الدكتورعصام العماد
مدينة قم العلمية
1996 م
——-
إهداء الكتاب
إلى الإمام الخميني الذي يعمر بيتي في ديار الغربة – مدينة قم العلمية – بالخير والبركات ، إلى الذي أدين له بالفكرة الأولى لهذا الكتاب ، فالروح التي تسود هذا الكتاب هي روح ، روح الله الإمام الأكبر الخميني العظيم .
إنّه ليصعب عليّ التعبير عن عمق حبّي لك ، لقد محى الله بنور حبّك وأنسي بك ظلمة وحشتي في غربتي ، وقد الهمتني سبيل التوحيد ومعرفة الله ، وجنبتني مزالق الردى في توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب ، وروحك حاضرة معي ، ومطبوعة في مخيّلتي .. ولك أنت ، ومن أجلك ، قمتُ بإنجاز هذا العمل الصغير ، آية على حبّي لك ، وعلى أنسي بك ، وعلى تأثري بشخصيتك العظيمة وإيماني بتوحيدك ومعرفتك لله – جلّ ثناؤه – المنبثقة من معين القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة ، ومن روايات الأئمة الاثني من أهل البيت وحكما وحشتيه بنوركما
——–
السفر الأوّل لزيارة المشهد المبارك المقدّس لضريح الإمام الخميني :
نهضت باكراً بقصد الذهاب لزيارة المشهد المبارك المقدّس لضريح الإمام الخميني ؛ ودعوت الله – جلّ ثناؤه – بجوار ذلك المشهد المبارك المقدّس – ؛ لأنّني على يقين بأنّ الله – جلّ ثناؤه – سيجيب دعواتي وهو يراني بجوار ذلك المشهد المبارك المقدّس – ، أنْ يركّز كلّ أفكاري وأن يجعل كلّ وقتي تتمركز حول تدوين تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله في فكر الشيخ محمد عبد الوهاب ، وحول تدوين تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله في فكر الإمام الخميني ، فاستجاب الله – جلّ شأنه – دعائي حتّى أنّي لأعجب لهذا النشاط الذي أحسّه منذ أنْ شرعت تدوين تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله في فكر الشيخ محمد عبد الوهاب ، وتدوين تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله في فكر الإمام الخميني ، فأنا أقبل على كتابة التجربتين إقبال العاشق الولهان ، إني أريد أنْ أكتب وأكتب في الليل وفي النهار ، ومن آلاء الله على مثلي أنْ يشتغل في قضية التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّها القضية الكبرى التي خلق الله الإنسان لأجل معرفتها وأريد أنْ يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض بأنّني في كتاب (التشيع في القرن العشرين) شرحتُ فيه تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله بين مدرسة الشيخ محمد عبد الوهاب ومدرسة الإمام الخميني في القرن العشرين ، وفي حقيقة الأمر أنّني في البداية كنت سميّت الكتاب (التوحيد في القرن العشرين) ؛ لأنّ الكتاب كلّه عن التوحيد ومعرفة الله في القرن العشرين ، ولكنّ عدلت عن ذلك .. والبحث في هذا الكتاب عبر طريقين :
الطريق الأوّل إلى التوحيد ومعرفة الله : تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله .. عرفت واكتشفت طريق توحيد توحيد الشيخ محمد عبدالوهاب ، من خلال معرفتي لكتابه في التوحيد ، وكتابه كشف الشبهات ، وكتبه ورسائله الكثيرة .. ولم اكتشف هذا الطريق إلّا بعد دراستي في معهد صنعاء العلمي السلفي ، ثمّ ترسخّت معرفتي بهذا الطريق بعد هجرتي من صنعاء إلى الرياض .
الطرق الثاني إلى التوحيد ومعرفة الله : تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله .. عرفت واكتشفت طريق توحيد توحيد الإمام الخميني .. في مدينة الرياض ، ولكن لم تترسّخ معرفتي بهذا الطريق إلّا بعد هجرتي من مدينة الرياض إلى مدينة قم العلميّة .
