؤكد أنه يتقدم بثقة ليكون فعلاً أول المغادرين للمشهد.
“الانتقالي” نجم صاعد غير موهوب
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فهو لاعب صاعد قادم بقوة، لسبب بسيط، أنه يحظى بدعم كبير، دعم ضخم، دعم فوق المتوقع، إنه دعم أكبر من حجم “الانتقالي” نفسه، وفوق طاقته وقدرته، لذلك فـ”الانتقالي” لا يتحمل الدور المطلوب منه بأن يكون الحاكم الفعلي للجنوب، فليس لديه قدرة الإصلاح وخبرته ومرونته وحزمه وتنظيمه، والأسوأ ألا يكون لديه موهبة سرعة التعلم، فالساحة الجنوبية الآن شاغرة، بعد إفراغها من الإصلاح الإخواني، ولكن عملية الإحلال لم تتم بعد كما يجب.
“الانتقالي” أحسن قراءة المشهد، الوضع الإقليمي بحاجة لحليف جنوبي، حليف موالٍ في أهم المناطق الاستراتيجية وأغناها، حليف مرن، حليف غير مؤدلج، يتخذ من الإسلاميين عدواً، حليف يمثل مناطق الجنوب، ويرفع طموح استعادة الدولة، والأهم حليف يتولى فكرة حشد الشارع الجنوبي تحت رايه دولة الجنوب.
“الانتقالي” يبدو كمن أُقحم فجأة في الصراع، لم يأخذ حصته في التدرج السياسي وبناء قواعده، وهي الفرصة التي حظي بها الإصلاح والحوثيون على مدى ٣ عقود، بشكل علني وسري.
لكن “الانتقالي” يحتاج لوقت، وقت الخبرة، ووقت بناء القدرات، ووقت تعزيز الثقة، ووقت بناء الجسور مع الناس. وهذا الوقت يعني أيضاً مزيداً من الفشل، لأن الأحداث متسارعة بشكل ملفت، وفي الحرب لا أحد ينتظر جماعة حتى تكبر وتنضج وتتمكن سياسياً، وتنال ثقة الناس.
إذن، مزيد من النقاط السلبية التي ستضاف للمجلس الانتقالي ليبدو صاحب الإدارة الفاشلة، والحركة السياسية الطموحة غير القادرة على السيطرة على الأرض، والطرف الذي يرفع شعارات ضخمة دون أن تتحول إلى إنجازات واقعية، وتبقى مجرد شعارات.
الحوثي الفتى الخشبي ذو الأنف الطويل
وبمناسبة الشعارات، فإن الحوثيين ليسوا الأوفر حظاً، فهم لا يملكون عدواً داخلياً أكثر من غرورهم، الغرور عدو خطر، واغترارهم بأنهم طرف قوي وشوكة توازن المنطقة ولاعب أساسي وفريق موازٍ للأطراف الأخرى، سيكون بالوناً ينفجر في وجههم، دون أن تطلق السعودية طلقة واحدة.
وللإنصاف، هم فعلاً أقوياء لأنهم أحسنوا استخدام قواعد اللعبة، واستغلوا علاقاتهم وتحالفهم داخلياً مع القبائل، وخارجياً مع إيران وحزب الله، ليحصلوا على تدريب محترف وتصنيع أسلحة مختلف.
وهم أيضاً لاعب وضعت له خطة في الظلام ليلعب تحت الشمس، ولكن من وضع الخطة لم يحسن رسم طريقة الخروج، فلا نهاية سعيدة للحوثيين؛ فإما الاستسلام للسعودية، أو مواصلة الحرب حتى تفنى الجماعة!
لا مشروع سياسي ولا أوراق ضغط لا اقتصادية ولا حتى عسكرية، والورقة الوحيدة، وهي ضرب السعودية، لم تعد مجدية، وأصبحت سبباً بزيادة بيانات الإدانة العربية والدولية، ضد الحوثيين، وزيادة العداوة العالمية لهم، أضف أن السعودية تجيد استخدامها كورقة رابحة.
الحوثي يشبه تلك اللعبة الخشبية التي صنعها نجار ضجر ومفلس يريد بها إبهار الأطفال، فتمردت اللعبة على النجار، وأصبح لها شخصيتها المستقلة، التي تقرر ماذا تفعل. هذه اللعبة الخشبية أو الفتى الخشبي بحسب القصة له أنف طويل ويزداد طولاً كلما كذب، إن الأنف يزداد طولاً مع كل كذبة. وفي عالم السياسة الكذب مباح، لكنه على المدى الطويل يفقدك جمهورك، خصوصاً إن كان كذباً ساذجاً، وينكشف بطلوع النهار، فيهز ثقة الآخرين بك.
