✍ سندس اسعد
#سندسيات
يناير ١٩/٢٠٢٠
بينما كنت أتصفح أحد منصات ما يسمى “التواصل الإجتماعي،” وإذ يظهر لي فجأةً إشعار: “مبروك سُنْدس، لقد ربحتِ مليون دولارٍ أمريكي”. رغم أني لست من اللواتي يبهجهن المال والشهرة والأضواء، ولا أؤمن بالثروات التي تحلُ بلا كدٍّ ولا تعب، استوقفني الإشعار لبرهة! أعجز أيها السادة عن وصف النشوة التي فرضتها البرهة تلك، كيف وأنا صاحبةُ مخيلةٍ سينمائيةٍ يسميها صديقةٌ ودودةٌ لي ب “سندسوليوود.” نعم، أنا تارةً سندريلا وطورًا رابنزل، أوقعُ أوتجرافًا لهذا وذاك، ألتقط السلفيات، أحتصن حقيبةً فارهة وأسحب بذيل فستانٍ حاكه لي رالف رولان، أختالُ بين أقراني النجوم، ثم أدلي بتصريحات مقتضبة لطابور الصحافيين الأجانب. حسنًا، فالأخضرُ مبعثُ مسرة، قلْ غرورٍ لا يقاوم، وهو أَلْيَقُ وأَوُسَمُ قيامٍ في ظلِّ الإنهيار والفوضى المتصاعدان في وطني مؤخرًا. وفي خِضَمِ انشراحي، سرعان ما احتقرتُ دناوةَ مخيلتي واغترارها وخيانتها، “ماذا دهاكِ؟” بيّد أنني مجددًا، وفي حيرةِ الموقفِ الذي لا يحسد عليه حالمٌ بائسٌ كَالّ، أنهكه السعيُ وأضنته المحاولات، سألت: أيعقل أني فزتُ حقًّا؟ هل جاءت منقذتي؟ هل أغدقُ بها على نفسي وما حَلُمَت؟ ولم لا، لم لا أختصر الطريق بمحاسن صدفةٍ غدرت كل خيباتي؟ لماذا لا اتأمر على الحياة؟ ولماذا أخول قيمتا العصامية والتعفف، المشبوهتان الباليتان، صلاحِية أن تفسدا نشوتي؟ فالثروةُ الموعودةُ تلك ستفتح لي نوافذ للحياة لم أكن لأحلم بها يومًا. وستسهلُ عليَّ اجتياز سنواتٍ، وحده الله يدري كم سيكون عددها وأمدها. سأشتري شهادة دكتوراه فخرية، وسأخضع لسلسلةٍ من عمليات “التجميل،” وسأؤسس حزبًا، وقد اعتلي سدة كرسيٍ برلماني أيضًا. أيعقل أن يبدل إشعار فيسبوكيٍ لا على البال ولا على الخاطر أحوالي جذريًا وبسلاسة؟ تلألأت عينايَّ بالدموع لثوانٍ، وشعرت بنورٍ خافتٍ سرى في عتمةِ روحي، إلا أن تنهيدة قويةً أسدلت ستار أوهامي القبيحةِ تلك، نعم القبيحة، القبيحة السوداء، وتلا التنهديةَ صوتُ جدي، القروي الذي كابد أهوال الحياةَ طويلًا، بشغفِ المؤمنِ ببساطةِ العيش، ويُسر المعيشة، ونظافة الكف، وتواضع الروح، والسعي في مناكبِها، وهو يقول: “لا تمنح الحياة المال للطيبين ببساطة، فالطَيّبُ، يا ابنتي، عزيزَ حُلمٍ، وعزيزَ روحٍ، وعزيز قلبٍ، وعزيز نفس. والطيّبُ، يا عزيزتي، لا يراودُ الألقاب والمناصب. والطيّبُ ترابيٌ لا يزعزعُ قناعاتهِ وتواضعه الأخضرُ ولا الأصفرُ ولا كلُ ألوانِ المالِ العَفِنِ الفانِ الرخيص. جدُكِ وأنتِ قرويونَ يعبرون هذه الدنيا على سُلّمِ الطيبِ والبساطةِ والكدِّ والإجتهاد.
#سندسيات، يناير، ١٩، ٢٠١٠
Discussion about this post