والأهمية الكبرى لطريق توحيد الإمام الخميني تكمن بأنّه يحمل قضية الصراع مع المستكبرين والدفاع عن المستضعفين والمحرومين في القرن العشرين ، أما طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب فهو يحمل قضية الصراع مع المستضعفين والمحرومين من زوّار القبور ، ويحمل معه قضية وجوب الطاعة للمستكبرين من أهل القصور ، ومن هنا لم يعد الكثير من طلاب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء في القرن العشرين يستسيغ الإيمان بتوحيد الشيخ محمد عبد الوهاب ؛ لأنّ الله – جلّ ثناؤه – أنّما جعل التوحيد لأجل الدفاع عن المستضعفين والصراع مع المستكبرين : & وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان & (النساء:75) ، & إنّ الله لا يحبّ المستكبرين & (النحل:23) ، ومن هنا كان لابد أنْ يطلّع طالب العلم في معاهدنا السلفية على طريقٍ إلى توحيدٍ جديد ( طريق توحيد الإمام الخميني) وأنْ يترك طريق التوحيد الذي يخدم المستكبرين ، ويقاتل المستضعفين (طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب) .
وسيعجب طالب العلم من العنوان الأصلي للكتاب (التوحيد في القرن العشرين) ، ولكن لا عجب فقد بلغ الصراع بين التوحيد ومعرفة الله في مدرسة الشيخ محمد عبد الوهاب وفي مدرسة الإمام الخميني أوجه في هذا القرن العشرين ، وبلغ من الشدّة ومن القوّة مدى حتى علم كلّ سكان الأرض في القرن العشرين بوجود ذلك الصراع ، حتى صار يقال بأنّ هذا القرن العشرين هو قرن الصراع بين توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب وتوحيد الإمام الخميني .
وفي الحقيقة أنّني أريد من خلال ذكر أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني في هذا الكتاب أنْ يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء دور التوحيد ومعرفة الله في قافلة الإمام الخميني (توحيد المستضعفين والمحرومين في القرن العشرين) في حياة المسلم في القرن العشرين ، ودور التوحيد في ركب الشيخ محمد عبد الوهاب (توحيد المستكبرين والمستبدين في القرن العشرين) في حياة المسلم في القرن العشرين .
وأريد أنْ يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية بأنّ توحيد الإمام الخميني هو توحيد شامل يشمل كلّ حقائق التوحيد ومعرفة الله المذكورة في القرآن الكريم ، وبالتالي يجعل طالب العلم يستمر في السير في طريق التوحيد ومعرفة الله ، أمّا توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب فهو توحيد غابت عنه الكثير من حقائق التوحيد ومعرفة الله المذكورة في القرآن الكريم ، وبالتالي فإذا آمن بتوحيد الشيخ محمد عبد الوهاب طالب العلم لن يستمر طالب العلم في السير في طريق التوحيد ومعرفة الله حسب منهج القرآن الكريم .
وإنّما سميّت كتابي هذا في بداية الأمر & التوحيد في القرن العشرين& ؛ لأنّ القرن العشرين هو قرن الصراع بين طريق توحيد المستضعفين كما رسمه الإمام الخميني وطريق توحيد المستكبرين كما رسمه الشيخ محمد عبد الوهاب ، وقد تمّ تسجيل القرن العشرين باسم قرن الصراع بين طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب وطريق توحيد الإمام الخميني ؛ لأنّ الإمام الخميني رسم طريق التوحيد ومعرفة الله للسائرين والمسافرين المستضعفين في هذا القرن العشرين لا ينسجم مع طريق التوحيد ومعرفة الله للسائرين والمسافرين مع ركب توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب ، ولايمكن أن نسجّل طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب بعنوان توحيد المستضعفين في القرن العشرين ؛ لأنّ الشيخ محمد عبد الوهاب رسم تلك الطريق للسائرين في توحيد المستكبرين ، ولم يرسمه للسالكين في توحيد المستضعفين .