الحوثي تصدر عسكرياً لأنه لم يستخدم السياسة، لكن وضعه الاقتصادي خانق، استمرار جماعة عسكرية قوية تهدد دولة إقليمية غنية، أمر يحتاج إلى مال. ومن أين سيحصل الحوثيون على المال وهم لا نفط لهم ولا غاز ولا موانئ ولا حتى قوارب صيد. الإيرادات أقل من النفقات. اليوم دولة الحوثيين تحتاج ميزانية دولة، بل قل ميزانية دولة في حرب، لتصنيع الأسلحة وتجنيد المقاتلين، وصرف الرواتب للموظفين، وتوفير المواد الضرورية في مجتمع يحارب مع قيادته العسكرية، فلن تحارب بجيش وشعب من الجوعى. والمجهود الحربي لن توفره الضرائب على المخابز والصيدليات. لا بد من توفير رافد اقتصادي ضخم، وليس هناك أفضل ولا أقرب من مأرب.
رجال الله في مأرب
الحوثي اليوم جزء من محور ينهار اقتصادياً، حزب الله في لبنان جزء من حكومة تواجه خطر الإفلاس وغضب الشارع ومجاعة اللبنانيين، وانعدام بدائل سريعة مع انهيار الليرة اللبنانية المتسارع.
وسوريا تواجه عقوبات قيصرية هي وكل من يتعاون معها، وكل هذا يزيد الخناق على إيران، حيث ضغط ذات الظروف الاقتصادية من انهيار العملة وارتفاع الفقر وزيادة العقوبات والحصار.
إذن، على حلفاء إيران في اليمن البحث عن موارد أخرى، لكنه لن يدخل مأرب بسهولة. إنها حرب شرسة بينه وبين الإصلاح على بيضة القبان، حرب مفيدة للسعودية لإضعاف الفريقين قدر الإمكان، إضعاف وليس إنهاء، فليس المطلوب التخلص من أي طرف يمني، وفي النهاية نفط مأرب وشبوة والجوف وحضرموت لن يكون لليمنيين.
إذن، قبل حسم نتيجة المباراة سيكثف الحوثيون هجماتهم لمحاولة الوصول إلى عاصمة النفط “مأرب”، فالحركة المسلحة ربطت نفسها بالمحور الإيراني، الذي لم يعد خافياً أنه يتعرض لضربات موجعة، حيث أصبحت إيران نفسها في مرمى الهجمات الإسرائيلية المباشرة لأول مرة منذ قيام الجمهورية الإسلامية، وهذا يعني أن إسرائيل باتت تستغل ضعف النظام الإيراني وعدم قدرته على الرد، منذ الهجمات على مواقعها في سوريا، ومن ثم اغتيال قائده العسكري سليماني.
كل هذا ينعكس على الجماعة اليمنية، التي باتت هي الأخرى هدفاً سهلاً للضربات السعودية، ومع كل رد حوثي تتوالى الإدانات التي تتهم الحوثيين بأن لديهم أجندة تخريبية في المنطقة.
هل يقطع الحوثيون علاقتهم بإيران؟
الحوثيون اليوم يعلمون أن جغرافيتهم تتقلص، وأنهم يحاصرون في أفقر مناطق الشمال الفقيرة، حيث لا موارد، وسوف تسلب منهم قدرتهم على التحكم بميناء الحديدة، بعد إخراج سلاح الردع الذي استخدموه، وهو سفينة صافر النفطية التي تحوي أكثر من مليون برميل نفط خام.
مُنع الحوثيون من استخدام هذه الثروة النفطية، لذا فهم يرونها سلاحاً يمكن تفجيره إن تم أي هجوم بحري على الحديدة.
الخطط العسكرية لن تصمد طويلاً أمام الضغط الدولي، الذي يتعامل مع الجماعة كمنظمة إرهابية خارجة عن الشرعية الدولية.
إن تهمة أنكم جماعة تخريبية في المنطقة، لن تساعد الجماعة على الحصول على القبول والاعتراف الدولي، وتصنيف هجماتها على السعودية بأنها ضمن حق الرد إلا في حالة واحدة فقط، وهي… قطع علاقتهم بالنظام الإيراني.
لم يعد المجتمع الدولي يلتفت لجرائم الحرب السعودية، ولا يراها معتدية، وبدأت فكرة أن السعودية تدافع عن نفسها هي الراسخة.
