ولنا حكاية أخرى مع أيلول
رويدا البعداني
ككل مرة في السنة تيقظني أناشيد الثورة اليمنية ويشدِ مرأى عيني ذاك الزخم الجماهيري الكبير الذي يهم بالخروج ليحتفل بنتاج أبطالنا الأشاوس الذين بفضلهم تلمظ شعب بكهوله وصغاره بعض حرية. لازال صوت أيوب يرن في جعبة فكري وهو يغني بصوت شجي هاتفا بالنشيد الوطني. كُنا نسمعه مرارا في طابورنا المدرسي فحين يبدأ بالترديد ننتصب حينها كالألف، كُنت صغيرة في العمر- في الصفوف الابتدائية- كانت المعلمة تخبرنا أن من يتكلم أثناء النشيد الوطني أو يكثر من حركته ولا يرفع بيديه لتؤدي التحية فهو ليس محب للوطن وسوف توبخه في الصف.
كُنت أظن حينها أن الوطنية تكرار نشيد ورفع رآية وترديد تحية وأن من لايفعل ذلك فهو غير محب وأصفه بيني وبين نفسي بالتخوين والجبن، كُنت صغيرة لأفقه معنى الوطنية وماهو الوطن؟ لم أعيَّ حينها أن هذه الشعارات والإدعاءات قد تكن محض زيفة وتصنع ليس إلا.
كانت معلمة التاريخ تخبرنا عن الثوار وكيف ناضلوا لتصبو الحرية على ساحات هذا الوطن، لطالما حكت عن مدى استبسالهم وجهوزيتهم في مقارعة الظلم وصد المعتدين القادمين من خارج الوطن الذين لاهم لهم إلا أن نخضع وننجر وراءهم وأن نكون عبيد لانعرف للحرية فج وسبيل، لكنها نست أن تتكلم عن أولئك الذين تسببوا في خلق الثورات وكان لهم الدور الأكبر في نشوب الحروب واندلاعها، أولئك الذين يتلذذون وهم يرون سيلان الدم في ميدان المعركة وتزايد أعداد الجثث الملقية أرضًا. فتلك الدولة ستسفيد من ديمومة الحرب بيع سلاحها ومصادرته بما في ذلك تجربته، وتلك ستأتي مرتدية زي الإنقاذ الكاذب تدعي بذلك تمديد المساعدة وتحقيق مبدأ التعاون بينمها هي تجهز بذلك خطة جهنمية تضمر الشر والكيد الدفين، وهناك ثلة كثيرة تكتفي دوما بالمشاهدة والتحديق منتظرة دنو النهاية لتصفق فيما بعد للبطل ذو القلادة الأقوى وهنا يتجسد الخزي والقبح بأدنى صوره. وهناك من يأتون في الحلقة الأخيرة بعد أن رأوا أن النصر سيكون حليف لأولئك الأحرار الذين ارتقت أرواحهم شهداء واستقت الأرض من عبير دمهم الطاهر، يأتون بعجالة لاغتنام وجبة الانتصار الدسمة على حساب االذين تجشموا عناء القتال وانصباب العرق ولهيب المعركة قائلين:-نحنُ من انتصر، بفضلنا تمت الثورة وتحققت. وكم أتمنى حينها أن تنطق أفواه الكراسي أنهم مابرحوها وأنهم بالله لكاذبون.
نعم أيتها المعلمة هناك أشياء عدة غُيبت من كتب التاريخ وهي المهمة، فقد ذُكر أن الاستبداد قد زال ولكنه إلا اليوم لازال قائما، ذُكر عن انتهاء الظلم بينما لازال حائما، ذُكر وذكُر وذُكر ولستُ أرى إلامنجزات قليلة لم تفي بتلك الأهداف السامية والجلية، فالحرية لم تزل مسلوبة، والإنسانية لازالت مفقودة، والوصاية الخارجية الأجنبية كانت حينها موجودة وممدودة، لم نخرج بكل الأهداف بل بعضا منها، لم نكن نصدق أن الحكم انتقل من ملكي إلى جمهوري ولكن الحقيقة تجلت بعد حين بأن الحكم جمهوريا في الشكل ليس إلا وأن الحلبة لازالت تحت وطأة الظلمة.
إن الحديث عن الثورات ليس بالأمر السهل، لابد من أن تكن مطلع بالقدر الكافي لترى حقيقة الأحداث وتكتشف صدقها من كذبها، فنحن في زمن كُثرت فيها الثورات باسم الحرية وانتهاء الاستبداد بينما إلى الآن لازلنا نحوم في دائرة الغبن والوهن والتخبط.
#الحملة_الدولية_لفك_حصار_مطار_صنعاء
#اتحاد_كاتبات_اليمن.
Discussion about this post