والغريب في الأمر بأنني وجدت بأنّ النقطة المشتركة في حياة الشيخ محمد عبد الوهاب والإمام الخميني ، هي إهتمام الرجلين بقضية رسم الطريق إلى التوحيد ومعرفة الله من أوّل حياتهما الفكرية إلى آخر يومٍ في حياتهما ، ولكن هنالك فرق جوهري بين طريق الشيخ محمد عبد الوهاب إلى التوحيد ومعرفة الله ، وبين طريق الإمام الخميني إلى التوحيد ومعرفة الله كما سوف يتبيّن لطالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء عند تأمله في أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني المذكورة في فصول هذا الكتاب .
ولقد أحببت أنْ أقَدَّمَ للمحبّين والمتأثرين بتوحيد الشيخ محمد عبد الوهاب وللكارهين لتوحيد الإمام الخميني ، حققية هامة سوف تتضح في أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني في هذا الكتاب ، وهي حقيقة وجود خاصية فريدة في توحيد الإمام الخميني لا توجد في توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب وهي خاصية أنّ توحيد الإمام الخميني توحيداً حياً متحركاً مؤثراً ، يثير ويغيّر المجتمعات التي تؤمن به ، ويؤثر في أفكارها ويوجد نقطة تحوّل في حكوماتها ودولها ، لأجل ذلك غيّر توحيد الإمام الخميني حياة الإيرانيين وأوجد الثورة الإسلامية في إيران ، وهذه الخاصية هي ذات الخاصية الموجودة في التوحيد في القرآن الكريم ، فالتوحيد القرآني توحيداً حياً متحركاً مؤثراً ، يثير ويغيّر المجتمعات التي تؤمن به ، ويؤثر في أفكارها ويوجد نقطة تحوّل في حكوماتها ودولها ، لأجل ذلك غيّر التوحيد القرآني حياة العرب في يوم ظهوره حين نزول القرآن الكريم وأوجد الدولة الإسلامية في المدينة النبوية المنورة .
وأريد أنْ يعرف طالب العلم في معاهدنا السلفية في الرياض وصنعاء بأنّني كتبت أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني المذكورة في فصول هذا الكتاب عن الخلل والفساد الذي يوجد لدى المسافر في طريق التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّ طالب العلم حينما يؤمن بطريقٍ في التوحيد ومعرفة الله ، وكان في هذا الطريق بعض الفساد والخلل یعقبه الخسران في الدنيا والآخرة ، ومن هنا من الضروري لطالب العلم في معاهدنا السلفية أنْ يدرك الفساد والخلل الموجود في طريق التوحيد للشيخ محمد عبد الوهاب وإلّا فسوف يكون مصير الطالب في معاهدنا السلفية الخسران في الدنيا والآخرة ؛ لأنّ قضية التوحيد ومعرفة الله هي قلب القرآن الكريم ، وإذا فسد فهم الطالب لطريق التوحيد ومعرفة الله فسد كلّ رؤيته وتفسيره للقرآن الكريم ، ومن هنا كتبت أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني من أجل طلاب العلم في معاهدنا السلفية ، وجعلت في تلك الأسفار الأربعين مقارنة بين التوحيدين المعروفين في العالم الإسلامي في هذا القرن العشرين هما : طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب ، وطريق توحيد الإمام الخميني ؛ لأنّني أريد من طالب العلم أنْ تكون له بصيرة كاملة بالتوحيد ومعرفة الله ، وقد بذلت جهدي في كشف الحقائق والمشاهد التي ترتبط بالتوحيد ومعرفة الله ، ويجب