دعا رسول الله محمد الناس حوالي 23 سنة وقاتل وجاهد وتعب وقدم كلما يمكن ان يقدمه دون كلل او ملل “ليلا ونهارا ، سرا وجهارا” وفي آخر حياته قال له الله ” إذا جاء نصر الله ” نصر الله وليس نصر البشر ، وهذه من دلائل ” وما النصر إلا من عند الله” .
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
abo_raghad20112@hotmail.com
– عندما يحارب الباطل باطلا آخر فإن مقاييس الغلبة والأنتصار بينهما يعتمد على مقاييس معينة أهمها “التخطيط السليم والذكاء في إدارة المعركة والعدة والعتاد والعدد” ، وهذه هي مقاييس عقلية مرتبطة بواقع الإنسان وظروفه وموازينه التي تأقلم عليها وعاش فيها لذا نشأت التحالفات على أسس مصالح ونشأت المعاهدات على أسس تنازلات وغيرها ، لذا يهتم دائما الأقوياء بأن لا يتركوا اعداءهم يقوون عدة وعتادا بل يبقون تحت سلطتهم ونفوذهم ولكي لا يهددون مصالحهم ووجودهم (كما هو حال اثرى الأنظمة في العالم اي دول الخليج العربي والتي تعتبر اضعف الجيوش لتبقى تحت رحمة وتسلط أمريكا والدول العظمى) ، بيد أن هذه الأمور والمقاييس تختلف جملة وتفصيلا عندما يتعلق الأمر بالله سبحانه وتعالى والحق والقضية العادلة والتحرك الحقيقي للناس الحاملين لهذه المبادئ والرؤى ، فلا يؤخذ في الحسبان أي عتاد وعدد وكلما هو المطلوب منهم إلا ان يعدوا (ما أستطاعوا ) من قوة ومن عتاد ،ولنا ان نقف كثيرا عند جملة (ما أستطاعوا) يعني حسب ما هو متوفر لديهم ومعهم من رجال وتأهيل وتدريب لهم من سلاح وتطوير امكانيات بغض النظر عما يمتلكه الطرف الآخر المعتدي ، وهنا يجب ان نشير الى أمر هام في موضوع التأييد الإلهي للناس وهو أن يكون من يدعي انه في يتحرك في سبيل الله مظلوما ومعتدى عليه وليس ظالما او ساعيا لاحتلال الآخر حتى لو كان هو يدعي انه ضمن المجتمع المسلم والطرف الاخر ضمن المجتمع الغير مسلم ، فلتأييد الإلهي شروط إلهية تندرج فيما اسماه الله (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) وفي السنن يكون جميع الخلق ضمنها من مشى بها نصر ومن تركها خذل ، ايضا امر آخر وهو الأهم (سنة الولاية ) فالجموع التي تمتلك ولاية وقيادة ربانية حقيقية وان كانت اقل عدة وعتاد هي الموعودة بالإستخلاف في الأرض والإستخلاف لا يأتي على طبق جاهز بل بجهد وعمل لا ينقصه شيئا مما نستطيع (ما استطعتم) في جميع المجالات العسكرية والسياسية والتاهيلية والإعلامية والاقتصادية وغيرها ، لذا سنسلط الضوء على سنة من سنن الله قصها الله لنا القرآن وايضا على قوم أتبعوا هذه السنن فأصبحوا قاب قوسين أو ادنى من هذا التمكين فالارض لله يورثها من يشاء من عبادة والمشيئة تتضمن وتضمن لمن هم (متقين).
