ادريس هاني
ببالغ الأسى تلقينا نبأ وفاة عميد المؤرّخين العرب اليوم (الأحد: 1/3/2020) عن عمر يناهز 84 عاما، وقد نعته وزارة الثقافة السورية. ولي في نعيه حديث لا يفي بجلّ ما قدّمه هذا العالم النحرير للثقافة العربية المعاصرة على مستوى الخطاب التّاريخي.
من مواليد حماة (1936)، درس بالشام ثم أكمل دراسته في بريطانيا 1964 ثم عاد إليها في 1969وامتهن التدريس والبحث العلمي كرئيس لاتحاد المؤرخين العرب.
كان مؤرّخا منقطعا للعلم محبّا عاشقا للبحث والتحقيق رفد المكتبة العربية بما لا يعدّ من الأعمال تأليفا وترجمة.
رحيل هذا المؤرخ ثلمة في العلم العربي، ولا أظن أنه يوجد من سيعوّضه في التحقيق والكدح العلمي والموسوعية والذهاب إلى النهايات. كنت أسميه المؤرّخ القوي(un historien robuste)، بدأ باحثا متقصّيا تاريخ القرامطة ثم سرعان ما تحوّل إلى التحقيق في تاريخ الصليبية. وقفت قبل عشرين عاما على ما كان يقوم به هذا المؤرخ المخضرم، لا سيما حين رفع التحدي لكتابة موسوعة ضخمة حول تاريخ الصليبية هي اليوم: الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية في خمسين مجلّدا، لم يكن يملك سوى علمه ووطنيته وطاف بمشروعه ولم يجد من داعم له لإنجاز هذه الموسوعة سوى الراحل حافظ الأسد رحمه الله. وقد أشرف على أطروحته المستشرق الراحل برنار لويس وله حكاية تفصيلية لعله أوّل من كشف عن الدور الخطير لهذا المستشرق في يوميات رواها لنا بالتفصيل وكتب عنها كما كتبنا عنها لأهميتها، وكان أول من ترجم له كتاب “الحشاشون”..له ذاكرة قوية وحادة لا سيما وقد قضى فترة كأستاذ للتاريخ في جامعة فاس(المغرب)..
أتيت يوما على ذكر إسمه مع المؤرخ المغربي الراحل والمثير عبد الكريم الفيلالي، ولكنني سأفاجأ وهو مجايل له أنه لا يعرفه، قلت لبعض الزملاء والأصدقاء: إن كان الإنسان مؤرخا ويجهل من يكون سهيل زكار فهذا دليل على أنّ صاحبا ليس مؤرّخا بالمعنى المحترف، وقد كان سهيل عميد المؤرخين العرب. لكنه يحتفظ بحكايات عن المغرب ومرارا كان يقول لي إنّنا حين نضيع بعض العوائد في دمشق نكتشفها في فاس.
كان مؤرخا يعتمد الوثيقة والتأويل، وله في ردّ الكثير من بديهيات تاريخ البشرية ما يثير الإنتباه، حتى أنّه كان مصرّا على أنّ “مصر” المذكورة في القرآن في قصة موسى لا تعني مصر المعروفة بل هي عبارة مشتقة من المصران وهو مجرى الماء ، وعبر جملة من القرائن يذهب إلى أنّها منطقة مجرى دجلة والفرات وبأنّ وقائع قصة موسى جرت بالعراق وليس بمصر.
أذكره وهو يعيش منتهى الجذب العلمي والتحقيق في مكتبته حيث استغنى عن المرآب ليضمه إلى مساحة مكتبته، في زهد ومثابرة وقوّة فريدة، رحم الله كبير مؤرخي عصرنا ولأهله وعائلته وللجامعة السورية التي دمغها بعلمه وللقيادة السورية التي آمنت بمشروعه، لقد افتقدنا عالما فذّا وإنا لله وانا اليه راجعون…
ادريس هاني:1/3/2020
Discussion about this post