أنْ يعلم طالب العلم بأنّ كل هم شياطين الجن والأنس هو أن يفسدوا التوحيد ومعرفة الله ؛ لأنّه إذا فسد عند طالب العلم التوحيد ومعرفة الله ، فسوف يغلق سبيل الله في وجه طالب العلم ، ويفتح له سبيل الشيطان والسقوط في هاوية الشرك والمشركين ، ونحن كنّا ننظر إلى التوحيد ومعرفة الله في المعاهد العلمية بقلوبٍ بسيطة مصابة بمرض السطحية والسذاجة ونسلّم ونقلّد الشيخ محمد عبد الوهاب في كلمةٍ صدرت منه في طريق التوحيد ومعرفة الله ، وكأنّ طريقه في التوحيد ومعرفة الله نزل من السماء ، مع أنّ طالب العلم الباحث عن حقيقة التوحيد إذا نظر إلى توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب أو إلى توحيد الإمام الخميني نظرة مبنية على أساس التقليد ، وعلى أساس النظرة المصابة بمرض السطحية ، فسوف يقع في طريق الضلالة وبالتالي لابد من الإمساك عن إتباع طريق التوحيد عن طريق التقليد وعن طريق مرض السطحية والسذاجة ، كما قال الإمام علي : & إمْسِك عَنْ طَريق إذا خِفْتَ ضّلالتَهُ & [غرر الحكم :2387] ، وهذه الأسفار الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني المذكورة في فصول هذا الكتاب ، حصيلة تجربتی الطويلة مع طريق توحيد الشيخ محمد عبد الوهاب وطريق توحيد الإمام الخميني ، ولكن قد يسأل طالب العلم في ما هي القيمة الجديدة التي ستضيفه مذكراتك عن تجربتك مع التوحيد ومعرفة الله ؟ .. أنا أرى بأنّ ما يكتبه كلّ إنسان من مذكّرات أو ذكريات حول تجربته الشخصية مع التوحيد ومعرفة الله يُعتبَر خدمةً عظيمة للتوحيد ولمعرفة الله ، لأنّه يقدّم بها ما يغني الإنسان عن مراجعة الكتب المعقدة والصعبة في طرحها لمباحث التوحيد ومعرفة الله ، ولمّا يطالع طالب العلم في معاهدنا السلفية في مجال التوحيد ومعرفة الله سوف يعلم جوانب من الخلل والأغلاط التي وقع فيها السابقون في تجاربهم مع التوحيد ومعرفة الله ، ويعلم الفرق بين تجارب العلماء في التوحيد ومعرفة الله الذين لهم تجربة موافقة للتوحيد ومعرفة الله في القرآن الكريم و بين تجارب العلماء في التوحيد ومعرفة الله الذين لهم تجربة مخالفة للتوحيد ومعرفة الله في القرآن الكريم ، وبالتالي يعلم الفرق بين التوحيد القرآني والتوحيد غير القرآني ؛ لأجل ذلك قال الله – جلّ ثناؤه – : & أفلم يسيروا في الأرض فينظُروا كيف كانَ عاقبةُ الذينَ من قبلِهم ولَدارُ الآخرةِ خيرٌ للّذين اتّقوا أفَلا تَعْقِلون & [ يوسف : 109 ] ، ولأجل ذلك أوصى الإمام علي إبنه الإمام الحسن : & ولتَستقبِل بجدّ رأيكَ من الأمر ما قد كفاك أهلُ التجارب بُغْيَتَه وتجربتَه ، فتكون قد كُفيتَ مؤنةَ الطّلب وعوفيتَ من علاجِ التجربة & ، كما أنّني أردت من ذكر تجربتي مع التوحيد ومعرفة الله تقديم النصح لزملائي في المعاهد السلفية في الرياض وصنعاء ، ومن الله تعالى نستمد العون والتوفيق .
عصام العماد
مدينة قم العلمية
11/ مايو/ 1995 م95l
—————————-
* التاريخ المذكور هو تاريخ بداية التألیف والكتابة عن أسفاري الأربعين لزيارة الضريح المقدّس للإمام الخميني المذكورة في فصول هذا الكتاب .
Discussion about this post