بصراحة ، من الإجحاف أن نحاول اختصار محاضرة السيد عبدالملك الحوثي في مقال مهما كان طويلا أو قصيرا ، فكل فكرة يطرحها في المحاضرة تحتاج إلى مقالات ومحاضرات عديدة ، ولكم ان تنظروا للكم الهائل من الأفكار التي تزخر بها كل محاضرة لذا سوف أكون أتحدث عن فكره معينة من كل محاضرة وأتوسع فيها وعسى ان يوفقنا الله لنكون ممن يتولى هذا العلم الهادي إلى صراط مستقيم .
د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
– تحدث السيد القائد في المحاضرة الثالثة لشهر رمضان المبارك 1441هجرية عن بعض أحداث البعث والنشور والحساب وسلط الضوء بشكل قرآني خالص عن تلك اللحظات التي يكون عليها الإنسان في تلك اللحظات ، لحظات الجزاء والوقوف صفا لا تسمع إلا همسا ولحظات الترقب لبدء الحساب ، والربط المعرفي لهذا الطرح بالنفوس المستمعة له وكيف يجب عليهم ان يستفيدوا من تلك التوضيحات التي جاء بها القرآن الكريم كون هذا التوضيح القرآني جاء به الله كنفحة من نفحات رحمته بنا ضمن المنهجية الإلهية التي تريد بنا اليسر ولا تريد بنا العسر ، لذا يأتي الطرح الخاص بالسيد في هذه المحاضرات الرمضانية كإمتداد للرحمة المهداة من الله فالهدف كل الهدف منها هي ان نكون على أكمل واقع نفسي وعملي واخلاقي يؤهلنا لنكون من الناجين في الدنيا والآخرة ، وهذا ايضا ما اتضح في تكرار السيد في الحديث عن اليوم الآخر للمره الثالثة بعد ان تطرق اليها الأعوام الماضية وهذا ايضا نفحة قرآنية تعكس ضرورة التكرار في تدبر القرآن وتلاوته وضرورة التذكير المستمر وضرورة الإرتباط بالهدى بإستمرار.
– سأتطرق في مقالي هذا عن الحديث على جانب بسيط مما تطرق اليه السيد وهو (نشر الصحف في لحظات الحساب ) وكيف تحدث عنها السيد ووصاياه لنا في هذا الجانب ، ولنا ان نعيش الآن اللحظات التي سنعيشها بالتأكيد في ذلك المكان وبيدنا ان نحدد أي مشاعر نريد أن نكون عليها وذلك من خلال العمل الذي نقوم به هنا في الحياة الدنيا وإرتباطنا بالله واستشعارنا لرقابة الله استشعارا حقيقيا عمليا فعليا ثقة به وحبا له وخشية من ان نغضبه .
دعونا الآن نعيش تلك اللحظات ، ونقف مع انفسنا ونتخيلها في ذلك المكان ونحن مرتصون صفا صفا كل البشرية بدء بأولهم (ابونا آدم) وإنتهاء بآخر مولود سيولد (لا يعلمه الا الله) في وضع هدوء وصمت وترقب خاشعة الأعناق والأصوات للرحمن ينتظرون وينظرون ما هي الخطوة التالية بعد الأرتصاص صفا صفا ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، وهم يشاهدون مقابلا لهم الملائكة والروح مرتصون ايضا صفا صفا ينتظرون أمر الله تعالى للقيام بواجبهم ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْـمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ) ، تخيلوا الوضع الآن وانت بينهم حقا على الله سيأتي بك وبي وبالجميع ، وهذا موقف حقا على الله اننا سنكون ذات يوم فيه ننتظر للخطوة التالية وماذا ستكون !!!
