أشواق مهدي دومان
عجبي حين أرى صورة شهيد، و لكن لعلّه الشّعور بالتقصير في حمل المسؤولية ، أو لعلّه الإحساس بالذّنب و بالخجل تجاه من أرخصوا أرواحهم و هي غالية عليهم و على ذويهم ،،
عجبي حين تنسكب دمعات من عمق الرّوح و كأنّ هناك امرأة بين الأهداب تشرف و تقف بدلوها على مجرى نبع فبمجرد أن ترى صورة شهيد حتّى تسارع تلك المرأة السّاقية بصبّ ما احتواه دلوها على يبس وجفاف قسوة الرّوح الظّامئة ، و مع الأيام لا تجد نفسها إلا و هي وسط بستان أخضر معشوشب و به من كلّ شكل و لون و عبق الوردات ، و كأنّ تلك الوردات رسائل تصل لأولئك الشّهداء كتهنئة لهم و بالّلون و الشّكل و الاسم المحبّب لكلّ منهم.
و مع الأيام يتسع البستان و يمتلأ ورده و هنا تحديد و تخصيص الورد بل تمييزه عن الزّهر؛ فالورد أخّاذ شكلا و عبقا ، بينما بعض الزّهر له شكل أخّاذ و لكن عبقه غير محبّب ، و مع مسك الشّهداء عبق الورد جنيّا يكلّل تلك الجنّة الورديّة في عالم أسطوري ، فقد اتسعت تلك الجنّة ليبنى فيها قصر لكلّ شهيد و حياة مترفة وارفة منعّمة يفرح بها هذا الشّهيد و يستبشر بمن لم يلحقه و ينتظر لمن بعده .
نعم : أحتار لمفهوم الشّهداء و وحي الشّهداء و حياة الشّهداء ، و أعجز ( و أنا من معشر الأموات ) عن إحصاء و حصر و تصوّر عالمهم الحيّ ، كما أعجز عن وصفهم بحديث ميت لميت ، و قد بحّ صوتي في مساءلة هذه الرّوح الصّامتة عن عالمهم ، و تاهت أمنياتي أن ترويني بتحقيقها ، و لكنّي هنا لن أبرح أعيد طرق باب اللّه الذي لن يخيّبني بأن يفتح لي منزلا كضيوفه الذين يرزقون عنده ، و لن أملّ من دعواتي للخالق المتعال بأن يمنحني ما منح أحباءه الشّهداء ؛ فترى روحي ذلك العالم واقعا مطمئنا و حياة أبدية قرب و في ضيافة اللّه ، حياة تمحى فيها تساؤلات زادت فيها علامات الاستفهام و التّعجب لكنّها لم تصل للنّقطة إلّا بالشّهادة ؛ فالنّقطة وحدها علامة تمام الكلام ، و خاتمته ،فهل سأصل إلى تلك النّقطة الخاتمة ؟!
ملتقى الكتاب اليمنيين
Discussion about this post