اشد من غفلتك عن الحق أن تكون أنت غافلا أنك غافل ، فالغافل قد يأتي له شيئ ينبهه ويصحيه ويوقظه من غفلته فينتبه ، أما الحالة الثانية فأنت تعيش حالة من الظن بأنك على الصراط المستقيم ولا تعي أنك في صراط الشيطان ويزينه لك فترى كل منبهات الغافل وموقظاته أنها ليست لك فأنت اساسا لست غافلا (قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا) !!
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
في محاضرة السيد القائد عبدالملك الحوثي الخامسة والتي تحدث عن جهنم وعذاب جهنم من آيات القرآن الكريم فقد كانت محاضرة تقشعر منها جلود الذين آمنوا ثم تلين إلى ذكر الله ، محاضرة تنبه الغافلين وتوقظ النائمين وتحرك القلوب الجامدة وتزيد الذين آمنوا إيمانا وتحركا وعملا وتحسسهم بالتقصير والقصور مهما كانت أعمالهم ، وسبب امتلاكها لهذه المواصفات ان السيد تحدث بالقرآن ومن القرآن ولم ينهج نهج الظالين المظلين من خلال استنادهم على أطروحات أطلقوا عليها احاديثا فضاعوا في توصيف انواع العذاب يصل الى حد الخيال العلمي الغير واقعي والذي لا يؤثر على النفوس وكأن القرآن وما ذكره من توصيف للعذاب قاصر في تخويف الناس لذا أكملوا عملية التخويف بطريقتهم الخاصة ليقدموا انفسهم أكمل من الله عز وجل سبحانه وتعالى عما يقومون به علوا كبيرا ، فلا يوجد شيئا اسمه صراطا كحد السيف ودقة الشعرة ولا يجب ان نضيع اوقاتنا حتى في الجدال فيها ولا يوجد ميزان بشكل الميزان الذي يستخدمه البائعون بكفتين ولا يجب ان نتوه في النقاش عنه ولا يوجد ناب كجبل احد ولا ظفر كصحراء الربع الخالي ولا شيء من هذه الخرافات ، فهذه امور تجعل الغير منتميين للاسلام يسخرون مما نقدمه ولا يستفيد من هذه السخرية الا اليهود لذا هم المنفذون لمثل هذه الاطروحات والأفكار.
القرآن توصيفه لكل شيء مكتمل وعلى أرقى مستوى لا يمكن لأي توصيف آخر ان يصل الى مستواه سواء كان التوصيف هذا تخويفا (عذاب جهنم) او كان ترغيبا (نعيم الجنة) لذا لا حاجة لنا اطلاقا بأي اطروحات تقدم من هنا او هناك لا نجد لها دعما قرآنيا الذي لم يفرط الله فيه من شيء سواء على المستوى الطرح او التنوع او التوصيف او التعامل مع النفوس البشرية او الترغيب لهم او التخويف او او الخ ، ومن هنا جاءت قوة محاضرات السيد الرمضانية وحتى السابقات جميعا وعلى كل من يسعى ليكون مثقفا وموعيا على مستوى عال ان يجعل القرآن مصدره الاول والرئيسي في ذلك ويتعلم اسلوب الربط والتوضيح والتقديم من اسلوب السيد سلام الله عليه .
