من عظيم رأفة الله ورحمته بعباده أنه لم يجعل عليهم ضمن نطاق مسئوليتهم أن يمتلكوا عدة وعتادا يفوق قوة العدو ، فكلما يطلب منهم أن يتحركوا في سبيله بإنضباط وبالمتوفر لديهم ضمن نطاق الإستطاعة فقط وهو سيتكفل ببقية الأمور وهذا من يسر الله فيما شرعه علينا وطلبه مننا، وفي حالة تمكنك في الأرض وإستخلافك هنا يكون المطلوب منك أمورا أخرى لعل أهمها (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإرجاع الفضل لله ضمن نطاق الشكر.
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
تتراءى قوة الله للبشر على ايدي البشر المستضعفين في مقارنة القوة بين البشر بعضهم البعض ، فعند تأييد الله لمن لا يمتلك عدة وعتادا كبيرا وكثيرا عند مواجهته لقوى الإستكبار في الأرض وما يمتلكونه من إمكانيات لا تقارن ماديا وماليا وعدة وعتادا بالطرف المؤيد من الله ، وهنا يمكن ان يرى الإنسان قوة الله سوى كان هذا الإنسان في طرف المؤيدين من الله فينظر للآيات التي تتجلى لهم او كان في طرف المستكبرين فينظر لعجز تلك الإمكانيات التي يمتلكونها امام بساطة وقلة ما يمتلكه الآخرون ، لأننا عندما نتكلم عن قوة الله مثلا فلا نتكلم عن قدرته على تفجير الارض ونسف السماوات فهذه امور بديهية يؤمن بها الجميع مؤمنون وكافرون ، ولكن لماذا يؤيد الله هذا الطرف على هذا الطرف وكيف يمكن استجلاب تأييده وعونه ؟
من سنن الله ان من يتحرك في صراطه بنوره ودعوته وكما يريد الله فإن رحمته ستعمه وقوته ستؤيده ويتلاشى امام ضعفه كل قوى الأرض مهما بلغت ولنا في العدوان العالمي الامريكي السعودي الصهيوني على اليمن عبرة ودليلا ان كنا في غفلة وضعف عن استيعاب قصص القرآن التي جاءت لتكون لنا عبرة ، لذا وصف الله هذه المعارك وما حصل فيها من تنكيل بالعدو وتدميره انه هو جل وعلا من قتلهم ومن رماهم ضمن سنة الله المندرجة في قوله تعالى ( فَلَـمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْـمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فهل لكم ان تتصوروا وتتخيلوا كيف يمكن ان يستخدم الله يديك مثلا في رميه للعدو واي شرف وفخر ورفعة وعظمة ان يكون الله يدك وقوتك وعملك واداءك ، ولكن الله رمى عندما ترمي تكون رميتك محسوبة على الله فيصوبها الله ويوصلها بعلمه وحكمته وعزته وقوته الى الهدف الذي يريده الله ، وهذا جانب من جوانب تأييد الله لعباده المتقين وخذلانه لعباده العصاة الطغاة المنحرفين عن صراطه .
سواء كنت قويا تمتلك العدة والعتاد الكبيرة والكثيرة وتتفوق على عدوك او كنت مستضعفا تمتلك اقل مما يمتلك عدوك فأنت تحتاج لتستلهم عون الله عند الضعف وتحتاج لتشكر تمكين الله عند قوتك لأن في حالة قوتك والغرور الذي ينتج عن هذه الحالات ستصيبك سنة الله في خلقه في تأييده للعباد فتسقط امام من هم اضعف منك حتى لو كان يقودك نبيا ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَـمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) فالغرور الذي كان حاضرا في نفوس الكثير في تلك المعركة جلبت الإنكسار امام من هم أقل منهم قوة وعتادا رغم انهم كانوا مشركين بالله (لن نغلب اليوم عن قلة) متناسين انهم كانوا قلة في مواطن كثيرة وانتصروا بنصر ورمي الله على قوى كبيرة وكثيرة تفوقهم ، فنسيوا انهم في هذه الحالة يحتاجوا ليتواضعوا لله أكثر ويشكروه كما شكر الله سليمان ربه ( َ فَلَـمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ) وكما قال ذو القرنين عما مكنه الله من قوة ( قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) فتمكين الله هو نوع من التأييد لك ويزداد معها مسئوليتك وواجباتك .
من الايمان بالله انك ترجع النصر والتأييد والقوة والإلهام وكل شيء له سواء كنت ممتلكا لعدة وعتاد كثيرة وكبيرة او لا ، فعندما تقول لن نغلب اليوم عن قلة فأنت تخرج هنا عن لطف ورعاية الله وتأييده وتدخل في نفسك وقدراتك الخاصة فتصبح جاحدا لله غير مؤمن به وهنا يصبح حالك اسوأ من العدو نفسه فتسقط في الخذلان ومن ذا الذي ينصرك اذا خذلك الله !! فهل هناك رحمة أوسع وأعظم وأشمل من رحمة الله بعبيده الملتزمون بصراطه المستقيم وأيسر من هذه المسئوليات والأعمال في سبيل انتصارك وتمكينك وعزتك ورفعتك وحريتك !!
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post