– ماذا تتمنى في تلك اللحظة وقبل ان ينشر الله الصحف ويؤتى كل إنسان كتابه الذي كتبه هو في الحياة الدنيا بعمله وقوله وفكره وتوجهه !! ماذا تتمنى تلك اللحظة !! أكيد الكل سيتمنى أن يكون قد قدم عملا صالحا كاملا مكتملا وفقا لما أراده الله وامره الله ووضحه الله في القرآن الكريم ، سيتمنى كل إنسان أن استجاب لله عندما دعاه للجهاد في سبيله وبدون أدنى جبن أو خوف وانه استجاب لدعوة الله عندما أمره بالإنفاق والصدقة والزكاة وبدون أدنى بخل او حرص ، وأنه أمر بالمعروف نهى عن المنكر وأنه اعتصم بحبل الله وأنه والى أولياء الله من آل بيت النبي محمد وأتبع أعلام الهدى وأنه عادى اعداء الله من الأنظمة المجرمة الشيطانية الظالمة المتمثلة في أمريكا والسعودية والإمارات والصهاينة وان عداوته لهم وصلت إلى عنان السماء ، ستتمنى انك استشعرت رقابة الله استشعارا حقيقيا في كل لحظة وقبل وعند كل عمل وأنك استعديت لهذه اللحظة ، ستتمنى أكيد انك لم تظلم احدا ولم تخضع لحاكم ظالم وأنك لم تفسد وتسرق وتزني وتقتل وتنافق وتسعى في الأرض فسادا ،ستتمنى اكيد انك لم تكن جبارا على زوجتك وابناءك ووالديك واهلك وكل من لك قدرة عليهم ، وستتمنى أكيد انك أقمت الصلاة اقامة حقيقية حتى كانت نتيجتها (نهيك عن الفحشاء والمنكر) وستتمنى أنك تدبرت القرآن واتقنت الصيام اتقانا نتج عن ذلك التقوى (لعلكم تتقون) وأن حجك لبيت الله كان ذا ثمرة حقيقية وهي البراءة من اعداء الله (وأذان من الله ورسوله أن الله بريء من المشركين ورسوله) وانها لم تكن مجرد سياحة وصور ورياء امام ابناء قريتك واقاربك ليشار إليك بالحديث عن انك قد حجيت ، ستتمنى أمورا كثيرة انك قمت بها وأمورا أخرى انك ابتعدت عنها بعد المشرقين ، وانت في خضم هذا الحال والتفكير فجأة تجد الملائكة يتحركون وينفذون أمر الله لهم بأن ينشروا الصحف ويوزعون الكتب على الجميع بدون استثناء فقد حان وقت الحساب .
هذه الخطوة (خطوة توزيع الكتب على الناس) ستميز الناس إلى قسمين ، قسم ناجي وقسم هالك ، وهذا ستعرف أول ملامحه من خلال اليد التي ستأخذ الكتاب الخاص بها ، فالناجي سيأخذ كتابه باليد اليمنى والهالك سيأخذه بالشمال من وراء ظهره ، وهنا وفي هذه اللحظة ستتركز عيناك على يديك والقلق النفسي والخوف والاعصاب يثور فيك ثوران وتنتظر وتنظر الى الملك الذي سيعطيك كتابك ، هل سيأتي إليك من امامك ويسلمك كتابك الى يدك اليمنى أم انك لن تراه امامك ولا تشعر به الا وهو يناديك من خلفك لتمسك كتابك بيدك الشمال وهنا تكون القاضية ، تخيل هذه اللحظات ولكن وانت تتخيلها لا تظن أن الامر سيكون بالحظ او عشوائيا او ستكون هناك لخبطة ، بل ثق كل الثقة أن هذا الامر سيجري على أدق واكمل تنظيم ودقة رغم انها ستوزع لجميع البشرية منذ آدم حتى اخر من سيلد من بني البشر ، بل وايضا سيكون على ادق واكمل عدالة ربانية حيث سيرتكز ذلك على جانب العمل الذي قمت به في حياتك منذ أن عمر التكليف وحتى مماتك وآثارك بعد مماتك ، وهنا وفي مجيء الملك إليك حاملا كتابك انت من صنعت ذلك الكتاب وخطيته (بعملك) وإن خطته الملائكة (بأقلامهم) في الحياة الدنيا وهم يرصدون كل كبيرة وصغيرة قمت بها في الدنيا في ذلك الكتاب ، ولك ان تثق كل الثقة ان هذا الكتاب إذا وصل إلى يمينك أنك كنت من الصالحين في هذه الحياة الدنيا ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ) فماذا ستكون الحالة النفسية لك في تلك اللحظة وانت تشاهد يدك اليمنى تمسك كتابك والسرور والفرح والسعادة تغمرك غمرا ، ستصرخ بفرح غامر قائلا وبكل فخر (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) ، نعم انا اتشرف بكتابي وبجميع أعمالي في الحياة الدنيا ، فأنا قد استشعرت لرقابة الله وخضعت له واتبعت اوامره كاملة ( إنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ) وبعد ذلك ستدرك تماما أنك من الناجين للأبد ، نعم للأبد فالجنة خلود وكذلك النار خلود ، وستكون عيشتك راضية هنيئة مريئة وستنجو من تلك النار التي تسمع تغيضها وهي تفور فورانا (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) ، تخيل وأنت في هذا الحال وهذه النتيجة ، أي سرور وسعادة ستغمرك وتغشيك وتلفك لفا وانت تجد نفسك ماسكا لكتابك بيمينك ! فهل تريد ان تعيش هذا الحال ، ان اردت ذلك فالقرآن يسهل لك كيف يمكنك ان تكون كذلك ، اما إذا وجدت لصراط الله المستقيم في القرآن انه غير متناسب ومتناسق مع نفسيتك ورغباتك وشهواتك في الحياة الدنيا وانك ضعيف وغير قادر لتصل الى تلك المرحلة التي تمسك كتابها بيمينه ، فثق كل الثقة انك ستأخذ كتابك بشمالك من وراء ظهرك ، يعني لا يوجد حل ثالث غير هذين الامرين .