سأتكلم في هذا المقال عن جانب بسيط جدا مما تكلم عنه السيد في محاضرته وربطها بالنفس البشرية كما هي عادة كتاباتي الرمضانية لهذا العام ، وذلك من خلال أن نعيش اللحظة ونتخيل أنفسنا من يصفنا الله ويصف حالنا في القرآن بدء من الحساب في المحشر ووصولا الى العذاب الأبدي ، لذا وانت تقرأ مقالي او تستمع لمحاضرة السيد تذكر لكل اعمالك واتجاهاتك ولكل ظلم وفسق واجرام وانحراف قمت به ومازلت فيه ولم تتب عنه وأعلم علم اليقين ان هذا سيكون مصيرك وعليك ألا تسقط في أكذوبتهم التي قالوا ان الله جعل 1% من رحمته في الدنيا وأبقى 99% في الآخرة ، فهذا طرح يشابه طرح (شفاعتي لأهل الكبائر من امتي ) ورحمة الله هي واحدة وواسعة وشاملة وعم بها العالم اجمع عبر الرسل والأنبياء والاولياء والكتب السماوية والآيات البينة وحتى بعض اصناف العذاب في الدنيا (لعلهم يرجعون) وغيرها ، فالآخرة هو مكان الحساب والجزاء ورحمة الله فقط لمن رحم نفسه واستجاب لله ولدعوته ولتوجيهاته والتي تكررت بجميع الأشكال والألوان والاصناف والإتجاهات وهي مستمرة معنا طول حياتنا وكل يوم نبقى فيه احياء يعطينا فرصة للعودة والإنابة إليه ، فهل هناك شيئ اكثر رحمة من هذه الرحمة !!!
تخيل نفسك الآن والله يأمر زبانيته من الملائكة بأن يأخذوك من الصفوف ثم يغلوك بالقيود ويربطون يديك الى عنقك فتصبح في حالة هوان وذل وإنكسار (تخيل هذه الحالة في الدنيا يتم تقييد يديك الى عنقك في حارتك امام الناس ويسحبوك للسجن كيف تشعر بالذل والهوان والخزي) فما بالك عندما تدرك ان الهوان والذل هذا أبدي ابدي وامام الخلائق اجمع وليس امام حارتك وسكانها المحدودين ، ثم يتم تقييدك بكلك بجميع جسدك بسلسلة ذرعها سبعون ذراعا فتصبح الصورة النهائية كما تراها الآن مقيدا مربطا مغلولا وعندها تتذكر كل جريمة ومعصية وفسق وظلم أرتكبته في الدنيا ، تتذكر كم دعيت الى هدى الله لتعقل وتفهم وترفض الدعوة اما ساخرا او مستهزءا او منشغلا بالدنيا وشهواتها ، تتذكر لحظة قيل لك تعال اليوم نستمع محاضرة السيد والتي سيتحدث عن عذاب النار فتقول في نفسك معي برنامجا ومسلسلا اخر في نفس الوقت يرفه عليا ويضحكني من الهم والغم حق السيد حقكم هذا وانت تفكر في برنامج على قناة الفسق والعهر والسقوط الديني والاخلاقي المجتمعي كقنوات ال سعود او قنوات الإصلاح او غيرهما .
من رحمة الله بنا ايضا في الدنيا وتيسيره لنا في كل موجهاته وأوامره انه جعل طريق الحق عزة ورفعة وكرامة وحرية على جميع المستويات ومنها النفسي فمن يبحث عن الراحة فعليه بطريق الحق ومن يبحث عن الحياة فعليه بطريق الحق اما طريق الباطل وان رأيت فيه ملهياتك وشهواتك فهيا تنعكس بالضنك والهم والغم في الدنيا قبل الاخرة (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ، تتذكر كل ذلك ولا يصحيك من هذا الخيال الا والملائكة تدفعك بقوة لتتحرك لمصيرك المحتوم (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا) ثم تتثاقل في تحرك فأنت تدعى الى نار جهنم التي تسمع لها شهيقا وهي تفور ، فيتم سحبك بمقدمة رأسك او بقدميك سحبا ( يُعْرَفُ الْـمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) فيجرونك جرا وانت تصرخ وتبكي وتتوسل ولكن لا يفيدك شيئا من كل ذلك إطلاقا ، تخيل هذا الامر الذي سيحدث واقسم بالله انه سيحدث مع كل من لم يكن من المتقين وتحلى بصفات تجعله متقيا مسرودة كاملة في القرآن ، سيحدث معك أنت ومعي ومع هذا وذاك وهذه وتلك مالم نكن كم الذين سينجينا الله والله سيحدث وليس الامر تخيلا من باب الأفتراض ولكنه من باب الوقوع المؤكد ، وهي نعمة عظيمة اننا مازلنا نقرأ الكلام والتنبيهات فنسعى لنتجاوز هذا الأمر ولا نصبح ممن يؤخذ بنواصينا واقدامنا فيجرونا جرا الى العذاب بإهانة وذل .