تحرك طالوت بجيشه او ببقايا جيش كان قد تحرك به في البداية ، حيث أدرك بعلمه ووعيه ونظرته الواسعة والشاملة والعميقة المرتبطة بالدين أن التأييد الإلهي هو من سينصره وليس الجيش والعدة التي يمتلكها خاصة فيما اذا قورن من معه (من جنود) وما معه (من عتاد وعدة) بما يمتلكه الطرف الآخر المتمثل في جالوت والذي لا وجه للمقارنة بين الجانبين حتى قبل ان يتم غربلتهم منه ، لذا لجأ الى ضمان أمور عدة تجلب له هذا التأييد فهو كما وصفه القرآن عالم وشجاع (وزاده الله بسطه في العلم والجسم) ولعل اهمها ما يلي :-
– تنقية جنوده من العناصر السلبية الذين سيثبطون بقية الجيش نفسيا وقت المعركة ويجلبون الهزيمة النفسية ، وهذا امر لا يمكن له ولا لأي قائد حكيم ان يقوم به بمجرد الظنون وانما بإبتلاء حقيقي يرتكز على موضوع التسليم لذا لجأ الى موضوع (النهر) وبالفعل تغربل الجيش من اصحاب النفوس الضعيفة ولم يبق الا اصحاب النفوس المؤمنة .
– أعطاهم دروسا دينية عظيمة ليثبتوا ويستبسلوا واعدا لهم بالنصر (رغم انه مدرك تمام الإدراك أن ذلك لن يأتي بما يمتلكه من جيش وعدة مقابل الطرف الآخر ولكن ثقته المطلقة بالله جعلته يمتلك هذا اليقين ) واستخدم بعض المؤمنين الواعيين اصحاب الثقافة الدينية السليمة السوية في التوعية من منطلق ان الجيش المتبقي معه رغم انهم مسلمون له تسليما مطلقا الا ان هناك نقص في الوعي في جوانب عدة ويحتاجون لرفعها وللتذكير وللتثبيت لذا قال الجنود المتبقون ( ْ فَلَـمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) أي نفوس مؤمنة ولكن فيها خلل تحتاج لمجهود لتصحيح الخلل ورفع معدل الإيمان والإرتقاء به ، لذا جاء دور المثقفين الدينيين الآن فالأمر لا يقتصر فقط على القيادة فلابد ان يكون مع كل قيادة ربانية رجال ربانيون (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير) لذا تحملوا مسئوليتهم في ذلك وثبتوهم فوصف القرآن العمل الكبير الذي قاموا به بقوله ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وهذا طرح شامل وكامل يصف النفسية الراقية التي يجب ان يمتلكها المثقفون الدينيون (يظنون أنهم ملاقوا ربهم) يشرح الله نفسية الأولين الذين وصفوا وضعيتهم هذه بالمسببة بالهزيمة فأعتراهم الخوف من الموت الحتمي الذي يجدونه في إنتظارهم فهم ذاهبون لمعركة (حياة او موت ) وليس مناورة او تمثيل بل موت وقتل ودماء ، ويشرح نفسية الواعيين الذين يدركون ان الموت هي نهاية حتمية لأي حياة ولكن هناك من ينهيها بخنوع وذل فلا تنتزع روحه الا متمسك بالدنيا فيسقط في كثير من المطبات الحياتية والتي تقوده للخسران دنيا وآخرة ، وهناك من ينهيها نهاية سديدة حقيقية راقية عظيمة (يظنون انهم ملاقوا الله) لذا سعوا لان يكون لقاءهم بالله على ارقى مستوى ولا يوجد أرقى من مستوى القتال في سبيله استجابة له حبا له تضحية له حركة في سبيله .
– كان اسلوب التوعية والتثقيف الذي استخدمه هؤلاء واعي جدا على ارقى مستوى فجمعوا بين النصر الدنيوي والأخروي (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) ، أي لم يكتفوا بالتذكير بالنهاية الحتمية والموت والآخرة ، بل ايضا بالدنيا والاستخلاف فيها وضرورة ان يكون الجميع على ارقى مستوى للاستخلاف في الأرض ودحر الباطل واهله وان الله يعد عباده بذلك في الدنيا وليس الخروج في سبيله يعني الموت والهلاك ثم الجنة في الآخرة بل التمكين ونشر دين الله السوي السليم وإزهاق الباطل وأهله ( من منطلق ان النفوس البشرية تعشق الانتصارات والتمكين في الأرض ) لذا حفزوهم وذكروهم بسنة من سنن الله تعالى صادق الوعد العزيز الحكيم وهي (ان النصر ليس بالعدة والعتاد وانما بالوثوق بالله والتعلق بحبله والإلتجاء إليه والصبر في سبيله ) لذا ختموا توعيتهم ودروسهم الثقافية للآخرين بالتذكير بأسلحة هامة جدا مع الأسلحة الحديدة (والله مع الصابرين) اي يجب ان يتحلى الجميع بالصبر في سبيله مهما كانت النتائج الأولية فالتمحيص في سبيل الله سنة ايضا من سننه وايضا الاستبسال فنتائج الصبر عظيمة ومؤثرة على نفوس المعتدين وكذلك على نفوس بقية الجنود المؤمنة وهذه كلها امور تجلب معية الله (والله مع الصابرين) فكيف سينهزم أناس الله معهم وغير ذلك من امور لها تأثير على الثبات وعلى الارتقاء وعلى الصبر والقتال والنتائج الحتمية لما هم فيه من تحرك على المستويين (دنيا وآخرة) ، وهكذا كان الوضع في هذا المعسكر الإيماني خلال مسيرتهم من بعد تجاوزهم للنهر حتى وصولهم لأرض المعركة .