الان استيقظ من خيالك الاول الذي تمسك كتابك بيمينك وارجع الى الصف مرة أخرى ، تنتظر للملائكة ان تتحرك وتوزع الكتب وانت من ضمن المنتظرين تفكر بما قدمته من أعمال في الحياة الدنيا ، فتدرك تماما انك كنت من الجبناء الخانعين البخلاء ، وكنت عميلا ومرتزقا تعادي أولياء الله وتوالي اعداء الله وبأنك كنت ضمن حزب امريكا وأذيالها ، ترجع ذاكرتك الى تلك اللحظة التي بعت هذه اللحظة والنجاة منها بحفنة من تلك الأموال التي استلمتها من فلان الفلاني لتبيع موقفك وفي الحقيقة انك بعت كل شيء دنياك التي فنت وآخرتك القادمة الأبدية ، ترجع ذاكرتك الى ذلك الذي ظلمته وذلك الذي سرقته وذلك الذي ثبطته من التحرك في سبيل الله والذي منعته من الإنفاق وتلك الشائعات التي نشرتها وتلك الأكاذيب التي صغتها وساهمت فيها ، والى تلك الثقافات الباطلة التي نشرتها بعد ان سقطت فيها ،ستتذكر ذلك الشخص الذي دعاك لتحضر محاضرة دينية ذا ثقافة سليمة فرفضتها وتهربت من حضور صلاة الجمعة في ذلك الجامع لان خطيبها يدعوك الى الله والى كيف تكون عزيزا كريما حرا وتذهب لمسجد يزرع فيك الهوان والذل والخذلان ويضيع كل وقته في كيف تمشط شعرك وتسبغ لحيتك وتقصر ثوبك وغير تلك من الأعمال التي زرعت فيك في هذه اللحظة الخوف وعينيك تتنقل من الرؤية من بعيد الى جهنم (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) وعين أخرى تنظر للملك متى سيأتي من خلفك ويسلم لك كتابك امرا لك لتأخذه بشمالك وهنا تخيل نفسك الان والكتاب في يدك اليسرى ؟؟؟ تخيل الآن ذلك !!! ماذا سيكون حالك ووضعك وانت تدرك تمام الادارك ان نهايتك في ذلك العذاب الأشد على الإطلاق وأن ذلك المكان من النعيم والجنان والعيشة الراضية لن تكون من نصيبك إطلاقا ، والأدهى من ذلك انك في تلك اللحظة لم تعد تمتلك أدنى فرصة لتعوض عن فشلك هذا فكلما ستنتظره هو متى ستأتي الملائكة تأخذك وتغلك وتسلكك في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ليصلوك إلى الجحيم (خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه ، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فأسلكوه) ، وهنا لن ينفعك عويلك ودعاءك على نفسك بالثبور ولا التباكي ولا التمني ولا الترجي ولا الفرار من أهلك وابناءك ووالديك ولا تمنيك ان الله يفتدي من عذابك بأحب الناس اليك سواء ابناءك او أمك او كائنا من يكون ، ولن تتحوب ترابا عندما تقول (يا ليتني كنت ترابا) او تقول (يا ليتها كانت القاضية)، لن يفيدك شيء بل ستنتظر المصير المحتوم ، وهكذا يصور الله وضعك في تلك اللحظة ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَـمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَـمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)) !!
أمران اثنان لابد لك ان تمر بأحداهما (كتابك بيمينك او بشمالك) وانت من تحدد ذلك وتخط طريقك ونهايتك المحتومة ، فعش هذه اللحظات مع نفسك وقرر من الآن وثق ان قرارك هو الذي سيكون (القرار المرتبط بالعمل) وهكذا يجب عليك ان تقرأ القرآن وتتدبر آياته بان تعيش لحظات كل ايه عندما يتحدث عن مواقف الحساب والبعث والجزاء ومواقف العذاب في جهنم ومواقف النعيم في الجنة بأن تتخيل نفسك انت ثم تحرك عمليا وفقا لما تحب وثق ان توضيحات الله لنا في القرآن بهذا الاسلوب هو رحمة بنا ورافة علينا وأنه يريد بنا اليسر ولا يريد العسر وما عليك الا ان ترحم نفسك وترأف بها وتتحرك كيفما يريد الله وعندها ستنجو وتأخذ كتابك بيمينك.
#د_يوسف_الحاضري
telegram.me/goodislam
Discussion about this post