عندما تصل الى حافة جهنم ستقول بخوف وانهيار عصبي وهستيرية ورعب موحش ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ ) تخيل الان وانت في الدنيا أنك قد وصلت لتلك المرحلة ووقفت على حافة جهنم وقلت بخوف ورعب يارب ارجعني للدنيا كي اعمل صالحا ولن اكذب بآياتك وسأجاهد اليهود والنصارى وأقف ضد اعداءك الذين وضحتهم لي في الدنيا وسأوالي اولياءك ولن اكون مرتزقا بريالات قليلة وسأنفق في سبيلك ووووو ، تخيل وانت تقول هكذا فيستجيب الله لك ويردك للحياة الدنيا ، فكيف سيكون عملك ؟ انت الآن ايها الغافل في الحياة الدنيا وكأن الله ردك فلتصحح اخطاءك ولتعمل عملا صالحا ولا تكذب بآيات الله فوالله ان الذين لا يتعاملون مع الوضع بهذه الرؤية التي تهدف منها ايات الله التخويفية لهذا الهدف فلن يفيده لو بالفعل أعاده الله مره اخرى من نار حقيقية (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
ستكون في تلك اللحظات من الوحدة والوحشة وعدم القبول من احد والرفض من الجميع مرفوضا حتى من نفسك ومن يديك وعينيك وجلدك التي ستقف ضدك وتشهد عليك وتظهر ما كنت تظن انك تخفيه عن الاخرين من معاصي وانت في غرفتك او في مكان لا تصل إليه اعين الناس ونسيت ان عينيك تصل إليه ، نعم أعين الناس لا ترى ما تعمل من معصية او تكتب معصية او تخطط لمعصية ولكن هناك اعين كثيرة تراك وهي(عيناك انت ) ( واعين الملائكة الحفظة الذين يكتبون كل شيء تقوم به) وعين الله العظيم الجبار المتكبر الذي وسع كل شيء علما ، فأين ستذهب من كل هؤلاء الشهود عليك وعلى جرائمك ومعاصيك ، نعم لقد هربت من اعين اناس هم في اللحظة هذه نفسي يا نفسي ولا يهتمون بما قمت به ام لم تقم به وبقيت تعمل المعاصي امام اعين لا تغفل ولا تنسى ولا تضيع شيئا بشهادة عينيك انت ، لذا وصف الله الامر هذا بأنك لم تكن تستتر حتى ولو أختفيت عن جميع اعين الناس فأنت مفضوح وواضح ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَـمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ) نعم فالذي يخاف من اعين الناس ولا يهتم بعين الله فهو يظن ان الله لا يعلم ما سيعمل ، او ربما سقط في فخ اكاذيب اليهود التي استطاعت ان تدرجها في مسمى (أحاديث نبوية) فلا نقلق ولا نخشى ولا نخاف مادام هناك اطروحات خبيثة ك(شفاعتي لأهل الكبائر من امتي) فأمنا بهذا الطرح جانب الله وغضبه وعذابه وبقى ان نأمن اعين الناس لذا استترنا منهم ولم نستتر من الله !!