هكذا بإختصار شديد تم توصيف الوضع الذي كان عليه طالوت ومن تبقى معه خلال مسيرتهم الاهم للقاء للعدو وهي الأخطر والاكثر حساسية وهي المفصلية ، وضح الله فيها سنن من سننه وايضا ماذا يجب ان يتواجد في الجيوش من مثقفين واعيين يتعاملون بوعي ديني مع ماقد يحصل من خلل في النفوس وفي أحتكاك وتواجد مباشر ومستمر معهم لحل اي خلل مباشرة ولا يتم ترك الإرجاف والتثبيط ليعمل عمله السلبي فهذه تفاصيل هامة جدا ، وبفضل الله وتوفيقه وتأييده نحن في اليمن نعيش هذه السنن ونرتبط بهذه المسيرة ونطبق هذا التحرك في تحركنا لمجابهة اعداء الله واعداءنا واعداء الإنسانية من التحالف ومن معهم ، فتحركنا مرتكزين في التحرك على الوعي العظيم والثقافة الدينية السليمة لذا تقام الدورات الثقافية بأستمرار للمجاهدين سواء قبل التحرك او خلال مراحل التحرك وايضا نمتلك قيادة دينية ربانية على ارقى مستوى ترجمة القرآن الى ثقافة سليمة سديدة انعكست على افكار ثم ممارسات ثم سلوكيات المجاهدين بل ان الامر وصل الى ان الوعي اصبح هو المقياس للأنتصارات او للانكسارات فعندما يحصل انكسار مثلا يتم البحث عن اسبابه في نفوس المجاهدين ولا يتم النظر لما يمتلكه المعتدي من اسلحة وكثرة عدد وعدة على الإطلاق وهذا وفقا لتوصيف وتشخيص وتوجيه السيد القائد مولاي عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه وحفظه لذا نحن منصورون بعد اكثر من خمسة اعوام عدوان عالمي يمتلك آلاف أضعاف ما نمتلكه بل ولا وجه للمقارنة اطلاقا لاننا وثقنا وارتبطنا بالله وبسننه وتحركنا كيفما يريد هو لا كيفما نريد نحن وضحينا وقدمنا ما نمتلك واعدينا ما نستطيع وصبرنا فجلبنا معية الله جل وعلا ، فمثلنا طالوت وجنوده في عصرنا على أرقى واوسع مستوى فتترجم القرآن عمليا في تحركنا وأقوالنا وممارساتنا وايضا هناك ثقافيون على ارقى مستوى مهمتهم توعية الجنود ورفع روحهم المعنوية وربطهم بالله وتذكيرهم المستمر بالعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة مع استمرار السيد في توعيته ودروسه القرآنية الدائمة المستمرة فنعم القيادة التي نمتلكها اليوم بفضل الله ورأفته بنا .
سنتكلم في الطرح القادم عن موضوع الدعاء بالنصر وشروطه الجالبة للنصر خاصة ونحن امة الاسلام استمرينا في الدعاء ضد اسرائيل منذ 1948م وحتى اليوم ولكن النصر والتوسع كان حليفهم هم ونحن العكس ، وذلك من واقع قصة طالوت عليه السلام .
#د_يوسف_الحاضري
Discussion about this post