كل هذا يمكنه أن يتغير في حال إعلان فك الارتباط الحوثي الإيراني، وهذا يستلزم على الحوثيين التفكير بطريقة براجماتية نفعية بحتة، إن أرادوا أن يكون لهم مستقبل في حلبة السياسة اليمنية.
فأي تقارب سعودي حوثي مرهون بإعلان فك الارتباط بإيران، لحد الآن لا يمكن للحوثي اتخاذ هذه الخطوة، محور إيران لم يعلن هزيمته بعد، إنه متمسك ومتماسك، برغم كل الضغوط، ولكن نتوقع فك الارتباط قريباً، حتى إن الإيرانيين لن يفاجأوا من الخطوة الحوثية وقتها، فالضغط الدولي على الحوثيين (أنصار الله) أكبر من أن تتحمله جماعة محلية بلا دعم مالي.
شجاعة وقوة الحوثيين يمكنها التفكك إن بدأ العجز المالي يظهر على السطح، وهنا لا يمكن لحزب الله إرسال المعونات وهو في أمس الحاجة إليها، وهذه هي اللحظة التي تنتظرها السعودية، أي أن يتحول الحوثي إلى عصا سعودية. وفي السياسة توقع أي شيء، بل توقع غير الممكن.
الثعلب الشعبي العام
ماذا عن حزب المؤتمر، ثعلب السياسة اليمنية؟ أين موقعه في المستطيل الأخضر؟ ما هو دوره في اللعبة، هجوم أم دفاع؟! وفي أي فريق، مع الحوثي أم مع الفريق الخصم: الانتقالي الشرعية الإصلاح؟
ألم نقل إنه ثعلب؟ والثعلب مكار يمكن أن يفعل أي شيء، لذا ستجده مع الحوثي ومع الإصلاح وداخل الشرعية، وأيضاً يناصر “الانتقالي”.
هذا هو المؤتمر في كل زمان، وكان موجوداً في كل مكان كالماء، والماء صحيح مهم لا يمكن لأي طرف الاستغناء عنه، لكنه ليس مكلفاً بقدر أهميته، فهو ليس نفطاً، وليس غالياً، وليس صعباً، ولا يحتاج الكثير للحديث عنه، فهو يعلم أن هذا هو دوره، وهو يحب ويجيد اللعب بهذه الطريقة.
إذن، الجميع يحتاج هذا الثعلب غير المؤدلج، الذي يمكنه الانتقال السلس بين الجماعات المؤدلجة، دون أن يشكل لها تهديداً. صحيح المؤتمر حزب كبير وعريق وفاسد، وله مناصرون، ومشتت، لكنه أيضاً شوكة ميزان يحتاجه الحوثي والإصلاح والمجلس الانتقالي والإمارات والسعودية وروسيا وأمريكا.. وسط صراع الجماعات المؤدلجة، وهو يحسن استغلال موقعه جيداً، ويعلم أنه خرج من السلطة إلى غير رجعة، لكنه لم يخرج من حلبة السياسة، دوره ليس مؤثراً، وقراره ليس حاسماً، لكن وجوده مهم لبقاء اللعبة أكبر قدر ممكن.
من سيحكم اليمن؟
إذن، من سيحكم اليمن بعد الحرب؟ هذا فرضاً إن انتهت الحرب غداً!
الإجابة: لا أحد.
هادي والزبيدي والأحمر محسن والأحمر حميد والحوثي وطارق عفاش، جميعهم لاعبون مؤقتون، إنهم عناصر حرب، وليسوا أصحاب مشروع وطني، أمراء حرب، وليسوا ساسة، قادة مليشيا، وليسوا رجال دولة.
وفي زمن المليشيا ليس هناك جيش وطني، ولا مؤسسة حكم، ولا نظام سياسي، ولا انتخابات، ليس هناك دولة، بل دويلات مقسمة مفتتة، متصارعة، تحكم من الخارج، من الإمارات وقطر والسعودية وإيران.
لن تنتهي الحرب إلا بتحولهم إلى ساسة، وإلى لاعبين في فريق واحد، وتحول المليشيات إلى جيش وطني، والدويلات إلى دولة، عدا ذلك فنحن نسير في طريق حرب لا تنتهي إلا بفناء الجميع.
بعد الدمار يأتي البناء، وتظهر طبقة سياسية جديدة، وجيل مختلف، وبعد عقدين من الحرب سيكون لنا كلام آخر .
Discussion about this post