يظن البعض ان العذاب وجهنم فقط لمن لا يشهد بلسانه ألا اله الا الله وان محمدا رسول الله وانه اذا شهد بذلك وصلى وصام انه سيكون في مأمن من العذاب وان الجنة تنتظره بفارغ الصبر وهذه ثقافة نفسية باطلة وضاله ضلالا بعيدا ونسي هذا ان القران اساسا نزل على المسلمين ويخاطب المسلمين انفسهم وهم المعنيين بما فيه وانهم الذين سيسألون عن كل جزء فيه وان العذاب والتخويف موجه إليهم اما الذين لا يؤمنون به فهم لن يصدقوه من اساسه فكيف سيوجه الله خطابا لمن لا يصدقه وهؤلاء سيعذبون أيضا ، ثم ان المنافقين هم من فئة الشاهدون بالشهادتين والمصلين والصائمين ومن بيننا ووسطنا والقرآن اشد ما توعد بالعذاب هم المنافقون ، لذا ثق انك محاط بالعذاب مالم تتبع كل تعاليم الله وتتحرك وتنطلق وتعمل ولا تفرط ولا تتكاسل وتحمل مسئوليتك على اكمل وجه ، والا فعليك ان تستعد للتعامل مع عذاب جهنم والذي لا تموت فيها ولا تحيا !
أخطر توصيف للعذاب في جهنم (لا يموت فيها ) نعم هذا اخطر توصيف لحال الانسان في النار انه لن يموت فيها ، فالإنسان في الدنيا لو مثلا صبوا فوق رأسه كمية كبيرة من الحميم او شربوه كميه كبيرة منها او ضربوا رأسه بمقمع من حديد كبير جدا فهشمه فإنه سيحتاج مثلا الى 3 او10 ثواني ليموت بعدها اي انه سيتألم قليلا جدا وحتى لولم يمت مباشرة سيدخل في حالة غيبوبة تفقده الألم فلا يتألم وحتى لو لم يدخل في غيبوبة وبقى فترة طويلة يتألم فلن يكون ذلك الوقت الا قليلا حتى لو حسبناه كأكبر حد بالسنين سيكون عشرين سنة مثلا او خمسين سنة !!! أما جهنم فخطورة وضعك فيها انك لا تموت ولا تدخل حالة اغماء وغيبوبة ولا تفقد حواس الألم بل سيبدل الله لك جلدا بدل الجلد الناضج لتستمر في العذاب وستشرب من الحميم حتى تتقطع امعاءك وتذوب احشاءك ولا تموت بل تعيش العذاب بلحظاته وجزئياته ويصب فوق رأسك الحميم وتلبس ثيابا من نار وتاكل من الزقوم وكل هذه لا تميتك ، نعم لا تميتك بل تبقى حيا تذوق العذاب ليس ليوم او لسنة او حتى لمليار من السنين بل لملياران ترليونات الترليونات من السنين الغير منقطعة ولا منتهية والمؤبدة ، نعم لا تموت ولا يغمى عليك يا من تخشى من صاروخ العدو بل تخشى من قنبلته الذرية في وقت ان هذه الاسلحة ستميتك اساسا في اقل من جزء من الثانية وبعدها لا تشعر بأي ألم ولك ان تقارن بين غضب عدوك وغضب الله ، وان تعرف حق المعرفة ممن يجب ان تخاف وتخشى وتعمل له الف حساب وحساب !!
لا يستحق أي هدف دنيوي أو شهوة او مرتبة أن تدفع لها لحظة واحدة من لحظاتك في المحشر مع الظلمة ولا صنف واحد من اصناف العذاب في النار ولا لحظة خزي وذل وعذاب نفسي في يوم الحساب امام الله وامام الرسل والانبياء والصديقين والشهداء والصالحين ، لذا اخلص حياتك من الآن لله وكن من انصار الله مواليا لأولياءه معاديا لاعداءه وتذكر مادامت الفرصة سانحة لك اليوم ان تتذكر وقدم لحياتك مادام الفرصة سانحة لذلك لتعش عزيزا في الدنيا وسعيدا وبعيدا عن كل هذه التوصيفات الجسدية والنفسية في الاخرة والا فلا تلومن الا نفسك فماذا بعد الحق الا الضلال وبأي حديث بعد محاضرات السيد عبدالملك ستؤمن ايها الغافل وأي رحمة ويسر اكثر مما قدمه الله لك في الدنيا تريدها لتعقل !!!
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post